العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وعلى أثر تلك الزيارة، غير المُرحب بها، أعلنت الصين إيقاف التعاون مع واشنطن بشأن موضوعات المناخ، وعدد من القضايا الأخرى، كما جمدت الاتصالات العسكرية القائمة بينها وبين أمريكا.

اتجاهات الصراع الصينى ــ التايوانى
 

لواء د. سمير فرج

 18 أغسطس 2022


مع بداية الصراع الروسى الأوكرانى، يوم 24 فبراير الماضى، انشغلت مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية، بمحاولة التنبؤ بتطور الأحداث على الصعيد العالمى، ومنها إمكانية انتهاز الصين، انشغال العالم بهذه الحرب، للقيام بغزو تايوان، وإعلان انضمامها رسميا لها. والحقيقة أن السؤال طُرح عليّ، مرارا، فى كثير من اللقاءات الإعلامية، مع المحطات الإخبارية المحلية والعربية، وهو ما أجبت عنه، بوضوح، بأن الصين لن تقدم على القيام بأى عمل عسكرى، حاليا، لضم تايوان إليها.

وحتى مرور خمسة أشهر من الصراع الروسى الأوكرانى، تأكدت صحة رؤيتى، حتى جاءت زيارة نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأمريكى، ثالث مسئولة فى هرم السلطة فى أمريكا، بعد الرئيس الأمريكى ونائبه، إلى تايوان، تلك الزيارة التى أبلغها الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بعدم تفضيل وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، القيام بها. فوفقا لما نقلته جريدة «وول ستريت»، الأمريكية، أن محادثة هاتفية قد دارت بين الرئيس الصينى ونظيره الأمريكى، لمدة زادت على ساعتين، قبل بدء الزيارة، أكد فيها الرئيس الصينى عدم مناسبة التوقيت، للقيام بهذه الزيارة، والتى قد تكون سببا لإثارة أزمة جديدة بين الدولتين، وفى نفس المحادثة، أكد الرئيس الصينى عدم عزم بلاده القيام بعمل عسكرى ضد تايوان.

ومع إصرار نانسى بيلوسى، على إتمام زيارة تايوان، ضمن جولتها لعدة دول فى جنوب شرق أسيا، انحبست الأنفاس، ونفسى معهم، فى أثناء متابعة اقتراب طائرتها من جزيرة تايوان، وسط تهديد الصين، ووعيدها، ولكن بحمد الله، هبطت الطائرة الأمريكية بسلام إلى مطار تايبيه، وخرجت علينا بيلوسى معلنة أن بلادها لن تسمح لبكين بعزل تايوان، وهو ما اعتبرته الصين تهديدا مباشرا لمبدأ «الصين الواحدة»، وهذا الأمر الذى تعترف به معظم دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلا أقل القليل منها.

وتوتر الموقف سياسيا، قبل أن يكون عسكريا، فعدد من الدول الأوروبية عارضت إتمام تلك الزيارة، نظرا لضخامة استثماراتها فى الصين، ووصول حجم التجارة بين أوروبا والصين، فى 2021، إلى 80 مليار دولار، فى ظل اعتماد معظم الصناعات الأوروبية على الصناعات المغذية الواردة من الصين، وهو ما ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد الأوروبى، حال نشوب نزاع سياسى، أو عسكرى، مع الصين. ومن ناحية أخرى، عارضت أوروبا إشعال فتيل أزمة، تكون سببا فى انحياز الصين، التام، إلى روسيا، وتوطيد أواصر التعاون الاقتصادى معها، وهو ما من شأنه تخفيف وطأة العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة، حاليا، على روسيا. فضلا عن إدراك أوروبا أهمية تايوان، كمصدر رئيسى لمدخلات الصناعات الأوروبية، خاصة الرقائق الإلكترونية، مما عزز من رغبتها بعدم إثارة التوتر فى تلك المنطقة المهمة من العالم، وفى هذا التوقيت بالذات.

وعلى أثر تلك الزيارة، غير المُرحب بها، أعلنت الصين إيقاف التعاون مع واشنطن بشأن موضوعات المناخ، وعدد من القضايا الأخرى، كما جمدت الاتصالات العسكرية القائمة بينها وبين أمريكا. ومن ناحية أخرى، بدأت فى خطتها لترهيب الشعب التايوانى، بتنفيذ أكبر مناورة عسكرية، فى تاريخها، فى ست مناطق محيطة بجزيرة تايوان، وأعلنت القيادة الصينية أن هذه المناورات تركز على التصدى للغواصات والهجمات البحرية، بل وزادت على ذلك أن أطلقت صواريخ باليستية، تجريبية، خلال التدريبات، فوق العاصمة التايوانية، تايبيه، للمرة الأولى، مما اضطر عددا من خطوط الملاحة الجوية، لإعلان إيقاف رحلاتها فى تلك المنطقة، كما فرضت تايوان قيودا على الطيران، لنفس السبب.

نفذت الصين تلك المناورة العسكرية، بأعداد كبيرة من السفن الحربية والطائرات المقاتلة، حتى إن بعض المراقبين العسكريين، أعلنوا أنها استخدمت أنواعا جديدة من الأسلحة، التى لم تستخدم من قبل، ولم يكن الغرب على علم بها. وعلى الصعيد الاقتصادى، قامت الصين بتطبيق إجراءات اقتصادية، رادعة، ضد تايوان، بعدما كانت المستورد الأكبر لمنتجاتها، بفاتورة تجارية بلغت 113 مليار دولار، فى العام الماضى، كان معظمها من الرمال الطبيعية، التى هى أساس رئيسى فى الصناعات الإلكترونية، وأهمها الرقائق، التى تتميز بها تايوان. ومن ناحيتها، وردا على المناورات الصينية، ومحاولات الترهيب العسكرى، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، بإجراء تدريبات مشتركة مع إندونيسيا، حول جزيرة سومطرة، استمرت حتى يوم الرابع عشر من أغسطس، كما بدأت فى التخطيط لتنفيذ مناورة عسكرية كبيرة بقواتها الموجودة فى المنطقة.

ورغم كل تلك التصعيدات، مازلت أرى أن الصين لن تُقدم، فى الفترة القريبة القادمة، على أى عمل عسكرى، لاستعادة جزيرة تايوان بالقوة، وهو ما يرجع، من وجهة نظرى، إلى التقدم الهائل الذى تحرزه الصين من الناحية الاقتصادية، حتى صارت المنافس، والخطر، الاقتصادى الوحيد الذى يهدد أمريكا، ولا أظن الصين قد تخاطر، فى الوقت الحالى، بتعطيل مسيرتها الاقتصادية، واستنزاف مواردها فى عمليات عسكرية، فى أى اتجاه، فيكفى ما أنفقته من مليارات الدولارات فى مبادرة الحزام والطريق، التى تشارك فيها 123 دولة، لربط الصين، اقتصاديا، مع دول آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وفى الوقت نفسه، تُدرك الصين أن قوتها العسكرية تتناسب طرديا مع قوتها الاقتصادية، فكلما ارتفعت معدلات نموها الاقتصادى، تمكنت من تعزيز قواتها المسلحة، ورفع كفاءتها، كما أثبتت، عمليا، من خلال مناورتها الأخيرة. وأظن أن القيادات الصينية تعمل بمبدأ «تايوان موجودة ... هتروح فين»، وهو ما يؤكد أن العقل الصينى لن يقدم على مغامرة القيام بأى عمل عسكرى ضد تايوان، ليس قبل السنوات الثلاث القادمة.



Email: sfarag.media@outlook.com