حرب الغاز بين روسيا والغرب

عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، يوم 24 فبراير الماضي، توقع الخبراء ألا تدوم لأكثر من أربعة أشهر، فلم تصدق توقعاتهم، وتطورت أعمال القتال، لتدخل الآن فى شهرها السابع. وبعدما كانت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ترمى لإطالة زمن الحرب، بهدف استنزاف الاقتصاد الروسي، بدا أن الهدف لم يتحقق، رغم ارتفاع تكاليف الحرب، ورغم العقوبات الاقتصادية الشديدة التى فرضها الغرب على روسيا، إذ ارتفع سعر الروبل، فى الأسواق العالمية، نتيجة زيادة الطلب عليه بعد قرار الرئيس الروسي، تحصيل فاتورة تصدير الغاز بعملته المحلية. كما استطاعت روسيا الاستيلاء على ما مايزيد على 20% من الأراضى الأوكرانية، وتمكنت من السيطرة على بحر أزوف، والجزء الأكبر من البحر الأسود فى أوكرانيا.

وإذا بروسيا تتبع ذات الاستراتيجية لإطالة زمن الحرب، إلا أن أهدافها تختلف، إذ تسعى لدخول فصل الشتاء، وزيادة احتياج أوروبا للغاز، ليس فقط للأغراض الصناعية، وإنما كذلك لأغراض التدفئة، وهو ما دفع مجموعة السبع الصناعية الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وكندا واليابان، لاتخاذ قرارها بفرض سقف لسعر البترول الروسي،يتم تحديده عند مستوى يستند على سلسلة من البيانات الفنية، موجهة بذلك ضربة لصادرات النفط الروسية، بهدف حرمان موسكو من أحد أهم مواردها من قطاع الطاقة، والحد من قدرتها على تمويل الحرب فى أوكرانيا.

وازدادت الأمور اشتعالاً،ففور صدور القرار، أعلنت روسيا توقف شركة جازبروم عن ضخ الغاز الطبيعى الروسي، إلى أوروبا، عبر خط نوردستريم 1، معللة بأن التوقف يرجع لأسباب فنية، تستدعى عمليات صيانة عاجلة. كما أعلن الكرملين امتناع روسيا عن بيع النفط للدول التى ستفرض سقفا سعريا للغاز، لتبدأ حلقة جديدة من الصراع بين روسيا والغرب. ورداً على الإجراءات الروسية، أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية، أن مخزونها من الغاز يتجاوز 80% من احتياجات الشتاء المقبل، بينما أعلنت فرنسا التزامها بتشغيل 65 مفاعلاً نووياً، خلال الشتاء القادم، لتعويض نقص الغاز الروسي.

ويرى المحللون أن توقف روسيا عن ضخ الغاز، عبر خط نوردستريم 1، من شأنه تقليل المعروض، فى السوق العالمية، وبالتالى ارتفاع أسعار النفط، فى الفترة القريبة المقبلة، بما يمثله ذلك من زيادة الأعباء الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم، ليس فقط فى الدول الأوروبية، وإنما فى باقى دول العالم. وفى حال توجه الدول الأوروبية للاعتماد على استيراد الغاز الطبيعي، فلن تتمكن من التنفيذ، قبل عدة سنوات من الآن، لما يتطلبه ذلك من بنية تحتية خاصة، ومشروعات محددة، منها وجود مصانع إعادة الإسالة، وهو الأمر غير المتاح، حالياً، فى كل الدول الأوروبية، التى كانت تعتمد على استيراد الغاز الطبيعى عبر خطوط الأنابيب من روسيا.

ومثلما رفضت الصين الانصياع للعقوبات المفروضة على روسيا، منذ بدء الحرب، فقد أعلنت عدم التزامها بتلك العقوبات، الجديدة، المفروضة من الدول الصناعية السبع، واستمرارها فى استيراد النفط الروسي، مستقبلاً، وهو ما يعنى التخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية على روسيا. وهنا يتبادر السؤال، هل سيتقبل المواطن الأوروبى إجراءات التقشف، المُتوقع فرضها فى الشتاء القادم،من قِبل الحكومات الأوروبية، المتحدة، حتى الآن، ضد موسكو،وسط تساؤلات شعوبها، عن مدى تحملهم دفع ثمن سيطرة الولايات المتحدة على سياسات دولهم؟

ولقد كانت أولى بوادر التحرك الشعبي، هى المظاهرات الحاشدة، التى شهدتها العاصمة التشيكية، براج، لمطالبة حكومتها بالتحرر من التبعية لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ورفع فيها المتظاهرون شعار تشيكيا فى المقام الأول، رفضاً لإصرار بلادهم على تقديم المساعدة لأوكرانيا، والتعرض للعقوبات فى المقابل. وهو ما يراه البعض، بداية لتحرك باقى الشعوب الرافضة للسير فى ركاب الاتحاد الأوروبي، بمعاداته روسيا، وفقد الغاز الروسى فى الشتاء القادم، خاصة بعدما أثبتت حزم العقوبات الاقتصادية، التى فرضتها الدول الأوروبية، عدم جدواها فى إجبار روسيا على وقف الحرب، والدخول فى مفاوضات، لتحقيق السلام فى المنطقة.

وبالتزامن مع تصاعد كل تلك الأحداث، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تأمل فى سرعة التوصل إلى اتفاق مع إيران، لإعادة توقيع الاتفاق النووي، الذى انسحب منه الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، بما يسمح لإيران بالبدء فى تداول النفط، فى الأسواق العالمية، لسد الفجوة الناتجة عن منع أو وقف ضخ الغاز الروسي، بما يحافظ على ثبات الكميات المعروضة، وبالتالى عدم تأثر الأسعار. إلا أنه فى ظل انقسام الرأى العام الأمريكى على ذلك الاتفاق النووي، فمن الواضح، حتى الآن، أنه سيتأجل لما بعد الانتخابات النصفية الأمريكية، إذ تخشى الإدارة الأمريكية الحالية، أن تتأثر شعبية الحزب الديمقراطي، الحاكم، فى الانتخابات القادمة، على أثر توقيع هذا الاتفاق، خاصة بعد إصرار إيران على إغلاق تحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد العثور على آثار يورانيوم مخصب فى ثلاثة مواقع غير معلنة، وهو ما يرفضه رئيس الوكالة رافائيل جروس.

وهكذا بدأت الأمور تسير فى طرق مخالفة عما بدت عليه فى الرابع والعشرين من فبراير الماضي، وتحولت الدفة من حرب تقليدية بين دولتين، إلى حرب جديدة، بين روسيا والغرب،هى حرب الغاز، يُتوقع معها أن تشهد الأشهر الثلاثة القادمة تغير العديد من الأوضاع على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ليس فى أوروبا، فحسب، وإنما ستنسحب آثارها على جميع دول العالم، حتى تضع الحرب أوزارها!