العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
أما الحرب الثالثة، فهى حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى.
|
ومازالت الحروب الثلاث فى غزة مستمرة
لواء د. سمير فرج
|
1 يونيو 2024
|
عندما بدأت أعمال القتال فى السابع من أكتوبر 2023 بين المقاومة الفلسطينية (حماس)، لم يتوقع أى من المحللين العسكريين أن يستمر الأمر أكثر من عدة أسابيع، وها نحن فى الشهر الثامن ولايزال القتال مستمرا، وإذا تمعنا فى الأمر سنكتشف أننا أمام ثلاث حروب وليس حربا واحدة تشهدها أرض غزة.
الحرب الأولى، هى الحرب التقليدية بين القوات الإسرائيلية وقوات حماس الصامدة، أما الثانية فهى الحرب النفسية التى تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى بشكل رئيسى بالإضافة إلى استهدافها الرأى العام الإسرائيلى والعالمى، لإقناعه بأن النصر حليف إسرائيل لا محالة
أما الحرب الثالثة، فهى حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى، الذى استشهد منه حتى الآن أكثر من 35 ألف شهيد أكثرهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى 75 ألف جريح، هذا إلى جانب عمليات التدمير الكلى للبنية التحتية الأساسية لغزة، من منازل ومستشفيات ومرافق ومحطات المياه والكهرباء، وصارت غزة منطقة أنقاض حرب.
وبمراجعة الموقف فى الحرب الأولى نجد أن إسرائيل حتى الآن لم تتمكن من تحقيق أى إنجاز، أو أى من أهدافها التى تتلخص فى أربعة أهداف هى القضاء على حماس وهذا لم يحدث وإجلاء الرهائن الإسرائيليين من يد المقاومة وهذا أيضا لم يحدث على الرغم من عمليات تسريح عدد من الرهائن التى جاءت كنتيجة لمباحثات وقف إطلاق النار وليس بالقتال كما يدعى نتنياهو.
أما الهدف الثالث وهو الاستيلاء على غزة، فهو أيضا لم يحدث ومازالت إسرائيل تقاتل فى شمال ووسط غزة، وحاليا فى الجنوب باتجاه ورفح، حتى الآن لم تتمكن من السيطرة على غزة.
ويأتى الهدف الرابع والمتعلق بنقل أهالى غزة إلى صحراء سيناء، أو ما يطلق عليه عملية Transfer، وهذا أيضا لم تنجح إسرائيل فى تحقيقه فيه، بفضل قرار الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى منذ الأسبوع الأول من بدء القتال، عندما أعلن رفض نقل أهالى عزة لسيناء بما يمثله من تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها وإنهاء حلم إعادة الدولة الفلسطينية.
وهكذا تمر أحداث الحرب فى شهرها الثامن دون تحقيق إسرائيل لأية مكاسب أو انتصارات، بل على العكس، فقدت إسرائيل ثلاثة آلاف جندى وضابط وهناك الآلاف من المصابين فى العمليات بين أفراد الجيش الإسرائيلى، الأمر الذى يثبت للعالم كله أن جيش الدفاع الإسرائيلى الذى لا يقهر يقف عاجزا أمام صلابة المقاومة الفلسطينية، هذا بالطبع بالإضافة إلى فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة «الموساد والشاباك وأمان» فى اكتشاف بدء عمليات الهجوم من حماس والاستعدادات التى تمت لهذه العملية ولا حتى التدريبات التى تمت قبل الحرب أو حتى عملية شراء الطائرات الشراعية التى عبرت بها قوات حماس الحائط الذى أقامته إسرائيل أمام غزة.
وإلى جانب ذلك فشلها فى اكتشاف ومعرفة أى معلومات دقيقة حول الأنفاق أو مترو غزة الذى تسبب فى خسائر كبيرة للقوات الإسرائيلية، ومازالت عناصر حماس تختبئ فى هذه الأنفاق. وعلى رأسهم يحيى السنوار ومعه الرهائن الإسرائيليون، وهو ما يعد أكبر فشل للاستخبارات الإسرائيلية.
وعندما نتحدث عن الحرب الثانية وهى الحرب النفسية والدعائية والتى ظهرت مؤخرا فى إعلام إسرائيل من إعلانها الاستيلاء على ممر فيلادلفيا، ذلك الممر الخالى من القوات العسكرية وفقا لاتفاقية السلام، والممتد بطول 14 كيلو من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبوسالم، بعمق فى حدود 100 متر، وتم الاتفاق بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، ليكون منطقة عازلة لا تتواجد بها أى قوات بهدف أن يصبح Buffer Zone بين غزة ومصر، لمنع أى عمليات تهريب للأسلحة أو المخدرات، وهو الاتفاق الذى التزمت به مصر وحافظت على عدم وجود أى قوات مصرية، وبالتالى فلسطينية وإسرائيلية فى هذا الممر الذى يعتبر جزءا من الأراضى الفلسطينية تنفيذا لبنود الاتفاقية.
لنفاجأ بإعلان إسرائيل فى الأيام الماضية عن دخولها ممر فيلادلفيا، تحت شعار تدمير الأنفاق بين غزة ومصر، ومنع تهريب الأسلحة من مصر إلى غزة وهو أمر عار تماما من الصحة، فمصر خلال السنوات الست السابقة قامت بالقضاء على عناصر الإرهاب فى سيناء ونجحت فى تدمير وإزالة كافة الأنفاق التى كانت موجودة من قبل بين غزة ومصر، ليس لصالح إسرائيل ولكن حماية أمن مصر القومى فقط، ومن هذا المنطلق فإن مصر على يقين أنها أزالت كافة الأنفاق. وأكررها الهدف كان الأمن القومى المصرى فقط لا غير.
وقد أظهرت عملية احتلال إسرائيل لممر فيلادلفيا الخالى من أى قوات، أن الهدف منها هو استخدامها فى الحرب الدعائية لإظهار أن إسرائيل تحقق نصرا على أرض غزة، وأن الجيش الإسرائيلى نجح فى الاستيلاء على أرض جديدة فى المعركة.
أما بالنسبة لمصر، فعلينا أن نعلم أولا أن ممر فيلادلفيا لا يقع فى الأراضى المصرية، بل فى الأراضى الفلسطينية، ولكن على الرغم من ذلك فدخول القوات الإسرائيلية تلك المنطقة هو مخالفة لبنود اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
وعند حدوث مخالفة لبنود الاتفاقية، فهناك لجنة مشكلة من الجانبين، يتمثل دورها فى مراقبة حدوث أى اختراق لبنود المعاهدة من أى من الجانبين لبحث المسألة وتحديد السبب والإجراءات التى يجب اتخاذها، بداية من التوجيه للقوات الإسرائيلية بالخروج من الممر، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه طبقا لنصوص الاتفاقية وإذا لم تلتزم إسرائيل بذلك فهناك إجراءات تصعيدية أخرى من جانب مصر نحو عدم التزام إسرائيل بتنفيذ بنود اتفاقية السلام- كامب ديفيد.
وفى إطار الحرب النفسية التى تقوم بها إسرائيل، قامت بإعلان احتلالها لمعبر رفح من الجانب الفلسطينى لإقناع الشارع الاسرائيلى بأن جيشهم حقق نجاحات تجاه المقاومة الفلسطينية.
وتجىء أخيرا حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى، فلدينا قرار المحكمة الدولية فى لاهاى والخاص بإدانة نتنياهو رئيس الوزراء ومعه وزير الدفاع الإسرائيلى. والثانى الخاص بوقف إطلاق النار فورا وعدم اقتحام مدينة رفح والإدانة الكاملة للأعمال الوحشية ضد الشعب الفلسطينى، علاوة على قرار للأمم المتحدة بالأغلبية بوقف إطلاق النار فورا ورغم ذلك لم تمتثل إسرائيل لهذه القرارات، حتى بعد أن تم عرض القرارات على مجلس الأمن ليقف الفيتو الأمريكى حائلًا ضد تنفيذ هذا القرار!.
وهكذا فإن إسرائيل تدخل شهرها الثامن فى هذه الحروب الثلاث دون تحقيق أى نصر من قريب أو بعيد، ولكنها فقط حققت القتل والدمار للنساء والأطفال فى أسوأ كارثة إنسانية وبشرية فى العصر الحديث.
Email: sfarag.media@outlook.com
|