العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

هذه الطائرة أطلقها حزب الله إلى داخل عمق إسرائيل، وبالذات منطقة حيفا، لتعود إلى قاعدتها فى حزب الله فى جنوب لبنان.

الهدهد
 

لواء د. سمير فرج

 6 يوليو 2024


الهدهد طائر ورد اسمه فى القرآن الكريم لأنه كان رسولا ومبعوثا من النبى سليمان إلى بلقيس ملكة سبق ولقد حرم الرسول عليه الصلاة والإسلام ذبحه لذلك عرف فى التراث الإسلامى بأنه طائر لأغراض الاتصال ونقل الرسائل، ومن هنا أطلق حزب الله اسمه على مسيرة إيرانية الصنع والتصميم تعمل بالكهرباء وبدون صوت وتستطيع التهرب من الرادارات، وهى فرد من عائلة هدهد واحد وثلاثة.

هذه الطائرة أطلقها حزب الله إلى داخل عمق إسرائيل، وبالذات منطقة حيفا، لتعود إلى قاعدتها فى حزب الله فى جنوب لبنان، بعد أن نجحت فى تصوير فيديو ٩ دقائق يصور مسارًا دقيقًا، حيث تجاوزت طبقا لحزب الله، جميع وسائل الدفاع الجوى الإسرائيلى، بدءا من القبة الحديدية. إلى نظام مقلاع داوود، وأخيرا نظام أرو أو السهم. هذه الأنظمة الثلاثة التى تدافع عن سماء إسرائيل وتعمل على مختلف الارتفاعات المنخفضة والمتوسطة والعالية والتى لم تستطع اكتشاف طائرة الهدهد وتدميرها بالطبع كانت صدمة كبيرة داخل رئاسة الأركان العسكرية الإسرائيلية.

وعادت بعد أن صورت كل الأهداف داخل إسرائيل منها مواقع إسرائيلية حساسة، قواعد عسكرية، موانئ إسرائيلية ومطارات. هذا الفيديو كشف مشاهد فى مدينة حيفا. غاية فى الدقة، منها مجمع الصناعات العسكرية، قاعدة حيفا العسكرية، والمنشآت البتروكيماوية، ومبنى قيادة وحدة الغواصات الإسرائيلية، وسفن سعر بأنواعها كذلك المنشآت المدنية للشعب الإسرائيلى.

ولقد ردت وسائل إعلام إسرائيلية بأن هذه كانت رسالة شديدة اللهجة لإسرائيل من حزب الله، والواقع من وجهة النظر العسكرية أن حزب الله أصبح لديه بنك معلومات كامل، يحتوى كافة المعلومات عن الأهداف الإسرائيلية العسكرية والمدنية والصناعية فى مدينة حيفا على البحر المتوسط الذى يعتبر أكبر ميناء فى إسرائيل، مثل ميناء الإسكندرية فى مصر.

وبتحليل هذه الصور نجد أنها كانت فى غاية الدقة والوضوح، ولا تحتاج إلى محلل لقراءة الصور الجوية. كما يحدث فى مختلف الجيوش العسكرية، حيث إن دقة التصوير والوضوح أضافت قدرة عالية لعناصر حلف حزب الله لتصل طائرة الهدهد إلى حيفا، وكيف لم تكتشفها الرادارات الإسرائيلية، وكيف لم تتعامل معها عناصر صواريخ ومدفعية الدفاع الجوى الإسرائيلية سواء القبة الحديدية أو نظام مقلاع داوود، أو نظام أرو، وكلها أنظمة دفاعية عالية الدقة تعمل على مختلف الارتفاعات.

وقد يتساءل البعض هل هذه الصور حقيقية وكيف ذلك؟ وأن الأمر فى غاية السهولة، وهو نفس الموقف، غاية التعقيد، وكلنا نتذكر كيف أن أوكرانيا نجحت فى المراحل الأولى فى حربها مع روسيا فى أن ترسل طائرة مسيرة اخترقت كل وسائل الدفاع الجوى الروسى، حيث تعتبر أنظمة الدفاع الجوى الروسى من أهم وأدق وأكفأ انظمة الدفاع الجوى فى العالم، وصلت هذه المسيرة إلى مبنى الكرملين فى موسكو، وانفجرت فوق المبنى، وكانت صفعة قوية للجيش الروسى وقوات الدفاع الجوى له.

لذلك جاءت المفاجأة هذه المرة من حزب الله وحسن نصرالله الذى وقف فى مؤتمره مع أعضاء حزبه، يتفاخر بما حققه حزب الله وهو وصول هذه الطائرة هدهد إلى عمق إسرائيل، وإلى أكبر هدف حيوى فى إسرائيل بعد تل أبيب، وهو ميناء حيفا.

وبوصول هذه الطائرة إلى عمق إسرائيل، فذلك يعنى أن حزب الله أصبح قادرا على الوصول بطائراته المسيرة الهجومية وصواريخه إلى عمق إسرائيل، وأصبح لديه بنك معلومات له أهداف محددة سوف يستخدمها فى أى عمليات عسكرية واسعة، يمكن لحزب الله أن يدمر بها هذه الأهداف، ويلحق بإسرائيل خسائر معنوية ومادية كبيرة، لم تحدث لها من قبل.

وأعتقد أن إسرائيل بعد هذا الحدث قد عقدت العديد من الجلسات لدراسة هذه الكارثة العسكرية لتحديد أين الثغرات فى وسائل الدفاع الجوى الإسرائيلى وكيف لم يكن بالإمكان تدمير هذه الطائرات التى تخترق كل هذه المسافة داخل العمق الإسرائيلى حتى إن بعض المحللين العسكريين قد خرجوا للإعلام وقالوا إن هذه الطائرة المسيرة الهدهد قد تم إطلاقها من داخل إسرائيل بواسطة أحد العملاء.

كل ذلك فى إطار تبرير ضعيف لضعف وسائل الإنذار الإسرائيلية التى لم تلتقط طائرة الهدهد أو التعامل معها، لتخترق كل هذه المسافة داخل الدفاعات والأراضى الإسرائيلية، كما أن ذلك الحدث كشف مواقع الأسلحة والمعدات الإسرائيلية فى هذه المنطقة، وبلا شك ستقوم إسرائيل بعدها بتغيير أماكن تمركزها، حتى لا تكون أهداف مؤكدة لأى هجوم من حزب الله ضدها مستقبلا، كذلك أثار هذا العمل العديد من المحللين، كيف أن عناصر الحرب الإلكترونية الإسرائيلية لم تستطع اكتشاف طائرة الهدهد، أو حتى الشوشرة عليها إلكترونيا، خاصة أن إسرائيل من أكثر الدول فى العالم تقدما فى مجال حرب المعلومات الإلكترونية (IT) التى تعتمد على جمع المعلومات من الأهداف والتعامل معها إلكترونيا قبل ضربها بالنيران.

ومن هذا المنطلق، فإن الأحداث تثبت يوما بعد يوم أن جيش الدفاع الإسرائيلى لم يعد أسطورة كما كان يطلق عليه من قبل وها هو يفشل بعد تسعة أشهر من القتال فى تحقيق أى مهام من هذه الحرب، حيث إن خسائره حتى الآن ٢٥٠٠ قتيل، وأكثر من ٢٥٠ جنديا وضابطا، بينهم قيادات كبيرة، ولأول مرة قامت إسرائيل بتهجير نصف مليون من المستوطنين الموجودين على أطراف غزة. كذلك ولأول مرة حصلت المقاومة الفلسطينية على كثير من المعلومات عن الموساد خلال العمليات التى تمت.

أخيرا، إن إسرائيل لأول مرة يتم غزو أراضيها، وهى ليست من قامت بالغزو لأراضى الغير كما كان يحدث من قبل فى كل المعارك السابقة، كما حققت هذه الحرب إسقاط الوحدة الداخلية داخل الحكومة الإسرائيلية، بانسحاب لبعض الوزراء من حكومة الحرب وعادت قضية فلسطين إلى مكانها فى العالم، ولأول مرة تحدث مظاهرات داخل إسرائيل تطالب بإسقاط نتنياهو بعد فشله فى إدارة هذه الحرب، وبلغت خسائر إسرائيل ٢٤٠ مليون دولار فى اليوم الواحد بسبب توقف الاستثمارات والسياحة كذلك فقدت إسرائيل لأول مرة تعاطف شعوب العالم، حيث إن المظاهرات فى جميع مدن وجامعات العالم أوضحت أن إسرائيل بلد لا يعرف الحقوق الإنسانية.

كما يأتى بعد ذلك فكرة ما هو مصير العمليات فى اتجاه جنوب لبنان فى الفترة القادمة، حيث أكد العديد من المحللين العسكريين أن جيش الدفاع الإسرائيلى خائف من الدخول فى هذه الحرب، حيث إن حزب الله لم يستخدم حتى الآن سوى ١٠٪ من قواته العسكرية.

على أى حال يأمل الجميع أن ينتصر فكر السلام وتهدأ الأحوال لصالح شعب غزة الذى تعرض لأكبر هزة إنسانية فى التاريخ الحديث.



Email: sfarag.media@outlook.com