|
في مثل هذا التوقيت من العام الماضي ... وتحديداً يوم 14 يناير 2016 ... وعلى نفس هذه الصفحة من جريدة الأهرام ... عرضت موضوع تحت عنوان "أخطر وثيقة أمريكية عن مصر عام 2020" ... تناولت في مقالي تلك الوثيقة التي أعدتها جهات أمريكية متخصصة، لصانع القرار الأمريكي، لتحديد استراتيجية وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، نحو مناطق الاهتمام والصراع في العالم. وهو تقليد متبع للإدارات الأمريكية المتتابعة، في الاعتماد على مثل تلك الدراسات المتخصصة، والتي تصدر كل خمس سنوات لتغطية فترات مستقبلية، ويتم تعديلها إذا ما اقتضى الأمر، ووفقاً لمجريات الأمور. ولقد أختصت هذهالوثيقة، التي أشرت إليها في مقالي العام الماضي، كل من مصر وروسيا بدراسة منفصلة عن باقي الاتجاهات الاستراتيجية في العالم، وهو ما يبرز ويوضح أهمية مصر بالنسبة لصانع القرار الأمريكي، خاصة في الفترة الحالية. لقد أكدت الدراسة، أنه بحلول عام 2020، ستصبح مصر أكبر الدول إنتاجاً للغاز الطبيعي، في المنطقة، وذلك من حقولها الجديدة في البحر المتوسط، وشمال الدلتا، والصحراء الغربية، مما يؤهلها لأن تصبح أكثر الدول نفوذاً في المنطقة، بقياسات اقتصادية وعسكرية. إذ أكدت الدراسة، أن هذا الإنتاج من شأنه تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر في عام 2018، كما ستمكنها وفرة الإنتاج، من مد خط لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، عبر قبرص واليونان، وذلك في عام 2020. وركزت تلك الدراسة، كذلك، على نتائج الدراسات الجيولوجية، التي أعدتها الجهات الأمريكية المتخصصة، عن مصر، والتي أكدت جميعها، بأن مصر تطفو فوق بحيرة من الغاز الطبيعي في شمال الدلتا والبحر المتوسط. ولا تحسبن صانع القرار المصري غافلاً عن مثل هذه الوثائق والدراسات، أو غير مستعد لها بخطوات استباقية! وهو ما يدعونا إلى التذكير باستراتيجية الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ كان أول نشاطاته، عند تولي الرئاسة في مصر، أن قام بترسيم الحدود البحرية مع كل من قبرص واليونان وإسرائيل، إضافة إلى إبرامه العديد من اتفاقيات التعاون مع كل من قبرص واليونان. كما قام بزيادة القدرة القتالية للقوات المسلحة المصرية، ورفع كفاءتها، مع التركيز على القوات البحرية، بهدف تأمين هذه الثروات البترولية والاستثمارات بها. وتمر الأشهر سريعاً، لنشهد تطابق نتائج الدراسة الأمريكية، مع مؤشرات النمو في قطاع البترول المصري، وذلك من خلال متابعة الصفحة الرسمية لوزارة البترول المصرية، يوم 26 ديسمبر 2016، عن حصاد قطاعالبترول المصري لعام 2016، إذ أعلنت، على لسان وزير البترول، عن زيادة الإنتاج اليومي من الغاز الطبيعي لنحو 4.45 مليار قدم مكعب، إضافة إلى إعلان سيادته عن قبول ستة عروض، للتنقيب عن البترول، في ست مناطق مختلفة في مصر، تتضمن، هذه العروض، حفر 33 بئراً جديداً. فضلاً عما أكده سيادة الوزير عن الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، لكافة قطاعات الدولة، في عام 2018/2019. وفيما يخص مصر، لم تكتف الوثيقة الأمريكية بحديثها عن الاكتشافات المتوقعة في مصر، وما لها من جعل مصر قوة اقتصادية في المنطقة بحلول 2020، بل خرجت الوثيقة بعدد من التوصيات، التي من شأنها تحقيق هدف تلك الجهات الأجنبية، بتعطيل المسيرة المصرية للنمو. جاءت تلك التوصيات مقسمة إلى عدة محاور، أولها داخلياً، بالتأكيد على ضرورة العمل على زعزعة الاستقرار في مصر، قبل عام 2020، من خلال إثارة الفتن الطائفية، وبث الفرقة بين الشعب المصري وجيشه، باستغلال الشباب في هذه المهام. وقد شهدت الأيام السابقة بعض الأمثلة المبرهنة على هذا الاتجاه، كأعمال العنف أو الأحداث الإرهابية ضد الأقباط وبعض الكنائس المصرية مثل تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، وأحداث الفتنة في أبي قرقاص بالمنيا.وكذلك أحداث النوبة التي ظهرت فجأة ودون مؤشرات سابقة لحدوثها.ومن تلك الأمثلة كذلك، الفيلم الذي أعدته قناة الجزيرة لتحريض الشباب المصري على رفض التجنيد، وعدم الالتحاق بالقوات المسلحة المصرية، في محاولة لإحداث فجوة بين الشعب وقواته المسلحة. وجاء المحور الثاني من تلك التوصيات، بصبغة إقليمية، إذ أوصت الوثيقة بخلق نزاعات في المنطقة والعمل على تأجيجها، ومحاولة دفع القيادة المصرية للزج بقواتها المسلحة في تلك النزاعات، بهدف استنزاف القوة العسكرية والاقتصادية لمصر. وللأسف نجحت تلك القوى في إيجاد النزاعات الإقليمية، ولكن الرئيس السيسي كان واعياً لعدم استدراج مصر إلى فخ التدخل العسكري في تلك النزاعات، فكان أبرز قراراته عدم استخدام قوات برية مصرية في أي من اليمن وسوريا. وكان المحور الثالث من التوصيات، دولياً، باستمرار الضغط على مصر من خلال المنظمات الدولية، والعمل على تشويه سمعة مصر في وسائل الإعلام العالمية، عن طريق عرض وجهة نظر محددة حول موضوعات تمس حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، والمعاملة في السجون المصرية، على أن يتم ذلك كله من خلال معاونة ودعم القوى المناوئة للنظام المصري، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان. ولعل أبرز دليل على ذلك، أن تلك الموضوعات كانت هي محور حديث هيلاري كلينتون، أثناء لقاءها مع الرئيس السيسي في نيويورك في سبتمبر 2016، قبيل خسارتها في الانتخابات الأمريكية. وبربط تصريحاتها بجميع الأحداث التي مرت على مصر في 2016، يتضح أن الاستراتيجية الأمريكية وسياستها الخارجية نحو مصر، تتطابق مع توصيات تلك الوثيقة الأمريكية. إلا أن الأمل باق في تغيير المنهج الأمريكي، وتحسين العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة، بتولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب، إدارة الحكم في 20 من يناير الجاري، والتي ساءت كثيراً خلال فترة الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما ظهرت بوادره خلال الأسبوع الماضي، عندما تقدم النائب "تيد كروز" وغيره من النواب، بطلب إلى الكونجرس الأمريكي، لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين، كتنظيم إرهابي. فضلاً عما صرح به "ركس تيلرسون"، أثناء جلسة الاستماع أمام الكونجرس، لاعتماده كوزير الخارجية الجديد للولايات المتحدة، إذ أكد على أهمية التكاتف مع الحلفاء لمحاربة التنظيمات المتطرفة، ذاكراً داعش والقاعدة والإخوان المسلمين! فهل يبتسم الحظ، وتتفتح أبواب الأمل أمام مصر، عندما يتدفق الغاز المصري، وتتغير السياسة الأمريكية نحو مصر؟ ويبقى الأمل الأكبر والأهم، وهو ثقة الشعب المصري في دولته، وتصديه لكل محاولات هدم مصر. Email: sfarag.media@outlook.com |