العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
سبب الرئيس ترامب إزعاجاً كبيراً للصين، أو “التنين الأصفر”، بفرضه الضرائب على الصلب والألومنيوم الصيني، وفرض قيود على استيراد السلع الصينية، الأمر الذي أدى لاهتزاز الموقف الاقتصادي في الصين.
|
ترامب.. الرئيس الذي يزعج الجميع
لواء د. سمير فرج
|
15 فبراير 2019
|
لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، أن جاءها، من بين خمس وأربعون رئيساً، من أزعج العالم، مثلما يفعل الرئيس ترامب، حالياً.. هذا الإزعاج ليس على مستوى السياسة الخارجية، فحسب، بل يشمل، كذلك، الشأن الداخلي.
فالرئيس الأمريكي يطلق تصريحاته، بين الحين والآخر، في صورة “تغريدات”، عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتتغير بها الأوضاع في العديد من مناطق الصراع في العالم، حتى صار الجميع، في حالة تأهب يومي، في الثامنة والنصف صباحاً، بتوقيت العاصمة واشنطن، ليتعرف على القرارات الجديدة للرئيس ترامب. ولعل أحدثها، تغريدته، في نهايات ديسمبر الماضي، التي أعلن فيها سحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان، وهو القرار الذي أثار ضجة، وغضب كبيرين، في أروقة السياسة الأمريكية، وتقدم على أثره، وزير الدفاع، جيمس ماتيس، باستقالته، لعدم علمه المسبق به.
فعلى المستوى الخارجي، سبب الرئيس ترامب إزعاجاً كبيراً للصين، أو “التنين الأصفر”، بفرضه الضرائب على الصلب والألومنيوم الصيني، وفرض قيود على استيراد السلع الصينية، الأمر الذي أدى لاهتزاز الموقف الاقتصادي في الصين، وتسبب في تباطؤ معدل النمو بها. ومن هذا المنطلق، سوف يلتقي الرئيس ترامب مع نظيره الصيني، في نهاية الشهر الحالي، لعقد اتفاقات تسمح للصين بزيادة معدلات التبادل التجاري مع الولايات المتحدة.
كما سبب إزعاجاً في الأوساط الأوروبية أكثر من مرة، إحداها عندما هدد بانسحاب بلاده من حلف الناتو. والأخرى عندما أعلن عن نيته لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، الذي أبرمه الرئيس السابق أوباما وعدد من رؤساء الدول الأوروبية، وهو ما أعلنه دون استشارة الحلفاء الأوروبيين، الذين لم يوافق أي منهم على إلغاءه، وبالرغم من ذلك سار في طريقه، مطلقاً قرارات الحصار الاقتصادي، على إيران، غير آبه بالتهديدات الإيرانية لغلق “مضيق هُرمز”.
وحالياً، تتعرض فنزويلا لإزعاج كبير من الرئيس الأمريكي، بسبب دعمه رئيس البرلمان “خوان جوايدو”، كرئيس للبلاد، ضد الرئيس الحالي “نيكولاس مادورو”، بل ووصل تهديد ترامب إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بعمل عسكري في فنزويلا لتنصيب “جوايدو” رئيساً للبلاد. وأدى هذا الاحتكاك إلى إحداث حالة ترقب في سوق النفط العالمي، خوفاً من تأثره سلباً بمجريات الأحداث، باعتبار فنزويلا أكبر مصدر للنفط في العالم، قبل السعودية، وبالتالي من الممكن أن ينخفض معروض النفط في السوق العالمي، بفعل تراجعات كثيرة في صادرات الخام من فنزويلا، بعد فرض ترامب عقوبات على الشركات الفنزويلية، فضلاً عما فرضه من قبل، على إيران، من عقوبات لمنع تصدير النفط.
وعلى مستوى الأحداث في الشرق الأوسط، فقد سبب، الرئيس ترامب، إزعاجاً كبيراً للكونجرس، لمعارضته لآراء الأعضاء، بتجميد صفقة الأسلحة الأمريكية مع السعودية، على خلفية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، وهو ما سبقه رفضه لتقارير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، في هذا الشأن، لما رآه فيها من تسرع في إدانة السعودية. وأزعجهم مرة ثانية، بقراره، المفاجئ، بسحب القوات الأمريكية من سوريا، بعد دعمه لأكراد سوريا في قتالهم لعناصر داعش، مما فسره البعض بتخليه عنهم، وتركهم فريسة لتركيا، التي تترقب خروج القوات الأمريكية، لتحتل هذه المنطقة، رغم تأكيد ترامب بأنه لن يسمح بذلك. وفي سياق غير منفصل، تجده يجبر الرئيس التركي على الإفراج عن القس الأمريكي “أندرو برانسون”، بعد الدخول مع تركيا في مشاكل مباشرة، خلفت للأخيرة خسائر اقتصادية كبيرة، تسببت في انخفاض حاد في سعر الليرة التركية.
وقد لقى قراره بسحب القوات الأمريكية، من أفغانستان، نفس المعارضة، سواء من أعضاء الكونجرس، أو وزير الدفاع، الذي استقال على أثر ذلك القرار، ورغم ذلك استمر ترامب في تنفيذه، وبدأت المباحثات بين العسكريين الأمريكيين، وعناصر طالبان، في العاصمة القطرية، الدوحة، تم خلالها الاتفاق على سحب 50% من القوات في شهر أبريل القادم، على أن يتم سحب باقي القوات تباعاً في الأشهر اللاحقة.
أما القرار الذي سبب إزعاجاً مزدوجاً، سواء داخل الإدارة الأمريكية، أو في المنطقة العربية، فهو قرار زيادة التواجد الأمريكي في العراق، بزعم السيطرة على النفوذ الإيراني في المنطقة. وبدأت الولايات المتحدة في بناء أقوى قاعدة عسكرية في منطقة “عين الأسد” بشمال العراق، رغم قدرتها السيطرة على إيران، باستخدام أي من قواعدها العسكرية في دول عدد من دول الخليج. ولكن الحقيقة أنه يهدف، بهذا القرار، للتواجد الدائم والمستمر في العراق، التي تملك أكبر نسبة احتياطي للبترول في الشرق الأوسط.
وفي ظل التناقضات التي تحيط علاقته بروسيا، فقد سبب، ترامب، إزعاجاً، إضافياً، للكونجرس، بعد لقاءه الأخير مع الرئيس بوتين، والذي عقده دون حضور أي مسئول بإدارته، ولم يخرج عنه بيان، مما استفز عدد من أعضاء الكونجرس، ودفعهم لطلب استدعاء المترجمة، التي حضرت الاجتماع، لسؤالها عن حيثياته، التي لا تعلم الإدارة الأمريكية عنها شيء!!
لم يكتف الرئيس ترامب بما يسببه من إزعاج للكونجرس، على الصعيد الخارجي، وإنما نقل إزعاجه لهم على الصعيد الداخلي، بعدما رفض الكونجرس اعتماد مبلغ خمس مليارات دولار، لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، وقد أدى ذلك إلى الإغلاق الحكومي لموظفي الدولة في جميع الولايات خلال الأسابيع الماضية. وتأمل الأوساط السياسية في الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، لتفادي تكرار الإغلاق الحكومي، وعواقبه. وتعالت الأصوات، في الأروقة الداخلية، تردد أن “چون بولتون”، مستشار الرئيس ترامب للأمن القومي، صار مهندس قرارات الرئيس الأمريكي فيما يخص مناطق الصراع في العالم، بعد استقالة الجنرال ماتيس، وزير الدفاع.
وبالرغم من اعتراض الكثيرين على قرارات الرئيس ترامب، الا أن معدل البطالة في الولايات المتحدة وصل إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من ٥٠ عاماً، مسجلاً 3.9%، مما انعكس إيجاباً على خفض ميزانية دعم البطالة. كما ارتفعت معدلات التعامل في البورصة، بما حقق طفرة كبيرة للاقتصاد الأمريكي، منذ بداية حكم ترامب، وهو ما حلله الخبراء، بأن الرئيس ترامب، أسس لنوع جديد من السياسة، لم يعرفها العالم من قبل، وهي “Business-wise Policy”، أي السياسة القائمة على قواعد البيزنس.
أما فيما يخص مصر، فيعنينا عودة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها، باعتبار مصر محور ارتكاز السياسة الأمريكية في المنطقة، مع السعودية، بعد ثمان سنوات من الاعتماد على قطر وتركيا، بالإضافة إلى إسرائيل، بالطبع، في ظل حكم الرئيس السابق باراك أوباما، وهي الفترة التي شهدت تدني العلاقات الثنائية، في تاريخها.
Email: sfarag.media@outlook.com
|