العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
كشفت تلك الوثائق، السرية للغاية، وجود عدد محدود من القوات الخاصة، لدول حلف الناتو، تعمل داخل أوكرانيا، أكبرها الوحدة البريطانية.
|
قصة كشف الوثائق السرية الأمريكية
لواء د. سمير فرج
|
8 يونيو 2023
|
يعد حادث كشف الوثائق الاستخباراتية والدفاعية، السرية الأمريكية، من أخطر الأحداث، فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فى العصر الحديث، وقد أكدت صحيفة نيويورك تايمزأن هذا الكشف، لا يقتصر، فقط، على التقارير والوثائق المتعلقة بالنزاع بين أوكرانيا وروسيا، ولكن يشمل كذلك تحليلات،فى غاية الحساسية، بشأن حلفاء الولايات المتحدة. وقد وصل عدد تلك الوثائق، المُسربة، إلى ما يزيد على 100 وثيقة، معظمها يحمل درجة سرى للغاية.
لقد كشفت تلك الوثائق عن معلومات، وبيانات، سرية، تشمل جميع اتجاهات مناطق النزاع فى العالم، كما ضمت تحليلات، وتقديرات، عسكرية للبنتاجون الأمريكى، منها على سبيل المثال، معلومات حول استعدادات إسرائيل لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، على الرغم من إعلان حيادها فى هذا النزاع. كما عرضت الوثائق تفاصيل مناقشات، خاصة، دارت مع كبار المسئولين، فى كوريا الجنوبية، للضغط على الحليف الآسيوى، للمساعدة فى إمداد أوكرانيا بالأسلحة، رغم ما أعلنته سول عن حياد موقفها. كذلك كشفت الوثائق عن تجسس واشنطن على الرئيس الأوكرانى، زيلينسكى، الأمر الذى قابله غالبية الشعب الأوكرانى بالكثير من الدهشة، والإحباط، إذ اعتبروا تفسير ذلك أن الولايات المتحدة تتعامل مع أوكرانيا باعتبارها عدوا وليس صديقا، وهو الأمر الذى أثار القلق بين المسئولين الأمريكيين، وفق تعليق شبكة CNN، بسبب استياء الجميع، أعداءً وحلفاء، بعدما تأكد لهم تجسس واشنطن عليهم.
بالإضافة لذلك، كشفت تلك الوثائق، السرية للغاية، وجود عدد محدود من القوات الخاصة، لدول حلف الناتو، تعمل داخل أوكرانيا، أكبرها الوحدة البريطانية، تليها وحدة من لاتفيا، ثم وحدات من كل من فرنسا، والولايات المتحدة، وهولندا، وهو ما لم يكن معلناً، بالطبع، ولا حتى معروفاً، ولو على مستوى روسيا. فخرجت تلك التسريبات، لتعطى موسكو الذريعة، لتأكيد أنها لا تحارب أوكرانيا، فحسب، وإنما تواجه دول حلف الناتو. وعلى الصعيد المقابل، حددت الوثائق التجهيزات الجارية لإعداد 12 لواء، من القوات الأوكرانية الجديدة، للقيام بهجوم مضاد، فى الربيع، ضد القوات الروسية، لاستعادة المقاطعات الأربع، لوجانسيك، ودونيتسيك، وزابوريجيا، وخيرسون، الذين سيطرت عليهم روسيا، وضمتهم لأراضيها.
وأشارت تلك الوثائق المسربة، إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تُقدر خسائر روسيا، فى الحرب الجارية، بنحو 223 ألف جندى، حتى الآن، ما بين قتيل وجريح، مقابل 131 ألف جندى على الجانب الأوكرانى. وفى نشرها لهذه الوثائق، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن أمريكا تشك فى قدرة أوكرانيا على القيام بأى هجوم مضاد، فى الربيع، نظراً لمحدودية قواتها، وهو ما يعنى أن مثل ذلك الهجوم لن ينجم عنه إلا مكاسب متواضعة على الأرض، مما سيكون له أثر سلبى كبير على القوات الأوكرانية، التى بدأت تعانى قلة مخزون الصواريخ والمدفعية، التى استنزفتها فى القتال، خلال فترة الشتاء، وقد أثارت، تلك التقديرات الأمريكية، استياء القيادة العسكرية الأوكرانية.
وعلى الصعيد الصينى، أفصحت الوثائق، بنسبة كبيرة من الثقة، عن احتمال قيام الصين بإرسال أسلحة ومعدات قتالية إلى روسيا، رغم نفى الصين التام لذلك، وقد استندت الوثائق فى تقديراتها على ما قامت به الصين من تطوير لأسلحتها ومعداتها، وفى ظل التشابه بين الأسلحة والمعدات المستخدمة بين القوات المسلحة الصينية والروسية، فسيكون من السهل على الأخيرة استخدام الأسلحة الصينية المطورة. كما كشفت الوثائق عن قيام الصين بإجراء اختبارات على أسلحة تجريبية، وتحديداً الصاروخ DF27، الذى يفوق سرعة الصوت، إذ حلق لمدة 12 دقيقة، قطع خلالها مسافة 2100 كيلومتر. وفى سياق متصل بالصين، ووفقاً للوثائق الأمريكية المُسربة، فإن وزير الدفاع البريطانى قد أمر بنشر حاملتى طائرات بريطانيتين فى المحيطين الهندى، والهادى، لمواجهة أى تحرك عسكرى صينى، تجاه تايوان.
وفى ظل ما أفصحت عنه تلك الوثائق الأمريكية، من معاناة الدفاعات الجوية الأوكرانية من نقص حاد فى الصواريخ والذخائر المضادة للطائرات، فى الوقت الذى تستعد فيه أوكرانيا لتنفيذ هجومها، على روسيا، فى الربيع، فإن البنتاجون الأمريكى، كان يتوقع أن تضطر أوكرانيا إلى تأجيل هجومها المرتقب، لحين استكمال الصواريخ والأسلحة المضادة للطائرات، المتوقع أن تصلها من دول حلف الناتو. ومن جهتها، وبعد تسريب تلك الوثائق، وما شملته من تقديرات وتوقعات، فقد أعلنت أوكرانيا تعديل خطتها للهجوم فى الربيع، بعدما نشرت تلك الوثائق خرائط تفصيلية لخطة الهجوم الأوكرانى، على الدفاعات الروسية. وقد أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية، أن السلطات الأمريكية ألقت القبض على جندى أمريكى، من قوات الحرس الوطنى الجوى، يدعى جاك تكسيرا، يبلغ من العمر 21 عاماً، ووجهت له اتهاماً عسكرياً بالاستيلاء على تلك الوثائق، والتسبب فى تسريبها، من خلال عرضها، مع مجموعة من أصدقائه، من خلال تطبيق ديسكورد. وفى نفس الوقت، وعلى الطرف الآخر، لا تستبعد الخارجية الروسية أن يكون الأمر مجرد خدعة من الولايات المتحدة الأمريكية، تستهدف بها تضليل روسيا، عما يتم التخطيط لتنفيذه فى المستقبل القريب.
ولعل هذا التسريب يؤكد أن تعاملات الدول قائمة على مصالح أمنها القومى، دون غيره، فالدول لا تتعامل بمعايير الصداقة والعداء؛ فصديق اليوم، قد يصبح عدو الغد، وعليه فالجميع موضوع تحت المجهر، ولنا على ذلك دليل، عندما فوجئ العالم، منذ سنوات، ليست ببعيدة، بأن الولايات المتحدة تتنصت على المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فتلك هى أساليب الاستخبارات المتعارف عليها، لتحقيق مصالح الأمن القومى للدول.
Email: sfarag.media@outlook.com
|