العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لم يكتف ترامب بتصريحاته عن الشرق الأوسط، قبل بدء رئاسته الفعلية، بل أضاف إليها تصريحات شائكة.

ترامب والفترة الثانية.. أمريكا إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 16 يناير 2025


فى احتفال كبير، بعد أيام قليلة، يحين موعد تنصيب الرئيس الأمريكى، فى 20 يناير، وهو الموعد المقدس بالولايات المتحدة الأمريكية، الذى يحلف فيه الرئيس الأمريكى، المنتخب، القسم، ويصبح، بعده، الرئيس الفعلى للولايات المتحدة الأمريكية، لمدة أربع سنوات. وبعد الاحتفال، يتوجه الرئيس إلى المكتب البيضاوى، فى البيت الأبيض، لممارسة عمله ومهام منصبه.

إلا أنه يبدو أن الرئيس المنتخب، ترامب، قد بدأ ممارسة مهام المنصب الرئاسى قبل يوم التنصيب، ففى سابقة لم تحدث فى تاريخ أمريكا، ورغم أن الرئيس جو بايدن مازال هو الرئيس الفعلى للولايات المتحدة الأمريكية، فإن ترامب أرسل ستيفن ويتكوف، ممثلا عنه، إلى العاصمة القطرية، الدوحة، للتباحث بشأن أزمة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وإيجاد حل لها، بل وأعلن أن عدم إطلاق سراح الرهائن قبل يوم 20 يناير، سيحول الموقف إلى جحيم، يدفع ثمنه الشرق الأوسط كله!

لم يكتف ترامب بتصريحاته عن الشرق الأوسط، قبل بدء رئاسته الفعلية، بل أضاف إليها تصريحات شائكة، عن عزمه ضم جرينلاند إلى الولايات المتحدة، وكذلك خليج بنما، وتغيير اسمه إلى خليج أمريكا، وهى التصريحات النابعة، ولا شك، من الرغبة فى تعزيز المصالح الأمريكية، من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، دون أى اعتبارات لمصالح الغير، إذ تضم جرينلاند قاعدة عسكرية أمريكية، تستخدم فى المهام الدفاعية، لصد أى تهديدات أو هجمات على الولايات المتحدة من ذلك الاتجاه، وهو ما يجعل جرينلاند، بموقعها المتميز، أحد أهم ركائز خطة الدفاع الاستراتيجى عن الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ما تمتلكه جرينلاند من موارد طبيعية، مثل المعادن والنفط، مما يؤهلها لأن تكون امتدادا اقتصاديا لبلاده على المدى الطويل.

ورغم تربع الاقتصاد الأمريكى على قمة القوى الاقتصادية العالمية، حتى الآن، فإن رغبة ترامب فى السيطرة والاستحواذ على خليج وقناة بنما، تبدو وكأنها تحسبا للمستقبل، الذى يُتوقع فيه أن يتفوق التنين الأصفر الصينى اقتصاديا على نظيره الأمريكى بحلول عام 2035، وهو ما يدفعه لمحاولة التصدى لجموح التقدم الاقتصادى الصينى. ومما لا شك فيه أن تلك التصريحات، التى لم ترتق بعد لمرحلة القرارات، من شأنها خلق توترات ومشاحنات مع الصين، التى تعتمد على ذلك المحور فى معاملاتها التجارية البحرية، وتعتبر أى مساس به، تهديدا مباشرا لمصالحها الاقتصادية، وهو ما لن تسمح به، خاصة أن الولايات المتحدة تعتزم، أيضا، زيادة وجودها العسكرى فى تلك المنطقة، مما يعنى تحويل المحيطين، الهادى والأطلسى، إلى منطقة توتر بين أمريكا والصين.

وتعليقا على استقالة رئيس الوزراء الكندى، جاستن ترودو، علق الرئيس،المنتخب،ترامب «ممازحا» بوجوب ضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية، واعتبارها الولاية الواحدة والخمسين، للسيطرة على تدفق المهاجرين إلى بلاده عبر حدودها، مهددا باستخدام القوة الاقتصادية ضدها، وهو نفس التعليق الذى أطلقه أكثر من مرة، قبل ذلك، فى مناسبات مختلفة، والذى لم يُثر استياء الإدارة والشعب الكندى فحسب، وإنما رفع درجة التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا، لما تنطوى عليه مثل تلك الخطوة، وإن كنت أراها بعيدة التنفيذ على أرض الواقع، من تعزيز للقوى العسكرية الأمريكية فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية، وهو ما يصطدم مع طموحات وأطماع روسيا لتحقيق ذات الهدف، لما تحتويه منطقة القطب الشمالى من ثروات خاصة، سواء النفطية أو المعدنية. وفى رأيى أن مثل تلك التصريحات تعد الشرارة الأولى للصراعات المستقبلية التى سيشهدها العالم.

أما فيما يخص رأى الرئيس ترامب، وموقفه السياسى من حلف الناتو، فقد أوضحه جليا خلال فترة ولايته السابقة، ولم يحاول إخفاءه خلال حملته الانتخابية، أو بعد فوزه، ولم ينتظر حتى تسلم مهام الإدارة الأمريكية، ليعود إلى إثارة الجدل والتوتر، مجددا، بشأن ذلك الأمر من خلال تصريحاته عن الطموحات التوسعية، بالتحرك عسكريا،لضم جرينلاند، وقناة بنما، ومطالبة دول حلف الناتو بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعى إلى 5% من إنتاجهم المحلى، وهو ما لا يتعدى، حاليا، 2% فقط من الدخل، مقابل نحو 2.6% تنفقهما الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم أن وزير الدفاع الأمريكى، بالإدارة الأمريكية الحالية، لويد أوستن، كان قد بعث برسالة طمأنة لدول حلف الناتو باستمرار عضوية بلاده به، فإن رسالته، لن يكون لها، مع الأسف، أى تأثير فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكى مستقبلا، إذ بعثها وهو على مسافة 10 أيام من مغادرة منصبه. وقد جاءت تصريحات ترامب حول زيادة مساهمات دول حلف الناتو مثيرة لاستياء العديد من رؤساء وقادة أوروبا، ومنهم المستشار الألمانى شولتس، والرئيس الفرنسى ماكرون.

وعلى صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، فقد سبق لترامب أن وصف الرئيس الأوكرانى «بالتاجر الشاطر»، بعدما حصل من الإدارة الأمريكية الحالية على مساعدات عسكرية بما يزيد على 60 مليار دولار منذ بدء الحرب مع روسيا، وهو ما أثار انزعاج الرئيس الأوكرانى. كما سبق له، أيضا، التصريح بقدرته على إنهاء الحرب خلال 24 ساعة، مضيفا أنها لم تكن لتندلع لو كان موجودا بالسلطة، إلا أنه لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى آليات ووسائل إنهائها. ورغم ذلك، يبقى الأمل فى الوفاء بتعهداته، بعد وصوله إلى البيت الأبيض، ووقف تلك الحرب التى هددت السلام الاقتصادى فى كل دول العالم.



Email: sfarag.media@outlook.com