العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
لا تزال فضيحة التسريبات المتعلقة بالضربة العسكرية الأمريكية على اليمن، والمعروفة بـ«تسريبات سيجنال»، تُثير الجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها.
|
فضيحة أمنية فى البيت الأبيض
لواء د. سمير فرج
|
12 إبريل 2025
|
لا تزال فضيحة التسريبات المتعلقة بالضربة العسكرية الأمريكية على اليمن، والمعروفة بـ«تسريبات سيجنال»، تُثير الجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها وخاصة من الدول الأوروبية. ورغم الضجة التى أُثيرت حول هذه القضية، أكد الرئيس الأمريكى ثقته الكاملة بفريق عمله، مشددًا على أن وجود الصحفى جيفرى جولدبيرج رئيس تحرير جريدة ذا أتلانتك فى مجموعة المراسلة لم يؤثر على سير العملية العسكرية.
فى المقابل، اعتبر بعض المسؤولين أن ما حدث يشكل خطرًا على الأمن القومى الأمريكى، مما أدى إلى تصاعد الجدل حول تداعيات التسريبات وأبعادها السياسية والأمنية. وكانت الولايات المتحدة، التى تتفاخر دائمًا بقدرتها على حماية أمنها القومى، قد شهدت فضيحة تسريب محادثات خطة قصف دولة اليمن، حيث كشف جيفرى جولدبيرج، رئيس تحرير مجلة «ذا أتلانتيك»، أن فريق الأمن القومى للرئيس دونالد ترامب أضاف اسمه عن طريق الخطأ إلى دردشة سرية للغاية من خلال تطبيق سيجنال وهو تطبيق مشفر يستخدم مع كبار القادة الأمريكيين فى البيت الأبيض، حول الضربات العسكرية الأمريكية فى اليمن، والتى تضم كبار مسؤولى الإدارة الأمريكية، بمن فيهم وزير الدفاع بيت هيجسيث، ونائب الرئيس جى دى فانس، ومستشار الرئيس للأمن القومى مايك والتز، ومديرة الاستخبارات الـوطنية تولسى جابارد، مفصحًا عن معلومات بالغة الحساسية.
تضمنت التسريبات تفاصيل حساسة حول الضربات الأمريكية على اليمن، بما فى ذلك التوقيت، والأهداف، والأسلحة المقرر استخدامها، بالإضافة إلى المناقشات الداخلية حول التبريرات الإعلامية للهجمات. ووفقًا لجولدبيرج، كان نائب الرئيس الأمريكى، جى. دى. فانس، معارضًا للضربات، خلافًا لموقفه العلنى، مما دفع ستيفن ميلر من البيت الأبيض إلى التدخل لطمأنة فانس بأن أمريكا ستحصل على «مكاسب اقتصادية» من أوروبا ومصر مقابل حماية حرية الملاحة.
احتوت المحادثة على معلومات شديدة السرية قد تعرّض القوات الأمريكية للخطر لو وصلت إلى أيدى الخصوم، بما فى ذلك تفاصيل عملياتية دقيقة عن الضربات القادمة على اليمن، كما ورد فى تحديث أرسله وزير الدفاع بيت هيجسيث. أثار الاكتشاف حيرة جولدبيرج، الذى أرسل استفسارًا إلى البيت الأبيض متسائلًا عن سبب إضافته إلى المجموعة، وما إذا كان ذلك متعمدًا، وكيفية تعامل الإدارة مع مثل هذه المناقشات الحساسة على تطبيق غير آمن نسبيًا.
أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومى أن الإضافة كانت عن طريق الخطأ، بينما شدد متحدث نائب الرئيس على أن فانس «على توافق تام مع الرئيس»، فى محاولة لاحتواء الفضيحة التى كشفت عن مستوى غير مسبوق من التهور فى التعامل مع الأسرار الأمنية.
وكتب جولدبيرج فى «ذا أتلانتيك»: «من البديهى أننى لم أُدعَ يومًا إلى اجتماع لجنة للمسؤولين فى البيت الأبيض، حيث خلال سنواتى الطويلة فى تغطية شؤون الأمن القومى، لم أسمع أبدًا عن عقد مثل هذا الاجتماع».
وبالمقابل، سارعت المعارضة الديمقراطية إلى الانقضاض على الإدارة الجمهورية بسبب هذه التسريبات الخطيرة.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ، تشاك شومر: «إنه واحد من أكثر تسريبات الاستخبارات العسكرية إثارة للذهول»، داعيًا إلى إجراء «تحقيق كامل» فى الكونجرس.
وكتب بيت بوتيدجيدج، الوزير السابق والشخصية البارزة بالحزب الديمقراطى، على منصة «إكس» أن «من منظور أمنى تشغيلى، يُعدّ هذا أكبر فشل ممكن». وأضاف: «هؤلاء الأشخاص ليسوا قادرين على حفظ أمن أمريكا».
بدورها، كتبت هيلارى كلينتون، المرشحة الديمقراطية التى خسرت الانتخابات الرئاسية أمام ترامب عام ٢٠١٦، على منصة «إكس»: «قولوا لى إنها مزحة!» وكانت قد هاجمها الجمهوريون من قبل بلا هوادة بسبب استخدامها حساب بريد إلكترونى خاصًا لتوجيه رسائل رسمية عندما كانت وزيرة للخارجية.
وأرفقت كلينتون تعليقها برابط لمقال «ذا أتلانتيك»، وقد أصبح هذا التعليق من الأكثر تداولًا بهذا الشأن. فى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد أظهرت هذه التسريبات عدة نقاط، منها أن أمريكا لم تعد صديقة لأوروبا كما كانت من قبل، وكذلك وجود انقسامات داخل الإدارة الأمريكية، خاصة بعد قرار الرئيس ترامب بتكوين فريق عمل من أشخاص من خارج المؤسسة القديمة، على عكس ما كان فى فترة رئاسته الأولى للولايات المتحدة، حيث اعتمد فيها على دولاب العمل القديم فى الدولة العميقة الأمريكية. ونظرًا لعدم خبرة هذه العناصر الجديدة، ظهر عدم توافق الآراء، وحدوث مثل هذه الأخطاء الأمنية. ويأتى السؤال هنا: هل سيقوم الرئيس ترامب بإعفاء بعض المسؤولين بسبب هذه الأخطاء؟ والإجابة بالطبع ستكون لا، رغم الانتقادات الكبيرة، خاصة من الحزب الديمقراطى المعارض، حيث إن أعضاء الحزب يرون أن ترامب أخفق فى اختيار هذه العناصر.
وهنا يأتى السؤال بتحليل عسكرى: هل ستؤدى هذه الضربات العسكرية الأمريكية إلى القضاء على الحوثيين؟
الإجابة بالطبع هى أن الضربات النيرانية، سواء الجوية أو بالصواريخ أو المدفعية، لا تحقق الهدف النهائى من المعركة، وهو القضاء على الخصم. فالتدمير الكامل والقضاء على العدو لا يتم إلا من خلال القوات البرية، المتمثلة فى المشاة والمدرعات. أما القوة النيرانية، مثل الطائرات والصواريخ والمدفعية، فهى مجرد وسائل دعم للقوات البرية أثناء هجومها، بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإضعاف قوته، ولكنها لا تؤدى إلى القضاء عليه تمامًا.
وهذا ما كان واضحًا خلال العام ونصف الماضيين من القصف الإسرائيلى المكثف ضد حماس وحزب الله، حيث استخدمت إسرائيل مختلف أنواع النيران الصاروخية والجوية دون أن تتمكن من القضاء عليهما، بل نجحت فقط فى إضعافهما. والسؤال هنا: هل تم القضاء على حماس وحزب الله؟ الإجابة بالطبع لا.
وبالتالى، فإن السيناريو نفسه سيتكرر مع الحوثيين، حيث إن الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية لن تؤدى سوى إلى إضعافهم، لكنها لن تقضى عليهم نهائيًا. وبالطبع، لن تغامر أمريكا أبدًا بإرسال قوات برية لمهاجمة الحوثيين، بل ستلجأ إلى أسلوب الحرب بالوكالة (Proxy War) من خلال دعم القوات اليمنية بالأسلحة والمعدات والمعلومات الاستخباراتية، كما فعلت فى أفغانستان عندما دعمت المجاهدين الأفغان بقيادة أسامة بن لادن ضد القوات السوفيتية، وهو الصراع الذى استمر لعشر سنوات قبل أن يحقق أهدافه.
ومن هنا، يمكن القول إن الرهان على القضاء على الحوثيين بالأسلوب الأمريكى الحالى لن يحقق الهدف المنشود فى المستقبل القريب.
Email: sfarag.media@outlook.com
|