|
النجاح ليس صنيعة فرد ... ولكنها مجموعة من النجاحات ... صنعها أفراد ... وهذا ما حدث في ملحمة تطوير الأقصر. الدكتورة منى الطويل أستاذ الفيزياء بالجامعة الامريكية،آنذاك، كانت في زيارة للأقصر، وطلبت مقابلتي في أمر عاجل ... لتبلغني أن جميع العلامات المرورية، والإرشادية للطرق، داخل المدينة، وخارجها، مكتوبة بطريقة خاطئة، ولغة انجليزية غير سليمة ... وهو أمر لا يليق بهذه المدينة العظيمة. ولكنها طمأنتني قائلة: "لا تقلق .. أنا مستعدة للقيام بعمل كل التعديلات المطلوبة، والإصلاحات ... وإضافة كل ما تحتاجه طرق المدينة من لوحات جديدة، تتماشى مع تكنولوجيا العصر"، حيث أن بعض اللوحات كانت موجودة منذ أكثر من ثلاثين سنة. وللحق أقول،أسبوع كامل، من العمل الشاق، قضته مع ضباط المرور، ومهندسي الطرق والمدن والأحياء، لكي تعيد كتابة 134 لوحة جديدة لكل محاور وطرق الأقصر .. وإلى مزاراتها. ولم تتوقف مجهوداتها، ومساهمتها عند هذا الحد الرائع، بل ذهبت بعد ذلك إلى مصنع وزارة النقل، لمراجعة اللوحات والتأكد من دقتها، قبل تركيبها بالأقصر. واليوم ... ونحن نطوف بأرجاء الأقصر ومحاورها في اتجاه القاهرة، أو قنا، أو أسوان، نتذكر هذا الجهد .. والعطاء الذي قدمته الدكتورة منى الطويل، لتكون مثالاً، آخر، مشرفاً لسيدات مصر العظيمات. الدكتور عصام شرف إبان رئاسته لحقيبةالنقل، اتصلت به، وأبلغته أمر علامات الإرشاد، والمرور للطرق .. فكان رده سريعاً، بلا تردد، "أرسل لي التصحيحات الجديدة .. وسيقوم المصنع بإنتاجها فوراً"، وبالفعل، خلال أسبوع واحد،أنهى مصنع اللوحات، التابع لوزارة النقل، هذه اللوحات الجديدة، وهو ما يعد زمناً قياسياً. بعدها بأسبوع، وصل وزير النقل إلى مطار الاقصر، في طريقه،إلى إحدى المحافظات القريبة، لتفقد أحد المشروعات الخاصة بوزارة النقل. وحرصت على استقباله في المطار، واستأذنته في خمس دقائق من وقته، للمرور على المنطقة الخلفية لمعبد الكرنك. وبكل ترحيب ولباقة، وافق الرجل على طلبي، وعندما وصل للمنطقة المحددة، أصابته حالة من الذهول، يشوبها بعض الأسى، للحالة المتردية التي وصلت إليها تلك االمنطقة، خلف معبد الكرنك. وطلبت منه إنشاء طريقاً دائرياً، بطول 15 كيلومتر، للوصول لأكبر، وأعظم آثار الدنيا ... معبد الكرنك. فنزل من السيارة، واستدعى مرافقيه، وأصدر أوامرهبأن يبدأ العمل في إنشاء هذا الطريق على الفور... وجاءته الردود البيروقراطية، المعتادة، "مفيش ميزانية يا فندم .. ده خارج الخطة يا فندم .. لازم موافقة وزارة التخطيط يا فندم". وللأمانة رد، بحزم، قائلاً"ده يبدأ العمل فيه من بكره"، وهو ما حدث بالفعل في اليوم التالي. فما كان مني، إلا أن طلبت منه عشر دقائق أخرى، لزيارة مكان آخر، ووافق مرة أخرى، فاصطحبته إلى مزلقان أبو الجود ... فرأى المئات من السياح القادمين من الغردقة متكدسين،البعض منهم منتظر العبور منذ أكثر من ساعة. فقلت له أن هذه المنطقة تحتاج إلى كوبري، لتيسير، وتأمين حركة الانتقال والعبور، وحتى لا أثقل ميزانية وزارته، قلت له أنه من الممكن الانتظار حتى العام القادم، ولكنه بادرني قائلاً: "أبداً دي مصر ... بكرة يبدأ التخطيط". وأقول الحق، أنه بعد افتتاح الكوبري كان قد غادر موقعه، .. ولكن الأقصر لا تزال تدين لهذا الرجل بإنجازين ... الطريق الدائري للكرنك ... وكوبري أبو الجود. السيد محمد العبار أحد كبار رجال الأعمال في الخليج العربي ... وصاحب أعلى برج في العالم ... برج خليفة في دبي ... وأحد عشاق مدينة الأقصر. كان يطير، بطائرته الخاصة، من دبي إلى الأقصر مباشرة، للاستمتاع بها. عاش معنا تجربة تطوير الأقصر، وطلب مني أن يساهم، بأي شكل، في عملية التطوير. فطلبت منه المساهمة في بناء منازل لسكان الأقصر،الذين تتهدم منازلهم، نتيجة للمياه الجوفية، وهذا أمر يحدث كثيراً، للأسف. فقدم للأقصر 70 منزلاً من طراز حسن فتحي، ومسجد، ومبنى لتعليم الفتيات. وهذا الأسبوع اتصل بي، لأنه يريد إرسال هدايا رمضان لأبناء الأقصر، فاتصلت بالصديق محافظ الأقصر الشاب، محمد بدر، الذي سيتسلم هدايا رمضان لتوزيعها على ابناء المحافظة. كما طلب محمد العبار مقترحات المحافظة لبناء منازل جديدة، هدية منه،لمحافظة الأقصر.والحقيقة، أن هذا الحب، لمصر، ليس بغريب علينا من إخواننا العرب عامة، وأبناء زايد خاصة، فالوفاء لمصر، هو شيمتهم التي تربوا عليها. الدكتور أيمن عاشور وقفت مع الوزير فاروق حسني أمام ساحة معبد الكرنك ... لنرى المنظر المأساوي الحقيقي لساحة أكبر أثر في العالم 200 فدان، وستة معابد ... تحكى تاريخ 4000 سنة. وأقترح فاروق حسني أن نقيم مسابقة بين بيوت خبرة عالمية، لتقديم مقترح لتطوير ساحة الكرنك، لأن المكان يستحق ذلك. وبصراحة، الفكرة جيدة، لكنهاتعنيأننا سننتظر أكثر من عام للبدء في التنفيذ. وذهبت إلى مكتبي، وطلبت الدكتور أيمن عاشور، استشاري تطوير الأقصر،ليبدأ في التخطيط لمشروع تطوير ساحة الكرنك .. الذي تم عرضه، بعد ذلك، على اليونسكو، ووفق عليه. ثم جاء التمويل .. من الوزيرة العظيمة فايزة ابو النجا ... وتم التنفيذ بمعرفة القوات المسلحة،تحت قيادة وإشراف العقيد فرهاد. وفي عام أنتهى المشروع .. ليصبح تحفه هندسية رائعة. وتقدمت الأقصر، بالمشروع،في مسابقة العواصم والمدن الإسلامية، ونال، المشروع، المركز الأول. وهي نفس الجائزة التي فاز بها مشروع تطوير ساحة المسجد النبوي في المدينة المنورة، في العام السابق. واليوم عندما أرى الدكتور أيمن عاشور، عميداً لكلية الهندسة،بجامعة عين شمس .. أقول والله مصر بخير. وعندما أراه استشاري مشروع العاصمة الجديدة لمصر، أقول أن مصر دائما غنية بأبنائها من المفكرين والعلماء. الوزيرة فايزة أبو النجا المرأة الفولاذية في مصر ... فلولا جهود هذه السيدة، في تدبير التمويل اللازم، من الخارج، لما تحقق للأقصر شيئاً مما هي عليه الآن. قدمت التمويل لتطوير ساحة الكرنك، وساحة أبو الحجاج، والبيت النوبي، وغيرهم أكثر من عشرة مشروعات، من أهمهم إعادة فتح طريق الكباش، الذي يربط معبدي الكرنك والأقصر. فتحولت الأقصر، بفضل مساهمتها، لأكبر متحف مفتوح، بقيمة نصف مليار جنيه من الاتحاد الأوروبي. وهو ما يعتبره الاتحاد الأوروبي، أهم مشروع ثقافي قام به منذ إنشاؤه. فكل مشروعات الاتحاد الأوروبي، في دول العالم الثالث، تتمحور حول البنية الأساسية، من حيث توفير المياه النظيفة، والطاقة، ومشروعات الطرق وغيرها. وعندما تم تكريمي، منذ عامين، في المؤتمر السنوي للاتحاد الأوروبي، احتفالاً بتنفيذهم لأهم إنجاز ثقافي، كانت صور، ولوحات طريق الكباش، تزين جنبات قاعة الاحتفالات، الذي حضره أكثر من 1500 شخصية من مختلف أنحاء العالم، منهم عشرون وزيراً من الاتحاد الأوروبي، ظلوا طيلة ساعات الاحتفالية، يسألونني عن الوزيرة فايزة أبو النجا، ويسترجعون ذكرياتهم في التعاون معها. وعندما أطلقت اسم فايزة أبو النجا على أحد شوارع الأقصر، اتصل بي الدكتور زكريا عزمي، ليقول لي بأنه من غير المسموح إطلاق اسماء أي من الوزراء الحاليين، على أي من الشوارع، فقلت له أن الأقصر تدين لهذه السيدة العظيمة بنصف ملحمة تطويرها! Email: sfarag.media@outlook.com |