العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
الأقصر ... عاصمة الحضارة المصرية الفرعونية والعالم كله. وفى الصباح التالى بدأت عملى بعزيمة من يدين بالفضل لبلاده التى كرمته.
|
ملحمة تطوير الأقصر... ساحة معبد الكرنك
لواء د. سمير فرج
|
11 نوفمبر 2021
|
الأقصر أجمل مدن العالم، ليس فى رأيى، ولكن بشهادة التاريخ الذى جعلها منارة الإبداع والحضارة، واعتبرها عاصمة العالم القديم لآلاف السنين. وشاءت الأقدار أن يتم تعيينى رئيسا لهذه المدينة العظيمة، التى تحتضن ثلث آثار العالم لمدة سبع سنوات، تحولت فيها من مدينة إلى محافظة، لأول مرة. وفى يوم حلف اليمين شد الرئيس الأسبق مبارك، على يدى وقال أنا عاوز الأقصر أحسن مدينة فى الدنيا، فكان ذلك تكليفا، صريحا لي. ووصلت الأقصر... وبعد يومين من الاستقبالات البروتوكولية،قررت التجول فى المدينة، فكانت الصدمة!! كانت المدينة فى حالة مزرية، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ, تسودها العشوائية، حتى إن معبد الكرنك، أكبر آثار العالم، لم يسلم من تجول المواشى بين أركانه، وتعدى المبانى العشوائية على جدرانه، دون أدنى احترام لمكانته. وكانت شوارع المدينة مضرب المثل فى القذارة، ووسائل النقل بها، ومنها المعدية بين البرين الغربى والشرقى، لا ترقى لنقل البهائم، وليس البشر! وعدت إلى مكتبى، وأغلقت بابه عليّ، وناجيت ربى سائلاً إذا ما كان اختيارى هذا المكان المستحيل إصلاحه عقاباً منه، وهل ستكون تلك المسئولية سبباً فى هدم تاريخى، الذى اجتهدت فى بنائه، بأن كنت، دوماً، فى المركز الأول، بامتياز، فى كل دراساتى، والأول فى كل قيادة توليتها مخلفاً منها نجاحات؟ بعدها خاطبت روح أمى، رحمة الله عليها، التى تركت لى إرثاً عظيماً من الدعاء، أحسبه سبباً فى توفيق ربى لي. وسألت نفسى عما سأفعل فى هذا المكان، بعدما لمسته من وضع متدن لا يتخيله بشر. وجلست ساعات أفكر، حتى حل وقت الغروب، ففتحت النافذة،ورأيت الشمس تغرب على البر الغربى، لمدينة الأقصر، حيث مقابر ملوك وملكات مصر القديمة، أمام نيلها العظيم، رمز الخير والحضارة، فقلت لنفسى، أنا حفيد هؤلاء العظماء، ولن أخذلهم بعدم الحفاظ على حضارتهم التى أبهرت العالم. وحينها عاهدت نفسى أن أبذل قصارى جهدى لإعادة مجد هذه المدينة العظيمة... الأقصر ... عاصمة الحضارة المصرية الفرعونية والعالم كله. وفى الصباح التالى بدأت عملى بعزيمة من يدين بالفضل لبلاده التى كرمته، مرارا، وراجعت مع نفسى الأسس العلمية التى درستها بالولايات المتحدة الأمريكية، فى أثناء حصولى على دبلوم إدارة الأعمال، وأولها أن أساس أى عمل جديد هو الخطة المستقبلية، التى تمتد إلى 30 عاماً، مقسمة إلى مراحل، ووضعت ورقة أمامى، وكتبت العنوان ... خطة تطوير الأقصر حتى عام 2030. ولأن الخطط قوامها المعلومات والبيانات، طلبت من جميع وكلاء الوزارات فى المحافظة، إمدادى بالبيانات، كل فيما يخصه. وفى منتصف نهار ذلك اليوم، كانت المفاجأة، بأن وجدت فى أدراج المحافظة خطة لتطوير الأقصر، وضعها، بالفعل، البرنامج الإنمائى التابع للأمم المتحدة (UNDP)، منذ خمس سنوات، كان قد تم إعدادها بمعرفة الدكتور أيمن عاشور، نائب وزير التعليم العالى، حالياً،ومثلها لأكثر من 20 محافظة فى مصر. فنفضت عنها الغبار، وجعلتها نقطة الانطلاق بتحديث بياناتها، وحددت الهدف من تطوير الأقصر، من خلال ثلاثة محاور، المحور السياحى، ومحور تطوير المناطق الأثرية، ثم محور المشروعات الخدمية للمواطن الأقصري. وكانت البداية فى تطوير المناطق الأثرية تعتمدعلى إعادة فتح طريق الكباش، الذى يربط معبدى الأقصر والكرنك، مع تطوير ساحة الكرنك، ثم نقل سكان القرنة،وعددهم 3250 أسرة، من فوق 950 مقبرة فى البر الغربي.
وبناءً على توجيهات الرئيس الأسبق مبارك، حضر السيد رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور أحمد نظيف، يصاحبه 12 وزيراً، لمراجعة خطة تطوير الأقصر، وتم اعتمادها، بالفعل، ليبدأ العمل، أو بمعنى آخر لتبدأ المعارك. وكان أولها عندالبدء فى تطوير معبد الكرنك، والذى يتطلب إزالة كل العشوائيات أمام ساحته، ومنها ملعب كرة قدم، وبازارات عشوائية، ومنازل بارتفاع أربعة طوابق،على بعد 100 قدم من الساحة، ومنازل للبعثة الأثرية الفرنسية، ومنزل للأثرى لوجران، على مدخل الكرنك مباشرة!!! فدخلت فى معركة مع منظمة اليونسكو، وصلت لمطالبتها بإيقاف العمل بتطوير ساحة الكرنك، لحين وصول لجنة من المنظمة، لمراجعة ما يحدث من تطوير، بل ووصل تهديد اليونسكو إلى رفع اسم مصر من قائمة التراث العالمي.
ووصل وفد اليونسكو إلى الأقصر، وعرضت عليه خطة تطوير ساحة الكرنك، وطريق الكباش، ونقل سكان القرنة، وانتهى الاجتماع إلى موافقة اللجنة، بالإجماع، على كل أعمال التطوير،فانطلقت، على الفور، فى التنفيذ، بعدما تولت الوزيرة الرائعة فايزة أبوالنجا، وزيرة التعاون الدولى، حينها، ومستشار السيد رئيس الجمهورية، حالياً، حل مشكلة التمويل، وبدأ جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، بقيادة اللواء حسين شفيق، والعميد فرهاد عبد اللطيف ومعاونة الأثرى منصور بوريك،فى التنفيذ العملي.
تم خلال تنفيذ مراحل الخطة تعويض جميع المتضررين منها، رغم تعديهم، فى الأصل، على المناطقة الأثرية، وتم إنشاء أكبر مركز زوار،وساحة انتظار للسيارات، ومنطقة مخصصة للمطاعم والبازارات،وعاد معبد الكرنك لينعم بساحة عظيمة، تتعامد مع معبد حتشبسوت، فى الضفة الغربية للأقصر، كما كان الحال قبل آلاف السنين. وأسفرت خطة التطوير عن اكتشافات أثرية جديدة؛ منها أول ميناء لنقل الأحجار، تم استخدامه لبناء معبد الكرنك، وكذلك الحمامات التى أقامها الرومان عند وصولهم للأقصر، وظهرت تماثيل الكباش، لأول مرة،على مدخل الكرنك.
وحضر السيد باندرين، رئيس التراث بمنظمة اليونسكو، لزيارة الموقع،فلم يصدق ما يحدث على أرض الواقع، ويكفى القول ان خطة تطوير ساحة الكرنك فازت بجائزة اليونسكو، فى العام التالى، خلال المؤتمر السنوى للمنظمة، الذى انعقد فى البرازيل، والتى تسلمتها بصفتى محافظا للأقصر.
وفى الأسبوع القادم أشارككم معركة وقصة فتح طريق الكباش وتحويل الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح فى العالم.
Email: sfarag.media@outlook.com
|