العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وقد قامت اليونسكو، بالفعل، بعد المؤتمر، بتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المرحلة الأولى، من المشروع.

فرانشيسكو بندرين - 2
 

لواء د. سمير فرج

 23 مايو 2024


تحدثت فى مقالى الأسبوع الماضى عن بداية العلاقة التى جمعتنى بالسيد فرانشيسكو بندرين، الذى كان يشغل منصب رئيس مركز التراث العالمى، التابع لمنظمة اليونسكو، والمسئول عن جميع المناطق الأثرية فى العالم، فى الوقت الذى كنت فيه محافظاً للأقصر،وتحديداً فور البدء فى تنفيذ خطة تحويل الأقصر إلى متحف عالمى مفتوح، وعن معركتى مع اليونسكو، ضمن ما خضت من معارك، لتنفيذ مشروع تطوير ساحة الكرنك، والتى انتهت بموافقة اليونسكو على خطة التطوير، والتى قرر بعدها، السيد بندرين، زيارة الأقصر للاطلاع على أعمال التطوير الجارية بها.

وصل السيد بندرين إلى الأقصر، فى الموعد المُتفق عليه، وتم عقد اجتماع بيننا، قمت خلاله بعرض خطة تطوير الأقصر، والتى كانت معنية، فى المقام الأول، بالمشروعات الثقافية، والأثرية، التى يتم تنفيذها للحفاظ على المناطق الأثرية، بإزالة العشوائيات المحيطة بها، المؤثرة سلبيا على مظهرها الحضارى، بما تسببه، فى بعض الأحيان، فى حجب الرؤية عنها، بل وقد تتسبب فى تلف بعضها. كما استعرضت معه ما تم تنفيذه، حتى حينه، من نقل المواطنين المقيمين فوق المقابر الأثرية بالبر الغربى فى منطقة القرنة، ومشروع تطوير ساحة معبدالكرنك، وساحة معبدالأقصر، ومشروع إعادة فتح طريق الكباش.

وحينها، لم يُعرب بندرين، فقط، عن شديد تقديره للمجهود المبذول للحفاظ على المناطق والمعالم الأثرية بالأقصر، للوصول بها إلى مكانتها المُستحقة، بل فوجئت بتعليقه، الذى تمنى فيه، أن يكون لمدينة فينيسيا الإيطالية، خطة مشابهة لخطة الأقصر، فى تكاملها وشمولها، وهدفها فى تنمية المدينة، والحفاظ على طابعها الأثرى، معقباً أن العشوائيات قد بدأت فى الزحف على المنطقة الأثرية، فى فينيسيا، ممثلة خطراً جسيماً عليها، وهو ما يجب التصدى له للحفاظ عليها.

وفى ثانى أيام زيارته، صحبت السيد بندرين فى جولة تفقدية لمختلف المناطق الأثرية بالأقصر، والمشروعات الجارى تنفيذها؛ فقمنا بزيارة قرية حسن فتحى، التى صممها، وأقامها المعمارى المصرى الكبير، المهندس حسن فتحى، فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، لنقل سكان القرنة إليها، والتى تعد واحدة من أهم معالم للأقصر، والتى لم تكن مُدرجة، ضمن قائمة المعالم الأثرية، نظراً لعدم مرور 100 عام، بعد على إنشائها. إلا أن زيارة السيد بندرين، كانت فاتحة خير عليها، إذ تم الاتفاق على وضع القرية على قائمة المعالم الأثرية فى العالم، بل وتم وضعها تحت رعاية اليونسكو، وبتمويل من المنظمة، لأعمال تطويرها.

يتميز المعمارى حسن فتحى، بمنهج خاص، ومتفرد، يُطلق عليه عمارة الفقراء، لاعتماده فى تصميماته على مواد البناء الأولية، مثل الطوب الطفلى، من طين المنطقة، وعدم استخدامه للحديد أو الأسمنت، وتبنيه، فى تصميم الأسقف، أسلوب القباب، التى تتميز بتدوير الهواء، لذا تجد المبانى المتبعة للقباب تتمتع بالدفء فى الشتاء، والبرودة فى فصول الصيف، فضلاً عن اعتماده على فتحات الإضاءة فى تلك القباب، لتدخل منها أشعة الشمس، طوال النهار، كمصدر للضوء، مما يقلل من تكاليف البناء، واستخدام تلك المباني. والحقيقة إنك لو اطلعت على مراجع العمارة العالمية، لوجدت أن مصر تحتل جزءاً كبيراً منها، لتاريخها فى ذلك الفن، بدءاً من تفرد المصريين القدماء فى بناء الأهرامات، أو أول معبد فى العالم، وهو معبدالكرنك، بأعمدته الرائعة، وصولاً إلى العصر الحديث الذى سُجلت عمارة الفقراء، باسم حسن فتحى، فى مراجعه.

وفور مغادرة السيد بندرين الأقصر، بدأنا الإجراءات الرسمية، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بتحويلها إلى محمية تراثية، ليتم بعد ذلك ضمها إلى قائمة التراث العالمي. وأعقب ذلك قيام اليونسكو، بالتعاون مع الحكومة المصرية، بعقد مؤتمر دولى، كبير، فى الثانى من أكتوبر، من عام 2010، شارك فيه أكثرمن أربعين خبيراً دولياً، فى مجال العمارة، من مختلف أنحاء العالم، واستمرت فعالياته، لمدة يومين، تم خلالها عرض النتائج المبدئية لأعمال المسح الميدانى، الذى أجرته منظمة اليونسكو، ليتضمن الجوانب المعمارية، والاجتماعية للقرية ووضع استراتيجية فعالة لحماية قرية حسن فتحى، وتطويرها بإنشاء مركز دولى للصناعات الحرفية، والبيئية، فيها، على أن تقوم منظمة اليونسكو بالإشراف عليه، وكانت المفاجأة فى ذلك المؤشر، وجود أكثر من عشر جامعات عالمية لديها كرسى لعمارة حسن فتحى.

وبعد المؤتمر، تم وضع الخطة التنفيذية لمشروع تطوير قرية حسن فتحى، متضمنة البدء بمنزل حسن فتحى نفسه، الذى يجمع فى تصميمه بين كل الأشكال المعمارية المستخدمة فى القرية، مثل الأقبية والقباب والمشربية والأبواب الخشبية العتيقة، بعد أن وصلت حالته للتدهور، وظهرت التصدعات فى كل أركانه، نظراً لإهماله لسنوات طويلة. وشملت الخطة ترميم المسجد، الجامع، فى تصميمه، ما بين العمارة الإسلامية والنوبية، والمتميز بعلو جدرانه، وضخامة أعمدته، وأقبيته، واتساع ممراته. أما بالنسبة للخان، فتقرر تطويره لتعليم الحرف اليدوية، لأبناء القرية، وبيع منتجاتها للسائحين.

وقد قامت اليونسكو، بالفعل، بعد المؤتمر، بتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المرحلة الأولى، من المشروع، وتم تشكيل لجنة داخل مصر، بالتعاون مع وزارة الثقافة، لمتابعة التنفيذ، ضمت فى عضويتها، أحد تلاميذ المهندس حسن فتحى، إلا أن ثورة 2011، عطلت مسيرة الخطة، وظل المشروع متعثرا لعدة سنوات، حتى علمت باستئناف العمل به، فى الفترة الماضية، وهو ما كان سبباً لسعادتى البالغة، لتمنياتى بأن تلقى تلك القرية، ومهندسها العبقرى حسن فتحى، مايستحقانه من اهتمام وتقدير داخل مصر، مثلما يلقيانه من العالم كله.



Email: sfarag.media@outlook.com