العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى الصباح، بدأت إعداد خطة التنمية الشاملة للأقصر 2030 Luxor Master Plan.

عندما يصبح الحلم حقيقة
 

لواء د. سمير فرج

 15 يونيو 2024


عندما وصلت إلى الأقصر لأكون محافظًا لها، كانت الأسابيع الأولى لى هناك من أصعب أيام حياتى والله، حيث كانت الأقصر عبارة عن قرية زراعية بسيطة بها ثلث آثار العالم، يكفى أن بها معبد الكرنك أكبر أثر فى العالم، الذى كان فى حالة سيئة للغاية.

وخلال الأسبوع الأول، وأنا فى غاية الإحباط، وأنا أسأل نفسى: ماذا سأفعل؟ وأتذكر فى اليوم الثالث، بعد أن قمت بالمرور على كل قرى الأقصر فى البر الشرقى والغربى، حيث توجد أجمل مقابر الفراعنة، جلست فى المساء فى الاستراحة أنظر إلى نهر النيل العظيم الذى نشر الرخاء للعالم كله وناديت ربى والله العظيم، هذا ما حدث، وقلت: ربى، لقد كنت معى فى كل لحظة فى حياتى، وحققت لى نجاحات كبيرة، وأشهد أنك وقفت بجانبى، ولم أفشل فى أى مهمة أوكلت لى، هل ستخذلنى هذه المرة؟... والله العظيم، هذا ما حدث بعدها ناديت روح أمى، أين دعواتك التى كنت أسير بها، على هداها، فى كل وظيفة توليتها طوال حياتى.

وحقيقى كانت المرة الأولى فى حياتى التى شعرت فيها بالإحباط للمستوى السيئ الذى كانت عليه قرية الأقصر. ونظرت مرة أخرى من شرفة الاستراحة إلى نهر النيل، رمز العطاء لمصرنا الغالية عبر التاريخ، وساعتها قلت ما دام نهرها يسير ويعطى شعبنا الحياة، فإننى يجب أن أستكمل المسيرة.

وجلست أفكر طوال الليل، وهدانى تفكيرى إلى أن أنفذ ما تعلمته فى دراستى فى أمريكا، فى دبلوم إدارة أعمال Business Management، أن أى تطوير يجب أن يكون له خطة، وتكون لمدة من 20 إلى 25 عامًا. ويطلق على خطة التنمية الشاملة Master Plan. وأذكر أننى سألت البروفيسور فى أمريكا يومها لماذا 20 عامًا ونحن لدينا فى مصر الخطة الخمسية الأولى والثانية، وكانت إجابته هذا الأسلوب الخمس سنوات يتم فى دول الاتحاد السوفيتى الشيوعية السابقة، ولكنها عمومًا تتم لموضوع معين. مثل الخطة الخمسية للصناعة أو الزراعة أو التعليم.. وهكذا، لكن الدولة والمؤسسات يجب أن تكون على الأقل لمدة 20 عامًا، ولا تزيد على 30 عامًا.

وفى الصباح، بدأت إعداد خطة التنمية الشاملة للأقصر 2030 Luxor Master Plan. ولن أدخل طويلًا فى التفاصيل، لأننى نفذت فيها فى سبع سنوات 82 مشروعًا، حازت منها أربعة مشروعات جوائز عالمية وعربية. المهم كانت إحدى المشاكل للأقصر أن هناك طريقًا واحدًا من المطار إلى منتصف المدينة إلى البر الغربى من خلال كوبرى آخر خارج مدينة الأقصر يربط البر الشرقى والغربى، وكانت فكرة إنشاء هذا الكوبرى هى أن يكون خارج مدينة الأقصر؛ حتى لا تؤثر العشوائيات التى حوله على شخصية هذه المدينة، وأعتقد أن ذلك الفكر كان صحيحًا أيامها، لذلك فإن أى سائح قادم للأقصر يدخل من طريق المطار إلى وسط المدينة. وبعدها إلى الكوبرى على مسافة 15 كم ويعبر منها للبر الغربى وهو المحور الوحيد للمدينة شرقًا وغربًا.

وكان أول تخطيط لى فى مجال الطرق هو إنشاء محور جديد للأقصر مواز لطريق المطار يبدأ من البر الشرقى ويمر عبر عوائق كثيرة سواء الطرق السريعة شرق الأقصر، طريق قنا والترع الموجودة فى الشرق، وتخطى السكة الحديد، ثم يعبر النيل للبر الغربى. وهناك الترع أيضًا، والطرق فى البر الغربى لنصل إلى مقابر القدماء العظماء فى البر الغربى، ومعبد حتشبسوت الدير البحرى.

ولأن مشروع الـ1000 ميل يبدأ بخطوة واحدة. فلقد انطلقت بشق هذا الطريق حيث دخلت لأول مرة عش الدبابير وهو نزع ملكية الأراضى الزراعية، وحقيقة كان الفضل فيها أولًا لوزير الزراعة أمين أباظة الذى سمح لى باستقطاع الأراضى الزراعية لإنشاء الطريق، وجاء دور الأهالى، حيث الاعتراضات والصراخ والعويل، والحمد لله أننا نجحنا فى تدبير أموال التعويضات للأهالى ومنحهم أراضى جديدة يتم استغلالها للزراعة فى الظهير الصحراوى.

ولن يصدقنى أحد. لقد استغرقت هذه العملية 3 سنوات كاملة فبدأت فى إنشاء الكبارى، حيث كان هناك أسبقيات فى توسيع طريق المطار، وأشكر بكل الفخر المشير طنطاوى، رحمه الله، أنه وافق على استقطاع جزء كبير من أرض مطار الأقصر الذى كان تابعًا للقوات المسلحة ونجحت فى توسيع طريق المطار ليكون ثلاث حارات على كل جانب، وتم زراعته ليصبح أجمل طرق الصعيد.

وجاء استكمال الأمل فى الطريق الجديد، ولكن جاءت أحداث ثورة 25 يناير 2011م، لتوقف كل أعمال التطوير فى مصر، بعدها تولى الرئيس السيسى مقاليد البلاد، وقام بتطوير شبكة الطرق فى مصر. وسعدت جدًّا بدخول هذا المحور فى خطة تطوير الطرق فى مصر، وبدأ فى استكمال هذا المحور ليصبح طوله 19.5 كيلو فى اتجاهين، كل اتجاه ثلاث حارات بإجمالى ست حارات بعرض 30 م لكل اتجاه، ويُنشأ عليه عشرة كبارى أهمها الكوبرى الذى يعبر نهر النيل ليربط بين البر الشرقى والغربى فى الاقصر.

ولعل أهم نقاط أضيفت لهذا التخطيط أن هذا المحور سيكون نقطة التقاء بين حركة خط القطار الكهربائى فى غرب النيل، الذى يربط القاهرة من 6 أكتوبر حتى أسوان، والقطار الكهربائى الثانى من الشرق يربط بين الغردقة فى البحر الأحمر والأقصر، وهذا يعنى أن سياحة البحر الأحمر سوف تستغل هذا القطار لتصل إلى الأقصر، ومنه تستغل هذا المحور الجديد لتصل إلى البر الغربى فى ساعة ونصف الساعة من الغردقة، بعد أن كانت هذه الرحلة تستغرق 5 ساعات من قبل. لذلك أصبحت أهمية هذا المحور ليست لأهل الأقصر فقط ولتحركاتهم من شرق الأقصر إلى غربها، ولكن ليكون محورًا تبادليًا للمدينة، بل أيضًا لتنشيط سياحة اليوم الواحد التى سوف تستفيد منها مصر وشعب الأقصر.

لذلك أخيرًا تحقق الحلم الذى حلمت به منذ عشرين عامًا، لكى يستكمل تنفيذه، بعد أن كنت فقدت الأمل. بعد أحداث 25 يناير، وجاءت المفاجأة فى أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى أصدر قرارًا بأن يطلق على هذا المحور اسم اللواء سمير فرج، تقديرًا لجهودى فى تطوير الأقصر، لتصبح أكبر متحف مفتوح فى العالم، وليضيف هذا المحور لصعيد مصر محورًا يربط الشرق بغرب الأقصر ويصبح إضافة جديدة لمصر فى صعيدها وإلى سياحة الجنوب من الغردقة للأقصر.



Email: sfarag.media@outlook.com