العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبعد نزولى ومرورى بالمدينة، أصابتنى حالة شديدة من الإحباط من حال هذه المدينة.

سبع سنوات فى طيبة
 

لواء د. سمير فرج

 19 إبريل 2025


سبحان الله، إنه فى الأسبوع الذى تحتفل فيه محافظة الأقصر (طيبة القديمة) بعيدها القومى، وهو اليوم الذى أقسمت فيه أمام الرئيس مبارك لأصبح أول محافظ للأقصر، وفى نفس الأسبوع تُطلق شبكة CNN أن الأقصر أصبحت من أهم خمسين مقصدًا سياحيًا فى العالم بعد تطويرها، وأصبحت بهذا الشكل المميز، وبعد افتتاح طريق الكباش لتصبح أكبر متحف مفتوح فى العالم.

وأتذكر فى الأيام الأولى من وصولى إلى الأقصر، ولم تكن محافظة فى هذا التوقيت. وبعد نزولى ومرورى بالمدينة، أصابتنى حالة شديدة من الإحباط من حال هذه المدينة التى كانت تشبه قرية غاية فى السوء فى كل شيء، ويعلم الله، إنه بعد يومين من التعرف على ديوان مجلس المدينة، جلست فى مكتبى وأغلقت كافة التليفونات لأفكر: ماذا أفعل؟ لأنه لم يحدث أن ذهبت وخدمت فى أى مكان إلا وكنت دائمًا متفوقًا. لكن فى هذه المرة، أحسست فى البداية أننى قادم على فشل كبير، لأن الوضع كان سيئًا لا يتخيله بشر فى جميع نواحى الحياة، سواء القمامة والأتربة، أو حالة الشوارع السيئة، والرائحة البشعة، والأكثر سوءًا تردى الناحية التعليمية فى المدارس، ثم المستشفيات. كل شىء فى المدينة سيئ للغاية. يومها، جلست مع نفسى وقررت أننى لن أُهزم أبدًا، وسأقاتل من أجل الأقصر عاصمة مصر القديمة منذ مئات السنين.

وفى المساء، فتحت شباك مكتبى، والله، أتذكر تمامًا ما حدث، ونظرت إلى النيل، رمز العطاء لمصر، ينساب أمامى، ومن خلفه البر الغربى حيث مقابر المصريين القدماء العظماء. وساعتها أغلقت شباك مكتبى، وجلست فى المكتب، وأحضرت رزمة من الورق كتبت عليها خطة تطوير الأقصر، واسترجعت دراستى فى الولايات المتحدة، ولاية كاليفورنيا، حيث درست إدارة الأعمال، وطبقت ما تعلمته هناك: أنه يجب أن أضع خطة تنمية شاملة (Master Plan) لمدة عشرين عامًا.

وأتذكر يومها، وخلال دراستى فى أمريكا، أننى سألت البروفيسور الأمريكى: نحن فى مصر كنا ننفذ خطة خمسية. وكانت إجابته: الخطة الخمسية كانت تُستخدم فى النظام الشيوعى فى الاتحاد السوفيتى أيام حكم ستالين، وسار عليها الاتحاد السوفيتى، وهى تنظم التخطيط لموضوع واحد، مثل الخطة الخمسية لتطوير الصناعة، الخطة الخمسية لتطوير الزراعة، وهكذا. أما خطة تطوير دولة أو محافظة أو مؤسسة، فهى تتم لمدة 25 - 30 سنة.

هذا ما تعلمته فى أمريكا، كيف توضع خطة التنمية الشاملة. من هنا بدأت كتابة أول صفحات خطة التنمية الشاملة للأقصر 2030، وبدأت أبحث عن المعلومات عن المدينة، لأن أى خطة يستلزمها معلومات دقيقة متكاملة عن الأقصر. وللأسف، لم أجد شيئًا، لقد كانت مدينة الأقصر قرية صغيرة. وهنا... صاح أحد المهندسين: «عندنا دراسة يمكن أن تفيدنا، هى دراسة من UNDP المركز الإنمائى للأمم المتحدة منذ خمس سنوات، وموجودة فى الأدراج».

وبالفعل، وجدت الدراسة، كانت رائعة، قدمتها الأمم المتحدة للأقصر ولم يتم الاستفادة منها، ولكن مطلوب تحديثها. وبحثت من الذى أعد هذه الدراسة، لأجد اسم المهندس أيمن عاشور، الأستاذ بكلية الهندسة، جامعة عين شمس. ووجدنا رقم تليفونه وتحدثت معه، وطلبت منه تحديث هذه الدراسة، وعلى استحياء قلت له: «أنا لسه واصل ومش عارف أوفر مكافأة لهذا التحديث». وكان الرد رائعًا: «أنا أخذت المكافأة من الأمم المتحدة، وأى تعديل ده من حق مصر علىّ».

وحضر المهندس أيمن عاشور، ومعه طاقم من المهندسين، ولمدة خمسة أيام تم تعديل بيانات الدراسة بالكامل، هى من خمس مجلدات، وعاد ولم يتقاضَ مليمًا واحدًا.

وبعدها، أصبح استشارى تطوير الأقصر، وعلى يديه حصلنا على 4 جوائز: اثنتان على المستوى العربى، واثنتان على المستوى العالمي؛ الأولى من منظمة اليونسكو عن تطوير ساحة الكرنك، والثانية على نقل سكان القرنة فى البر الغربى، والثالثة من الاتحاد الأوروبى عن فتح طريق الكباش لكى تصبح الأقصر أكبر متحف مفتوح، لأنه هو الذى موّل هذا التطوير، بجهود رائعة من أعظم سيدات مصر، الوزيرة فايزة أبو النجا.

ومنذ شهور، تم اختيار د. أيمن عاشور وزيرًا للتعليم العالى. ساعتها، شعرت بالثقة فى الاختيار للوظائف العليا، لأننى خلال 7 سنوات فى الأقصر، كان د. أيمن عاشور صاحب أفكار مستنيرة، وشخصيته هادئة، ويتمتع بنظافة اليد وحبه لوطنه. وأعتقد أنه فى منصبه الجديد سوف يضيف الجديد لوزارة التعليم العالى فى الفترة القادمة بإذن الله.

وبالفعل تم إعداد خطة التنمية الشاملة للأقصر، تحدثت مع رئيس الوزراء آنذاك، د. أحمد نظيف، حيث حضر إلى الأقصر، ومعه 12 وزيرًا للتصديق على هذه الخطة، وهذا أمر لم يحدث فى تاريخ مصر أن يصل إلى محافظة رئيس الوزراء للتصديق على خطة تطويرها، ومعه هذا العدد من الوزراء. ومن يومها، أصبح للأقصر كل أسبوعين اجتماع مع رئيس الوزراء، ومعه وزير الثقافة فاروق حسنى، والوزيرة فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولى، والوزير أحمد المغربى، وزير الإسكان، والمهندس مصطفى مدبولى، رئيس هيئة التخطيط العمرانى آنذاك. ولولا هذه الاجتماعات لما حدث هذا التطوير فى الأقصر. وقبل وصولى إلى الأقصر، كنت من مؤيدى مهاتير محمد، صاحب أكبر نهضة فى ماليزيا، الذى وضع مقولة أن التنمية البشرية تعنى تطوير التعليم والصحة. لذلك، عند مرورى فى المرة الأولى على المدارس، لم أجد هناك مدرسة فى الأقصر تنفذ طابور الصباح كما يجب. لذلك كان أول قرار بعد وصولى إلى الأقصر هو شراء الأورج والطبلة والإذاعة لكل مدرسة. وبعدها، أصبح فى كل مدرسة كلمة الصباح وهتاف تحية العلم، ثم السلام الجمهورى.

ولن أحكى عن تطوير الأقصر فى مجال التعليم، حيث أصبحت مدارس الأقصر مثل مدارس التجمع الخامس. وكان أول دخول أجهزة التابلت فى مصر كان فى الأقصر، 1000 تابلت هدية من رجل الأعمال معتز الألفى. كما أنشأت مركز تدريب للمدرسين فى المحافظة، وبعد انتهاء التدريب، تكون مع شهادة التخرج هدية المدرس لمبادرة عن تابلت و2 بدلة بمستلزماتها. حيث إنه فى أول مرور لى على مدارس الأقصر، وجدت مدرسًا فى الفصل يرتدى الجلباب، وكانت إجابته: «ده الزى الرسمى للصعيد يا فندم»، وبالطبع كان ردى: «الجلباب ده للبيت، مش للمدرسة». أما التطوير الثانى فكان للمستشفيات.

وحقيقى، حدثت طفرة كبيرة فى المستشفيات فى الأقصر، وتم الاستعانة بقوافل كلية طب القصر العينى. وكمثال، أن هذه القوافل وجدت بعض الأمراض الجلدية التى انقرضت من مصر والعالم، وهو مرض الجذام. لا يكفى أن أقول أن المدرسين أخذوا حالتين للقاهرة لكى يتدرب عليهما الطلبة فى قصر العينى على الطبيعة، لأن هذا المرض اندثر فى العالم ولم يظهر إلا فى صور كتب الطب، ولكننا وجدناها هنا فى الأقصر، والحمد لله تم شفاء الجميع منها. ولا يمكن أن أنكر دور المجالس المحلية التى وافقت على كل طلبات إزالة المنازل، وعلى رأسهم الشيخ محمد الطيب، حيث لاقى العناء هو وأعضاء المجلس المحلى من مضايقات الأهالى الذين تم إزالة منازلهم. ولكن الجميع الآن فى الأقصر يعلم تمامًا أن ذلك كله كان لصالح مدينتهم. وعندما جاء قرار السيد الرئيس الراحل حسنى مبارك بتحويلها إلى محافظة، أعطى الأقصر حقها الطبيعى داخل مصر والعالم، لتصبح من أفضل خمسين منطقة جذب سياحى فى العالم.



Email: sfarag.media@outlook.com