|
بإعلان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، رفع العقوبات المفروضة على إيران، دخلت المنطقة العربية، والشرق الأوسط، مرحلة جديدة، في كافة الاتجاهات. كان الاتفاق حول برنامج إيران النووي، المبرم في 14 يوليو 2015، بين إيران والقوى الكبرى، يهدف إلى ضمان الطابع السلمي لبرنامج إيران النووي، مقابل رفع كافة العقوبات الدولية عن طهران ... وبالتالي يمكن لإيران استعادة أكثر من 60 مليار دولار من أصولها وأموالها المجمدة في الخارج، وذلك بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسوف ينتهي رفع العقوبات على ثلاثة مراحل تنتهي في 2025. كما سيظل هناك حظر، مؤقت، على بعض الأسلحة التقليدية لمدة خمس سنوات، والصواريخ البلاستية القادرة على حمل رؤوس نووية على مراحل لمدة عشر سنوات، أي تنتهي في 2025. وبإعلان الرئيس الأمريكي عن رفع العقوبات، بدأت إيران في سحب أموالها المجمدة في الخارج، وبدأت في شراء كافة احتياجاتها من السلع الأمريكية والأوروبية، خاصة قطع الغيار، والطائرات التجارية ... حيث أن الاتحاد الأوروبي قام، كذلك، برفع كافة العقوبات المفروضة على إيران. ونعود إلى ما بعد رفع العقوبات عن إيران، فنجد أن الواقع الإقليمي في المنطقة قد أزعج دول الخليج العربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. ورغم محاولات الولايات المتحدة الأمريكية، بكافة الطرق والوسائل، طمأنة هذه الدول، إلا أن الجميع يشعر بخيبة أمل. خاصة أنه منذ بدء الاتفاق، رأى الجميع أن هذا الاتفاق يعد تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية نحو منطقة الشرق الأوسط، وبأنه جاء على حساب مصالح دول الخليج، وذلك لعدة عوامل: أولاً: أن سباق التسلح سيشتعل في المنطقة ... بدرجة تفوق الوصف. وقد بدأت إيران، بالفعل، بتنفيذ صفقة الصواريخ الروسية S300 لتقوية نظام الدفاع الجوي الإيراني ضد الطائرات والصورايخ الباليستية العادية. مما دفع بالمملكة العربية السعودية، ودول المنطقة، لإتمام صفقات وتنفيذ أنظمة دفاعية للتصدي للخطط الإيرانية القادمة. ثانياً: ببدء تنفيذ الاتفاق، ستبدأ إيران في تصدير النفط الإيراني، ذا الجودة العالية، بما يؤدي لزيادة المعروض في الأسواق العالمية ... وبذلك تنخفض الأسعار، وهو ما سيؤثر سلباً على دول الخليج، التي تشهد بالفعل اضطراباً في ميزانياتها، نظراً للانخفاض الحالي في أسعار النفط. ثالثاً: أن هذا الاتفاق سيزيد من قوة وقدرة إيران على مساعدة المنظمات المتطرفة والإرهابية في المنطقة، خاصة في اليمن وسوريا وليبيا. رابعاً: غضب دول الخليج ناتجاً عن أن الاتفاق لم يلزم إيران بعدم مساندة أو دعم تلك الجماعات الإرهابية، أو المساهمة في زيادة النزاعات في دول المنطقة. خامساً: كما لم يلزم الاتفاق إيران بعدم إثارة الفتن بين الشيعة والسنة في المنطقة، كما لم يأكد على حق دول المنطقة في سيادتها داخل حدودها المشروعة، وخاصة الجزر الإماراتية التي استولت عليها إيران.
أما إسرائيل، فإنها من أشد الدول معارضة لهذا الاتفاق منذ البداية، وقد مارست كافة الضغوط على الإدارة الأمريكية لوقف هذا الاتفاق. حتى أن حملة الإيباك اليهودي داخل أروقة الكونجرس الأمريكي كانت من أقوى الحملات في تاريخها في معارضة الاتفاق. وترى إسرائيل أنها أكثر الدول تضرراً من توقيع هذا الاتفاق، لما يمثله من تهديد مباشر على الأمن القومي الإسرائيلي في العشر سنوات المقبلة. كما تعلم إسرائيل أن بموجب هذا الاتفاق، ستصبح إيران ثاني دولة نووية في المنطقة، في المدى القريب. وبالنسبة لروسيا وأوروبا ... فقد باركوا الاتفاق لما لهم فيه من مصالح شخصية. فروسيا ستنفذ صفقة S300 التي ستشبع خزائنها بملايين الدولارات، التي هي في أمس الحاجة إليها حالياً بعد ضغوط الاتحاد الأوروبي المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية. كما بدأت روسيا كذلك في تسويق الأنظمة الدفاعية الجديدة لإيران، لاستنزاف أموالها المجمدة في الولايات المتحدة، وغيرها. أما الدول الأوروبية، فنرى بوضوح الهرولة التي تشهدها الشركات الفرنسية والألمانية والبريطانية لتسويق منتجاتها لإيران بعد رفع الحظر عن تلك المواد والأنظمة. وتشهد الساحة، حالياً، صراعاً بين شركات بوينج الأمريكية وإيرباص الفرنسية للسبق في تنفيذ أكبر صفقة لتطوير الأسطول الجوي الإيراني. أما مصر ... فإنها تراقب الموقف الإيراني منذ مدة طويلة .... ورغم محاولات البعض، منذ سنوات، تبني سياسة ضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران ... وضرورة فتح بوابات السياحة المصرية للإيرانيين ... إلا أن القيادة السياسية ... منذ عهد مبارك وحتى الآن (باستثناء فترة تولي الإخوان الحكم) ... ترى أن ذلك ليس في صالح الأمن القومي المصري ... في ظل ما تقدمه إيران للجماعات الإرهابية في المنطقة من دعم مالي وعسكري ولوجيستي، والتي تعمل بشكل مباشر على زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. كما لا يجب إغفال ضرورة وقوف مصر مع دول الخليج العربي، وعلى رأسهم السعودية، التي بدأت تشعر بتهديد لأمنها الداخلي والخارجي من كافة الاتجاهات. يجب على مصر أن تستمر في دعم .. وتأمين .. ومساندة الأمن القومي الخليجي. وعموماً، يمكن تلخيص الموقف في المنطقة في الفترة القادمة، بعد هذا الاتفاق النووي مع إيران، بالآتي: 1. أن المنطقة ستشهد سباقاً كبيراً في مجال التسليح في الفترة القادمة. 2. أنه نتيجة لبدء دخول النفط الإيراني للأسواق العالمية، سينخفض السعر العالمي للبترول، مؤثراً، بالطبع، على اقتصادات دول الخليج ... تأثيراً كبيراً. 3. ستتسابق الشركات والمؤسسات الأوروبية والروسية على تقديم خدماتها ... التجارية ... وبالتالي سيزداد حجم التبادل التجاري بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وروسيا. 4. نقطة أخيرة أريد التأكيد عليها ... أنه بموجب هذا الاتفاق، ستجتهد إيران في إنتاج القنبلة النووية مع عام 2025 ... مستغلة الخمس سنوات القادمة المنتهية في 2020 في تدبير كافة احتياجاتها ... مطبقة ما تعلمته من دروس خلال فترة المقاطعة .. وستبدأ في سحب كافة ودائعها من دول الخليج وحفظها داخل إيران. أما الخمس سنوات التالية فهي ما ستستغلها لبدء إنتاج السلاح النووي من جديد، اعتماداً على البنية الأساسية، وخبرة العلماء، والكوادر العلمية، التي تم إعدادها في الفترة الماضية. ويأتي ذلك من خلال تأمين أراضيها بأنظمة دفاعية متطورة، بدأتها من الآن من خلال نظام صواريخ S300.
أما مصر ... فيجب عليها أن تستمر في مراقبة هذا النشاط الإيراني في المنطقة، وتتخذ من الإجراءات كل ما يلزمها لتأمين وتعزيز كافة جوانب الأمن المصري. Email: sfarag.media@outlook.com |