العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وقد غمرتني السعادة، عندما نما إلى علمي، أن الهيئة العامة للاستعلامات، برئاسة الصحفي ضياء رشوان، قد تعاقدت مع مدينة الإنتاج الإعلامي، برئاسة أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، على إحياء وتجديد تراث الهيئة العامة للاستعلامات، وهو تراث ٧٧ عاماً.
|
!التراث المصري… إلى أين؟
لواء د. سمير فرج
|
6 يوليو 2019
|
عندما كنت صغيراً، كانت متعتنا الأسبوعية، ومتعة كل الأسر المصرية، في مشاهدة فيلم سينمائي، إذ كانت ستينات القرن الماضي، هي العصر الذهبي للسينما، المصرية والأجنبية على حد سواء، خاصة وأن التليفزيون المصري لم يكن قد بدأ إرساله بعد. كانت دور السينما غاية في الرقي والفخامة، تماماً كما كانت سلوكيات المصريين غاية في التحضر والاحترام، فلا يلوث أذنك تعليقاً يخدش الحياء، أو تصرفاً لا يليق بالذوق العام، ولم نسمع أبداً عن ظاهرة التحرش. فكانت حفلات “السوارية”، في دور السينما، في زماني، متعة للعائلات المصرية، وكانت تمثل عرضاً للأزياء والأناقة لسيدات وفتيات هذا الجيل، أما دور السينما الصيفية فكان لها سحر خاص مع نسمات الليالي الصيفية الجميلة. وجرت العادة، حينها، أن تعرض دور السينما المصرية، في الجزء الأول من العرض، “جريدة مصر الناطقة”، ثم فيلماً متحركاً من أفلام ميكي ماوس، يليهم عرض إعلان فيلم الأسبوع القادم، ويفصلهم استراحة، قبل عرض الفيلم الرئيسي لهذا الأسبوع.
بدأ إصدار “جريدة مصر الناطقة”، في عام ١٩٣٧، إلى أن سميت “جريدة مصر السينمائية” في عام ١٩٥٤، ولكنها ظلت معروفة باسم “جريدة مصر الناطقة”، وبعدها انتقلت ملكيتها للدولة، تحت إشراف الهيئة العامة للسينما، ثم إلى التليفزيون العربي، وأخيراً إلى الهيئة العامة للاستعلامات في عام ١٩٧١، وأصبح اسمها الرسمي “جريدة مصر السينمائية”. كانت الجريدة تستعرض، أسبوعياً، لمدة تتراوح بين ١٥ و٢٠ دقيقة، كل أحداث مصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية والرياضية … إلخ، وفي ظل عدم وجود إرسال تليفزيوني في مصر، حينها، أصبحت “جريدة مصر الناطقة” هي الحفظ، والسند التاريخي الوحيد، لهذه الفترة، مدعمة بالصوت والصورة، وصارت المؤرخ الحقيقي، لتلك الفترة من تاريخ مصر، والتي كانت ذاخرة بزخم الأحداث.
وقد غمرتني السعادة، عندما نما إلى علمي، أن الهيئة العامة للاستعلامات، برئاسة الصحفي ضياء رشوان، قد تعاقدت مع مدينة الإنتاج الإعلامي، برئاسة أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، على إحياء وتجديد تراث الهيئة العامة للاستعلامات، وهو تراث ٧٧ عاماً، من أهم حقب مصر الزمنية، وتحويل تراث “جريدة مصر الناطقة” إلى النظام الرقمي الحديث، بما يسمح بإعادة عرضها، مرة أخرى، بصورة أوضح، وصوت أنقى، عبر شبكات الإنترنت، والوسائط التطبيقية الحديثة، خاصة أن مدينة الانتاج الإعلامي قامت بتطوير استوديوهاتها، ومعاملها، بتقنية عالية، متبعة أحدث الأساليب العالمية، في هذا تحول رائع في الفكر الهندسي الإعلامي، في مصر، وهو ما يُحسب للوزير أسامة هيكل، فأصبحت، بذلك، قادرة على إعادة ترميم تلك الثروات القديمة. وهو ما لم تضاهيه إلا سعادتي بما قام به اللواء محسن عبد النبي، أثناء إدارته للشئون المعنوية بالقوات المسلحة، بتحويل الثروة العظيمة الموجودة بإدارة الشئون، من صور فوتوغرافية وشرائط سينمائية تغطي فترة ثورة يوليو، وحرب ٥٦، وحرب ٦٧، وحرب أكتوبر ٧٣، إلى مكتبة إليكترونية، تم فيها حفظ كل هذا التراث الرائع، وتلك الوثائق، وتأمين كل ذلك بأحدث وسائل التأمين ضد السرقة، والحريق، والعوامل الجوية.
ومن هذا المنطلق وجدتني أتساءل … أين باقي التراث المصري الفني والثقافي والاجتماعي والرياضي؟! أعلم بالمجهودات الفردية الرائعة، في بعض المجالات، لتوثيق التراث، مثلما فعل الراحل الكبير عبد الرحمن الأبنودي بتجميعه “السيرة الهلالية”، ومثلما فعل زكريا الحجاوي، أحد أهم رواد الفن الشعبي المصري، الذي طاف قرى ونجوع مصر، ليجمع موروثات الفن الشعبي الأصيل، وغيرهم. ولكن سؤالي ينصب على المجهود الرسمي، وليس الفردي، وهو الدور الهام الذي تقدر عليه الوزيرة النشيطة، إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، من خلال تشكيل لجنة أو مجمع، أو كما يتراءى لها، لجمع التراث المصري الشعبي، بمختلف المجالات، باعتباره عملاً ثقافياً بالأساس، خاصة أن العديد من هذه الموروثات لا زالت عالقة في ذاكرة المواطنين في قرى ونجوع مصر.
لقد كنت سعيداً بنجاح الدكتور مصطفى الفقي، في حفظ مذكرات الراحل العظيم محمد حسنين هيكل، التي تعتبر وثائق هام جداً من تاريخ مصر، خاصةً ثورة ٢٣ يوليو، وهو ما سبق وأن ناديت به، بعد وفاة الراحل محمد حسنين هيكل، من خلال مقالتي، في جريدة الأهرام، بتاريخ 25 فبراير 2016، بعنوان “وثائق الاستاذ هيكل … إلى أين؟”. وهو مجهود محمود للدكتور مصطفى الفقي، يجب على جميع هيئات مصر، أن تحتذي بحذوه … فما الذي يمنع مؤسسات الدولة، من تأسيس دور حفظ وثائقية، مؤمنة ضد السرقة والتلف والحريق، لحفظ تاريخها، ووثائقها، التي تعتبر جزءاً ممن التراث المصري، كوثائق البرلمان المصري، بمجلسيه، عبر التاريخ، على سبيل المثال، ولها في ذلك الاستعانة بالمتخصصين في ذلك المجال، لترميم ما أتلفه الزمان. ومثال آخر، ما لدى اتحاد الكرة المصري، مما يستحق التوثيق، ولا شك لدي من أنه الكثير، باعتبار الاتحاد المصري، أقدم الاتحادات الرياضية في أفريقيا، ويمتلك ثروة قومية من تاريخ مصر الرياضي العظيم.
والأمثلة كثيرة، لا تحصى، مثل جامعة القاهرة، بتاريخها العريق، كأولى الجامعات في الشرق الأوسط، وفيها درس، وتخرج أعلام مصرية، وعربية، وعالمية، ولديها من الوثائق من يؤسس لتاريخ مصر في مجالات شتى. وغيرها، قناة السويس، التي تحتفل، في هذا العام، بمرور ١٥٠ عاماً على إنشائها، تستحق أن توثق تاريخها ووثائقها التاريخية، وليس الاكتفاء بالمتحف المقام بمدينة الإسماعيلية، فحسب، خاصة وأن هذه القناة شهدت لحظات تاريخية، منذ بداية حفرها، إلى تأميمها، مروراً بحرب السويس، وحرب أكتوبر المجيدة، وحتى يومنا هذا، لازالت تصنع التاريخ.
لينا كذلك هيئة السكة الحديد، ثانِ أقدم شبكة سكك حديدية في العالم، بعد إنجلترا، ومستشفى القصر العيني، وغيرهم العديد من الهيئات والمؤسسات، التي تملك أجزاءً من تاريخ مصر، وتراثها … كل هذا يجب أن يوثق، ويحفظ، ليحكي للأجيال القادمة عظمة وتاريخ هذا الشعب، وما قدمه لمصر وللبشرية أجمع. وأرى أنها مسئولية كل مسئول في موقعه، أن يجمع فيه تاريخ مصر، على أن تخصص جهة محددة، منوطة بالحفظ والتوثيق.
Email: sfarag.media@outlook.com
|