العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ويستخدم سلطاته، في مدها، ليوم أو اثنين، وفقاً لاقترابها من عطلة نهاية الأسبوع، خصماً من الإجازات السنوية للعاملين بالشركة، فيما يعرف باسم “بريدچ”، أي الكوبري، الذي يصل بين إجازة العيد، وعطلة نهاية الأسبوع.
|
إجازة «البريدچ»
لواء د. سمير فرج
|
21 أغسطس 2019
|
حل عيد الأضحى المبارك، هذا العام، متزامناً مع فصل الصيف، حاملاً معه إجازة طويلة للمصريين، لينطلق الجميع إلى المدن الساحلية، خاصة الإسكندرية، والشريط الساحلي الشمالي، الممتد حتى مرسى مطروح، أو إلى شواطئ البحر الأحمر، فانشغلت كل المنتجعات السياحية بأكملها.
وأتذكر خلال فترة خدمتي، في تركيا، لمدة ثلاث سنوات، كملحق عسكري لمصر بها، أن علمت بأن الإجازات الرسمية المتبعة هناك، هي إجازتي عيدي الفطر والأضحى، وفيهما تمنح الحكومة التركية المواطنين إجازة، لمدة أسبوع كامل، بصرف النظر عن تحديد أيام العيد خلال هذا الأسبوع؛ فقد كانت وجهة نظر الدولة التركية، أن مدة الإجازة، لأسبوع كامل، تحقق توفيراً كبيراً، من الناحية الاقتصادية، لمختلف وسائل الخدمات بالدولة، مثل الوقود والمركبات والطاقة، فضلاً عما تحققه من راحة للمواطن، ليتمكن من مواصلة عمله، بعد فترة استمتاع، تزيل عن كاهله جهد العمل.
واعتاد الأتراك على الانطلاق، خلال هذا الأسبوع، إلى ساحل أنطاليا، حيث أجمل المنتجعات السياحية التركية، والتي لا ترقى، حقيقة، في جمالها، إلى منتجعات الساحل الشمالي في مصر، ذات المياه الصافية الزرقاء، ورمال الشواطئ الناعمة، والطقس الرائع في اعتداله. وفي أحد السنوات، أتذكر أن وقعت إجازة عيد الفطر، في فصل الشتاء، وفيه تكون معظم هذه المنتجعات السياحية، إن لم تكن جميعها، مغلقة، ولكن لأجل إجازة العيد، تم افتتاحها بالكامل، لتعمل في هذه الفترة القصيرة، لمدة أسبوع. وكنت ممن توجهوا إلى ساحل أنطاليا، لقضاء الإجازة، وخلال إقامتي في أحد هذه الفنادق، لاحظت ضعف مستوى الخدمة، الناتج عن أن العاملين، ليسوا من العاملين الأصليين، أو المحترفين، في مجال الفندقة. وبسؤالي لأحدهم، عرفت أنه طالب في واحدة من الجامعات القريبة من هذا المنتجع، وعند الإعلان عن تشغيل المنتجعات، خلال إجازة العيد، تقدم الجميع للعمل لمدة أسبوع، فعمت الاستفادة على الجميع؛ فالطلبة حصلوا على أجور ساعدتهم في دراستهم، والفنادق اُعيد تشغيلها وزادت أرباحها، والشعب التركي أمضى إجازة عيد الفطر، واستمتع، محلياً، بأسعار ليست باهظة.
تذكرت تلك الأحداث، ونحن، في مصر، نستطلع هلال شهر شوال، لنحدد، على رؤيته، مدة إجازة الأعياد، في اللحظات الأخيرة. وعندما نادى، البعض، بأن تطول مدة الإجازة، لتتصل مع عطلة نهاية الأسبوع التالية للعيد، سمعنا صيحات المعارضين، بأن الشعب المصري، أكثر شعوب العالم، التي تحصل على إجازات طوال العام، دون النظر للاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية!! وأتذكر أن أحد أصدقائي، وهو من رؤساء الشركات الكبرى، كان يطبق قرار الحكومة المصرية، في منح الإجازة الرسمية للعاملين، ويستخدم سلطاته، في مدها، ليوم أو اثنين، وفقاً لاقترابها من عطلة نهاية الأسبوع، خصماً من الإجازات السنوية للعاملين بالشركة، فيما يعرف باسم “بريدچ”، أي الكوبري، الذي يصل بين إجازة العيد، وعطلة نهاية الأسبوع.
وكانت فكرة صديقي تقوم على أن يحصل العاملين على هذا اليوم، أو اليومين، الإضافيين، كإجازة عارضة، باعتبار أن العاملين، ممن لا يستفيدون بتلك الفرصة، عند قطع إجازتهم، وعودتهم للشركة، لا يؤدون أعمالهم بنفس الكفاءة، بسبب غياب باقي زملائهم في إجازة “البريدچ”، وتتردد على ألسنتهم عبارة “نص الناس إجازة يا فندم”. والحقيقةً أنني احترمت فكر هذا الرجل، خصوصاً أن هذه المؤسسة تحتوي على أكثر من ١٠ مصانع، كثيفة العمالة، وبتطبيق هذه النظرية، قال لي تصور أن توفير الأوتوبيسات التي تقل العاملين في هذين اليومين حققت مكسباً كبيراً للمؤسسة.
وخلال هذا العام، امتدت إجازة عيد الأضحى بين يومي الأحد والأربعاء، فسعى العديد من العاملين، للحصول على يوم الخميس إجازة “بريدچ”، لذلك باتت القاهرة، خلال أسبوع العيد، بدون أي زحام مواصلات بكافة أنواعها، وعلى العكس شهدت المناطق السياحية كثافة كبيرة خلال هذه العطلة. ولأني ممن يشتاقون لتلك العطلة، للاستمتاع مع أسرتي، وأحفادي، فلقد رتبت للتوجه إلى الساحل الشمالي، لاستمتع بأجمل مياه، وأروع الشواطئ، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ولا أُبالغ حين أقول في العالم كله، ولكنني لاحظت شيئاً جديداً، فيبدو أن التطور، الذي تشهده كل مظاهر الحياة، قد طال سلوك البشر، خاصة من رواد الساحل الشمالي؛ ففي الماضي، وأنا طفل صغير، في مدينتي الجميلة بورسعيد، كنت نبدأ يومنا، في إجازة الصيف، في الصباح الباكر، بالتوجه إلى شواطئ بورسعيد، وإعمالاً لعاداتي، فقد استيقظت مبكراً، وأنا في الساحل الشمالي، ودعوت أحفادي، لصحبتهم مبكراً للاستمتاع بشواطئ الساحل الرائعة، والحقيقة أنهم استجابوا، ولم يترددوا، ولكنني فوجئت بأن الشواطئ خالية، تماماً، من روادها، في الصباح الباكر، فسألت من وجدت من العاملين هناك، “أين المصطافون؟!”، فكانت الإجابة، “يا فندم الحضو
ر إلى الشواطئ يبدأ بعد الثانية ظهراً، حتى السابعة مساءاً، مع غروب الشمس”.
وبالفعل، ما أن اقتربت الساعة من الثالثة عصراً، حتى بدأ التوافد على الشاطئ، وظهر المئات والمئات، وما هي إلا دقائق، حتى أصبحت رمال الشاطئ البيضاء الجميلة، ومياه البحر الفيروزية، تعج بالبشر من جميع الأعمار والفئات، وبجواري صديقي يتمتم، “الدنيا اتغيرت … الإفطار هنا الساعة الثانية ظهراً، والغداء في الثامنة مساءاً، بعد انتهاء مراسم الاستمتاع بمياه البحر الجميلة”.
وفي صباح اليوم التالي، بدأت روتيني مبكراً، كعادتي، ولكن الأحفاد لم يستجيبوا لما قدمته من إغراءات للتوجه إلى الشاطئ مبكراً، وكأنهم كانوا يجاملونني في اليوم السابق، عندما تخلوا عن عاداتهم، ونمط حياتهم في الساحل، وتوجهوا معي للشاطئ. وهكذا تعلمت درساً جديداً، أن نمط الحياة يتغير بمرور الزمن … ولكن يبقي السؤال، دائماً، أي الأنماط هو الأفضل؟ نمط الحياة الشاطئية القديمة صيفاً التي كنا نبدأها في الصباح الباكر؟ أم نمط الحياة الشاطئية الجديدة التي تبدأ الثالثة عصراً؟
Email: sfarag.media@outlook.com
|