العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وعلى جانب آخر كان شهر سبتمبر بمثابة شهر الخير والبركة، إذ ارتبط لدينا باستقبال جحافل السردين مع فيضان النيل، كل عام، ليصبح الوجبة الرئيسية على جميع موائدنا خلال هذا الشهر.
|
وجاء الخريف بدون السمان
لواء د. سمير فرج
|
19 سبتمبر 2020
|
كان شهري سبتمبر وأكتوبر، من كل عام، هي أجمل شهور السنة، لي ولكل ابناء مدينتي الجميلة، بورسعيد، بعد انتهاء استقبال ضيوف المدينة، من المصطافين، خلال شهري يوليو وأغسطس، فتخلو بعدهما شواطئ بورسعيد، إلا من أهلها، الذين يستمتعون بأولى نسائم فصل الخريف تحت شماسي شواطئ المدينة الممتدة.
وعلى جانب آخر كان شهر سبتمبر بمثابة شهر الخير والبركة، إذ ارتبط لدينا باستقبال جحافل السردين مع فيضان النيل، كل عام، ليصبح الوجبة الرئيسية على جميع موائدنا خلال هذا الشهر، فضلاً عن احتراف عائلات بورسعيد لطرق تمليحه، وتخزينه، للاستخدام على مدار العام، وإهداؤه للأحباء والأصدقاء، إلا أنه ببناء السد العالي، انقطع فيضان النيل، وانقطع معه وصول السردين، الذي كان يقترب من شواطئ بورسعيد ليتغذى على طمي فيضان النيل. لم يكن السردين هو معلم الخير الوحيد في بورسعيد، وإنما كان هذا الشهر بداية موسم هجرة الطيور من شتاء أوروبا القارس، إلى دفء الشواطئ المصرية، ومع نسمات كل فجر، تملأ طيور السمان والمليح والطير، المنهكة من طول رحلتها من أوروبا، الشباك المنصوبة على شواطئ بورسعيد وبور فؤاد ومنطقة بوغاز الجميل.
اعتدنا، نحن الأطفال، حينها، أن نسارع إلى الشواطئ، مع أول ضوء صباح، لنلتقط منها ما تيسر لنا، قبل بيعها في أسواق بورسعيد، ضمن أنواع أخرى من الطيور المهاجرة، التي قد لا يعرفها إلا أبناء المدن الساحلية، مثل الشرشير والغر، اللذان يتفوقان على السمان، قليلاً، من حيث الحجم، تمهيداً للاستمتاع بها على موائدنا البورسعيدية العامرة، بعد حشوها بخليط خاص من البصل، نطلق عليه اسم “المارتة”. وكان أطفال بورسعيد يتقاسمون، في ذلك الموسم، نفس الاهتمامات والنشاطات والهوايات، ومنها التعرف على أنواع الطيور المهاجرة، لاصطياد صغير الحجم منها، مثل البئير والدقناش، بواسطة “الفخوخ السلك”، فكان كل منا ينجح في اصطياد نحو خمس أو ست طيور، نتولى تنظيفها، تحت إشراف الأمهات، بالطبع، لنجتمع، مرة أخرى في المساء، لشوائها على نيران أقفاص الجريد، عكس اهتمامات أطفال الأجيال الحالية، القاصرة على الهواتف الذكية، والألعاب الإلكترونية، دون المشاركة الاجتماعية.
أما اليوم، فقد حل الخريف على بورسعيد بلا سمان أو طير أو غر أو شرشير، اللهم إلا من أقل القليل منهم، وبدأت تلك الأكلات المميزة، المسجلة باسم أهالي بورسعيد في الاندثار، لتنطوي معها صفحة جديدة من صفحات الزمن الجميل في شهور الخريف.
Email: sfarag.media@outlook.com
|