العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وتشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن روسيا سوف تتجه إلى شن هجوم عسكرى شامل ضد أوكرانيا مع أوائل عام 2022.
|
هل تهدد الأزمة الروسية الأوكرانية السلام مع بداية العام الجديد؟
لواء د. سمير فرج
|
31 ديسمبر 2021
|
تصاعدت حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو مؤخرًا، وذلك عقب حشد روسيا قواتها العسكرية على حدود أوكرانيا، ورغم تصريحات روسيا بعدم غزو أوكرانيا، لكن التقديرات العسكرية والاستخباراتية لحلف الناتو تؤكد احتمال روسيا بالقيام بعملية الغزو، ورغم إعلان الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تتدخل عسكريًا حال هجوم القوات الروسية، حيث أكدت نيتها القيام بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا فى حالة قيامها بغزو أوكرانيا.
ويرجع سبب الخلاف فى المنطقة إلى قيام الولايات المتحدة والناتو بمحاولة توسيع نفوذهما فى منطقة البحر الأسود، كذلك محاولة أوكرانيا للضغط على حلف الناتو لقبولها عضوًا لمنع روسيا من محاولة غزوها مستقبلًا، وبالطبع كان ذلك ضد استراتيجية روسيا التى ترى أن تحركات حلف الناتو فى البحر الأسود تهدد أمنها القومى، خاصة بعد أن شهدت العلاقات الأوكرانية والدول الغربية تطورًا شمل تعميق الشراكة الاستراتيجية، حين أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن فى لقاء مع نظيره الأوكرانى كوليبا أنه جار تعميق التعاون الثنائى فى مجالات السياسة والأمن والدفاع والاقتصاد والطاقة، ومن هذا المنطلق قامت الولايات المتحدة ببيع أسلحة متطورة مثل صواريخ جافيلين المضادة للدبابات إلى أوكرانيا، كذلك حصلت أوكرانيا من تركيا على طائرات بدون طيار (درونز) (البيرقدار)، التى استخدمتها أوكرانيا مؤخرًا ضد المتمردين المدعومين من روسيا فى شرق أوكرانيا، وبالطبع زاد ذلك من غضب روسيا،
التى وجدت فى ذلك تهديدًا من الولايات المتحدة ضد أمنها القومى.
وتأتى أهمية البحر الأسود لروسيا أنه يحقق لها مصالح اقتصادية كبيرة، حيث يعتبر المياه الدافئة الرئيسية للأسطول الروسى، لذلك قام حلف الناتو بتأكيد وجوده فى المنطقة بضم رومانيا وبلغاريا للحلف، وهم أعضاء سابقون فى الاتحاد السوفيتى، وبذلك أصبح لحلف الناتو ثلاث دول على البحر الأسود، وفى الطريق هناك جورجيا مرشحة أيضًا للانضمام لحلف الناتو.. كل ذلك أثار حفيظة روسيا، التى أصبحت محاصرة بتواجد الناتو فى منطقة البحر الأسود، ورغم تحكم تركيا فى مدخل البحر الأسود بوجود مضيقى البوسفور والدردنيل حين حاولت الولايات المتحدة فى إحدى المرات التلويح بإغلاقهما أمام السفن الروسية، لكن جاء الرد الروسى سريعًا بأن روسيا لن تسمح بذلك وسيكون الرد عنيفًا.
كما أن تركيا لن تغامر بفقد صداقة روسيا فى هذه المرحلة.. ومن هذا المنطلق كله أصبحت روسيا تفكر فى وجود حزام إقليمى فى منطقة البحر الأسود يحقق لها أمنها القومى، حيث بدأت فى إثارة النزعات الانفصالية لشعوب جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة، التى انضمت إلى حلف الناتو، ومن هنا جاء حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا، حيث بدأت روسيا تشعر بأن دوائر الأمن القومى المباشر لها أصبحت مهددة من الولايات المتحدة وحلف الناتو، خاصة بعد قيام أوكرانيا بتوجيه ضربات ضد المتمردين المدعومين من روسيا فى شرق البلاد، مستخدمة الطائرات التركية بدون طيار.
وتشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن روسيا سوف تتجه إلى شن هجوم عسكرى شامل ضد أوكرانيا مع أوائل عام 2022، وبالطبع هناك تفوق للقوات الروسية ضد الأوكرانية، حيث تؤكد التقارير أن القوات الروسية قد تصل إلى كييف العاصمة الأوكرانية فى وقت سريع من بدء الغزو على أساس تقدم القوات الروسية للقتال على ثلاث جبهات متعددة، بهدف تحقيق اختراقات لسرعة الوصول وإسقاط العاصمة كييف، وفى حالة نجاح أحد هذه الاتجاهات فى الاختراق يتم دعمه بدفع احتياطات روسية من العمق قبل أن تتمكن الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو من اتخاذ أى عمل عسكرى مضاد، حتى ولو كان محدودًا، رغم علم القيادة الروسية صعوبة تنفيذ ذلك من قوات الناتو، إلا أنها ترى احتمال وقوع الناتو تحت أى ضغوط دولية تجبره على القيام بأى رد فعل عسكرى سريع.. ومن هذا المنطلق تجىء فكرة تحقيق اختراق سريع بقوات روسية مدرعة لسرعة إسقاط العاصمة الأوكرانية كييف، ووضع المجتمع الدولى أمام الأمر الواقع مثلما حدث فى شبه جزيرة القرم.. إلا إذا اتبعت القوات الأوكرانية حرب العصابات ضد القوات الروسية، وليس القيام بعمليات دفاعية تقليدية.. وهنا تحقق القوات الروسية هدفها من الهجوم.
ورغم كل هذه الاحتمالات بتدخل الجيش الروسى لغزو أوكرانيا فإن جميع التقديرات تؤكد أن الولايات المتحدة وحلف الناتو ودول أوروبية لن تدخل مباشرة فى مواجهة مع روسيا حول أوكرانيا، فالناتو قواته ليست جاهزة لهذا التدخل العسكرى، خاصة أن روسيا وضعت فى اعتبارها أن سياسة الولايات المتحدة الآن عدم التدخل عسكريًا فى أى مناطق توتر فى العالم، وتضع روسيا فى تقديرها أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والعراق أكبر دليل على ذلك، خاصة أن الولايات المتحدة أكدت أنها سوف تعاقب روسيا بمزيد من العقوبات الاقتصادية فى حالة غزو أوكرانيا.
وهناك آراء أخرى ترى أن الحشد الروسى على حدود أوكرانيا ربما كان هدفه استخدامه للضغط السياسى على الولايات المتحدة وحلف الناتو وأوكرانيا لوقف التدخل فى الأمن القومى الروسى فى منطقة البحر الأسود، وحتى عندما تدخل روسيا فى مفاوضات مباشرة تكون لها قوة على الأرض تعطيها ميزة تفاوضية، خاصة أن روسيا تعارض تمامًا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعمومًا تشير احتمالات الموقف الآن إلى مسارين، الأول هو التصعيد من الجانب الروسى حتى الدخول فى مفاوضات مباشرة، والمسار الثانى تجميد الموقف الحالى لحين البدء فى مفاوضات مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو تحقق لروسيا الاستقرار فى منطقة البحر الأسود، وعدم تهديد الولايات المتحدة وحلف الناتو الأمن القومى المباشر لروسيا، وهذا ما سوف تحققه المفاوضات المباشرة بين كل الأطراف فى بداية العام الجديد.
Email: sfarag.media@outlook.com
|