العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ورغم حداثة سنى حينئذ، فإننى أذكر، بوضوح، مشهد اندفاعى، مع جموع شعب بورسعيد، لاستقبال طلائع الجيش المصرى، عند مدخل مدينتى الحبيبة.
|
23 ديسمبر عيدك يا بورسعيد
لواء د. سمير فرج
|
29 ديسمبر 2022
|
احتفلت مدينتى الحبيبة، بورسعيد، فى الثالث والعشرين من ديسمبر، بعيد النصر، تلك المدينة التى عشت فيها أجمل أيام عمرى، شهدت خلالها تصدى بورسعيد الباسلة، وشعبها الشجاع،لهجوم الجيشين البريطانى والفرنسى، فى العدوان الثلاثى، ضد مصرنا الغالية. وانتصرت بورسعيد، وأجبرت قوات بريطانيا وفرنسا على الانسحاب، ليدخل الجيش المصرى إلى بلدتى الجميلة بورسعيد، يوم 23 ديسمبر 1956،ويُسّجل ذلك اليوم، فى تاريخ مصر، بأنه عيد النصر.
ورغم حداثة سنى حينئذ، فإننى أذكر، بوضوح، مشهد اندفاعى، مع جموع شعب بورسعيد، لاستقبال طلائع الجيش المصرى، عند مدخل مدينتى الحبيبة، التى حررت نفسها من قيود قوات الغدر الإنجليزية والفرنسية. ومنذ ذلك اليوم، صرنا نحتفل، كل عام، فى بورسعيد بعيد النصر، باستقبال الرئيس جمال عبدالناصر، الذى كان يحرص على الوجود معنا فى ذكرى ذلك اليوم العظيم، فكان يمر بسيارته المكشوفة فى شوارع بورسعيد، التى يخرج كل أهلها، ويصطفون على جنبات الطريق، لتحيته، حتى أن بعض كبار السن ممن لا يغادرون منازلهم، كانوا يخرجون فى هذا اليوم لتحية الزعيم جمال عبدالناصر، قبل توجهه إلى ميدان الشهداء، لحضور طابور العرض العسكري.
وكنت وأنا طفل صغير، أقف لمتابعة هذا العرض العسكرى، والتصفيق لجنود بلادى، وقررت يومها أن أصبح ضابطاً فى القوات المسلحة،ولم أكن أدرى أننى بعد تخرجى فى سلاح المشاة، سيقرر قائد كتيبتى، أن أحمل علم الكتيبة، فى طابور العرض، أمام الرئيس جمال عبدالناصر، فى مدينتى الحبيبة بورسعيد، يوم الاحتفال بعيد النصر.
كان العدوان الثلاثى قد بدأ على مصر فى عام 1956، عقب انسحاب القوات البريطانية من مصر،بموجب اتفاقية الجلاء، الأمر الذى جعل بريطانيا تسحب قواتها من منطقة قناة السويس، بعد احتلال دام 72عاماً لمصر، وتترك السيطرة على أهم ممر ملاحى حيوى فى العالم، بعدها جاءت الضربة الثانية من الزعيم جمال عبدالناصر، بتأميم قناة السويس، رداً على رفض البنك الدولى تمويل بناء السد العالى، ذلك القرار الذى أسعد شعب مصر وبورسعيد، بينماأصاب بريطانيا وفرنسابصدمة كبيرة. وتصاعدت الأحداث حين انسحب المرشدون الأجانب من العمل فى القناة، لإظهار عدم قدرة مصر على إدارة القناة، إلا أن يقظة وعزيمة المرشدين المصريين، ومعهم المرشدون اليونانيون، أفشلوا مخططهم بنجاحهم فى إدارة القناة.
وعليه قررت إسرائيل وإنجلترا وفرنسا شن العدوان الثلاثى، الذى بدأ بهجوم إسرائيل على قواتنا فى سيناء، يوم 29 أكتوبر 1956، لتتخذ فرنسا وإنجلترا من ذلك ذريعة لشن هجومهما على مصر، بحجة تأمين القناة، وبذلك تعود القوات البريطانية للسيطرة على منطقة القناة، التى خرجت منها بعد توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954، بينما الهدف الأكبر من هذا الهجوم الثلاثى، كان الانتقام من عبدالناصر، بسبب إجلائه الإنجليز من مصر، وتأميمه قناة السويس، فضلاً عن مساندته ثورة الجزائر.
وفى يوم 30 أكتوبر 1956، أصدرت فرنسا وإنجلتراإنذاراًلمصر وإسرائيل، لوقف القتال، والانسحاب لمسافة عشرة كيلو مترات من القناة، لرفع التهديد عن الملاحة العالمية، ولما رفضت مصر ذلك الإنذار، استيقظنا، فى صباح 31 أكتوبر 1956، فى منزلنا، فى بورسعيد، على صوت قصفات الأسطول البحرى الإنجليزى والفرنسى لمدينتى الحبيبة. ورأيت من شرفة منزلنا فى بورسعيد، قوات المظلات البريطانية، تهبط فى مطار الجميل، فناديت والدى، رحمة الله عليه، ليرى ما يحدث، فانطلق يدير المذياع على محطة BBC، فسمعنا الإنذار الموجه إلى شعب بورسعيد لإخلاء مساكنهم القريبة من شاطئ البحر، واللجوء إلى المخابئ، تجنباً لقصف المدينة.
وفى نفس اللحظة انتفض أهالى بورسعيد،وبدأت المقاومة الشعبية، بالاندفاع إلى مطار الجميل، ونجحوافى إبادة الفوج الأول من قوات المظلات البريطانية. وبدأ الغزو الفرنسى والبريطانى، حيث تولت القوات البريطانية الهجوم على بورسعيد، بينما هاجمت القوات الفرنسية مدينة بورفؤاد، وتصدت لهما المقاومة الشعبية، لمدة ثلاثة أيام كاملة، حتى جاء يوم 2 نوفمبر، حين صدر قرار مجلس الأمن بإيقاف إطلاق النار، وانصاعت القوات البريطانية والفرنسية للقرار. وفى هذا اليوم، وفور توقف إطلاق النار، صحبنى والدى للتوجه لمنزل جدتى، فى شارع الثلاثينى، للاطمئنان عليها، وفى طريقنا إليها، شاهدنا على كل ناصية شهداء المقاومة الشعبية، وسط دمائهم الطاهرة، ووصلنا ميدان المحافظة، فرأينا كل مبانيه محروقة بنيران النابلم، التى قذفتها الطائرات البريطانية والفرنسية. والحقيقة أنه خلال فترة وجود القوات الغازية فى بورسعيد، وحتى تاريخ انسحابهم فى 23 ديسمبر، لم تهدأ عمليات المقاومة الشعبية، وأوجعتهم ضربات الفدائيين المصريين بشدة، والتى كان منها عملية اختطاف الضابط البريطانى مورهاوس، ابن عم ملكة بريطانيا، وكذلك اغتيال ضابط المخابرات البريطانى ويليامز. وتحولت أيامهم، ولياليهم، فى معسكرات القوات البريطانية والفرنسية إلى أسود أيام حياتهم، فلم تكن ليلة تمر، إلا وقد أثخنتهم المقاومة الشعبية بعملياتها الفدائية، حتى انسحبوا يوم 23 ديسمبر 1956، حاملين على جباههم عار هزيمتهم أمام شعب بورسعيد.
ومنذئذ، صارت ذكرى هذا اليوم، عيداً لنصر مصر، عامة، وشعب بورسعيد خاصة، ضد أعتى القوى العالمية، فى ذلك الوقت؛ بريطانيا العظمى وفرنسا، ومازلنا نقص تفاصيل ذلك النصر لأبنائنا وأحفادنا، ليفخروا بقدرة المصريين على سطر فصول من نور فى تاريخنا الغالى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|