العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وصار الجميع يتساءلون، عما إذا كان عام 2023 سيكون استمرارا للعام السابق، أم سيكون عام سلام واستقرار.
|
العالم إلى أين عام 2023؟!
لواء د. سمير فرج
|
5 يناير 2023
|
مضت أيام عام 2022، بأحداثها الثقيلة، التى ألقت بظلالها القاتمة على كل نواحى الحياة بكل دول العالم، الغنية منها والفقيرة، ولعل أبرز أحداث العام المنصرم، تلك التى بدأت يوم 24 فبراير، بالهجوم العسكرى الروسى على أوكرانيا، لتتداعى من بعد ذلك الأحداث لمدى لم يكن يتخيله أحد. لقد كانت التقديرات، عند بدء تلك الحرب، أنها لن تزيد على أربعة إلى خمسة أشهر، فى ظل كونها حربا بين دولتين فقط، وليست حربا عالمية، إلا أنها أوشكت أن تُكمل عامها الأول، بعدما أثرت على العالم أجمع، خاصة فى المجال الاقتصادي.
فقد ارتفعت أسعار النفط، وتلاه ارتفاع جميع السلع، وقل المعروض من الحبوب، فارتفعت أسعارها، التى هى غذاء سكان العالم، وارتفعت معها أسعار الزيوت والأسمدة، ونتج عن ذلك ارتفاعات مضطردة فى معدلات التضخم، والبطالة، وصار الجميع يتساءلون، عما إذا كان عام 2023 سيكون استمرارا للعام السابق، أم سيكون عام سلام واستقرار، على الصعيدين السياسى والاقتصادى. وهو ما دفعنى لاستعراض مؤشرات اتجاهات العام الجديد، وتحليل بعضها فى سلسلة من المقالات القادمة. ولنبدأ بالولايات المتحدة الأمريكية التى بدأت عام 2022، بتقديم الدعم الكامل لأوكرانيا، فى حربها ضد روسيا.
ومع نهاية العام، جرت الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكى، والتى فقد فيها الحزب الديمقراطى، المُنتمى له الرئيس الحالى، جو بايدن، أغلبية مقاعده فى مجلس النواب، ليضع الرئيس الأمريكى، خلال العامين القادمين، فى موقف حرج، أو كما يُطلق عليه مصطلح البطة العرجاء، أو The Lame Duck، بمعنى أن أى قرار يصدر عن الإدارة الأمريكية الحالية، ويستلزم موافقة مجلس النواب، غالباًما سيتم عرقلته. ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع حتى عام 2024، لحين انتهاء مدة رئاسة بايدن الحالية، وإجراء الانتخابات الرئاسية القادمة.
ومع تفوق الحزب الجمهورى فى الكونجرس، من البديهى أن يقلل جو بايدن من دعمه لأوكرانيا، فى الفترة القادمة، بعد شهور من الدعم المطلق، فى الفترة السابقة، الأمر الذى سيصبح أحد أهم دوافع اللجوء إلى حل سلمى للحرب الروسية الأوكرانية. خاصة بعدما أعلن جو بايدن، خوضه الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، مما سيدفعه ليكون أكثر حذرا، فى قراراته التالية، فى ظل تربص الحزب الجمهورى بإدارته، وعلى رأسهم ترامب، الذين يروا فى الدعم الأمريكى لأوكرانيا، سببا جوهريا فى استمرار تلك الحرب.
وباقتراب دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثانى، تكون روسيا قد استولت على 20% من الأراضى الأوكرانية، بعدما ضمت أربع جمهوريات أوكرانية إلى سيادتها، وهو ما سيزيد الأمور تعقيدا عند الدخول فى مباحثات سلام مستقبلية. ولخلخلة تلك التعقيدات المتوقعة، وإجبار أوكرانيا على الدخول فى مفاوضات سلام، تعمل روسيا، حاليا، على تحسين أوضاعها الدفاعية على الأراضى الأوكرانية، مع متابعة شن ضربات صاروخية، وجوية، ضد البنية التحتية الأوكرانية، خاصة محطات الكهرباء.
بالتزامن مع استمرار أستراتيجيتها فى تقليل إمدادات الغاز الطبيعى لأوروبا، للضغط على شعوب تلك الدول بإجبار حكوماتهم، بوقف الدعم لأوكرانيا، للدخول فى مفاوضات سلام. وتشير معظم التحليلات الإستراتيجية إلى أنه من المُنتظر أن تبدأ تلك المفاوضات فى شهر مارس القادم، بعدما تنقشع رياح وثلوج الشتاء الباردة، وتكون أوكرانيا، ومعها الدول الأوروبية قد أنهكها برد الشتاء، وهو ما سيجعلها تتحد أمام هدف واحد،وهو إنهاء حالة الحرب، والجلوس على مائدة المفاوضات، للحد من شراسة الدب الروسى، التى قد تزيد الأمور المعقدة، تعقيدا.
وهو ما يفسر ارتفاع الأصوات، مؤخرا، منادية بضرورة إيقاف نزيف هذه الحرب.وهو ما أكده هنرى كيسنجر فى مقاله الأخير بمجلةSpectator، الذى أوضح فيها أن الحرب الروسية الأوكرانية، لن تنتهى بالقتال، بل بمفاوضات سلام، مقترحا إجراء استفتاء دولى محايد، للمناطق التى ضمتها روسيا من أوكرانيا، لتحديد مصيرها.
وخلال مجريات تلك الحرب، ظهرت مشكلة التهديد النووى، وهو ما أرجو أن يكون واضحا للجميع، بأن قيام أى من الأطراف باستخدام السلاح النووى، أمر مستبعد، لأن المخزون النووى لروسيا، أو أمريكا، يمكنه تدمير العالم كله، وهو ما لا تستهدفه تلك الأطراف. إلا أنه من الوارد استخدام القنبلة النووية التكتيكية، ذات الاثر المحدود. وطبقا للعقائد العسكرية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، فإن استخدامها، يكون فى حالات تهديد الأمن القومى لأحدهما، أى عند الهجوم المباشر على أراضيهما، لذا كانت أوامر أمريكا واضحة، عندما دعمت أوكرانيا بالصواريخ هيمارس، التى يصل مداها لنحو ثمانين كيلومترا، بألا تستخدمها أوكرانيا لضرب العمق الروسى، لكيلا تعطى روسيا الحق فى استخدام القنبلة النووية التكتيكية.
أما التحول الجديد الذى سيظهر فى عام 2023، فهو اتجاه الولايات المتحدة لتعزيز وجودها فى إفريقيا، بعدما كشفت لها الأزمة الروسية الأوكرانية، ميل معظم الدول الإفريقية ناحية روسيا، والصين، وهو ما تجلى من خلال نتائج التصويت، فى الأمم المتحدة، على أى مشكلة فى هذا الشأن، والذى تعود أسبابه إلى التغلغل الصينى، والروسى، من خلال شراكات اقتصادية مهمة. وقد بدأت ملامح هذا التحول فى نهايات العام الماضى، عندما عقدت الولايات المتحدة مؤتمر قمة للقارة الإفريقية، قررت خلاله تخصيص 55 مليار دولار لدعم دول القارة السمراء. وفى المقالات القادمة سوف نناقش معا الخطر الصينى، الذى أصبح العدو الأول للولايات المتحدة، وسنستعرض تطور القوة العسكرية اليابانية، ووضع إيران وأهدافها، ثم موقف القضية الفلسطينية بعد الانتخابات الإسرائيلية.
Email: sfarag.media@outlook.com
|