العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وحقيقى كانت المشاكل الكبرى فى فتح بوابات الحدود بين تركيا وشمال سوريا، ولكن كان لضغط الأمم المتحدة وأمينها العام «جوتيريش» أثر كبير فى الضغط على جميع الفصائل فى شمال سوريا لفتح المعابر.
|
هل يُصلح الزلزال التركى السورى ما أفسدته السياسة؟
لواء د. سمير فرج
|
18 فبراير 2023
|
جاءت ليلة السادس من فبراير الجارى لكى يضرب ذلك الزلزال المدمر جنوب ووسط تركيا وشمال سوريا فى منطقة غازى عنتاب بقوة 7.8 ريختر، وفى كهرمان بقوة 7.5 ريختر، حيث يُعد هذا الزلزال من أقوى الزلازل فى تاريخ تركيا وسوريا فى العصر الحديث.
وبعدها حدثت حوالى 243 هزة ارتدادية حتى يوم 7 فبراير صباحًا، ولقد صرح المركز الأوروبى المتوسطى لقياس ورصد الزلازل أن السكان فى أرمينيا وجورجيا والعراق والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة ومصر وأجزاء من روسيا شعروا بهذا الزلزال.
عمومًا، فإن هضبة الأناضول، حيث تقع تركيا، يعبرها فالق شمال الأرض وناحية اسطنبول، التى حدث ناحيتها زلزال أزميت عام 1999، ثم الفلق الآخر، ويسمى فالق شرق الأناضول، الذى تسبب فى زلزال هذه المرة.
وبعيدًا عن هذه الأحداث- التى وصلت فيها أعداد القتلى من سوريا وتركيا إلى أكثر من 60000 قتيل حتى الآن، ويُنتظر أن تزيد هذه الأعداد بعد إزالة الأنقاض من المنازل المُهدَّمة.
حيث إن هناك مناطق لم تدخلها فرق الإنقاذ- وصل عدد المناطق المنكوبة فى تركيا وحدها إلى 11 منطقة منكوبة، ووسط ذلك كله بدأ العالم يتحرك لمساعدة تركيا وسوريا لنجدة شعوب هذه المنطقة، خاصة أن مشاهد الصور التى نقلتها عدسات التليفزيونات تُدمى القلوب.
ونحن نرى الناجين من الأطفال والنساء خرجوا بلا منازل فى العراء والشتاء القارس الذى زاد من حجم المشكلة.
وبدأ تحرك الجميع، وفى البداية كانت الولايات المتحدة فى مشكلة، فهناك قانون قيصر، الذى وضع العقوبات على سوريا وحكومتها. ولكن تعالت الأصوات هناك فى أمريكا. ما ذنب هذه الشعوب إذا كان هناك خلاف مع الحكام، فإنه من الواجب نجدة الشعب من الأطفال والنساء؟.
وأمام هذا الضغط الشعبى تحركت أمريكا، وصحيح أن التحرك الأمريكى نحو سوريا جاء متأخرًا بعض الشىء، لكن المهم أن أمريكا تحركت وأرسلت قوافل الإغاثة إلى شمال سوريا المتضررة من الزلزال ومن الدول العربية.
وكانت المفاجأة الرائعة من مصر، التى لم تكتفِ بإرسال المساعدات، حيث كانت أول دولة عربية تصل مساعداتها إلى سوريا، ولكن جاءت مكالمة الرئيس السيسى إلى الرئيس السورى بشار الأسد، وهى كانت أول مكالمة من الرئيس السيسى منذ تولى رئاسة البلاد إلى الرئيس السورى لكى تعبر له عن أن مصر أكبر من أن ترسل مساعدات فقط مثل باقى الدول.
بل كانت مكالمته تعبيرًا عن تعاطف شعب مصر مع الشعب السورى، الذى كان فى يوم من الأيام جزءًا من مصرنا العزيزة، وأعتقد أن تلك المكالمة كان أثرها أكثر من المساعدات المصرية التى وصلت إلى الشعب السورى.
وشاهدنا ذلك فى تعليق الشعب السورى فى وسائل الإعلام، كما أعلن صندوق تحيا مصر فتح باب التبرعات لمساعدة الشعب السورى، وهذا يعنى أن شعب مصر يقف أيضًا مع شقيقه الشعب السورى. جاءت المفاجأة الثانية من المملكة العربية السعودية، التى كان لها موقف مع القيادة السورية، فكانت فرحتى عظيمة وأنا أرى الطائرات السعودية تهبط فى مطار حلب تحمل مواد الإغاثة من الشعب السعودى إلى الشعب السورى الشقيق.
كذلك كان التعاطف الأوروبى مع الشعب السورى، رغم العقوبات التى كانت مفروضة عليه، حيث بدأت الدول الأوروبية إرسال المعونات إلى سوريا وتركيا، وبالطبع كانت المساعدات إلى تركيا تفوق ما تم إرساله إلى سوريا، وهذا طبيعى لأن حجم الخسائر فى تركيا كان أكبر.
وثانيًا أن تركيا كانت إحدى دول حلف الناتو، لدرجة أن سكرتير حلف الناتو زار تركيا شخصيًّا للتعبير عن دعم الحلف لتركيا، وكانت المساعدات إلى سوريا قد بدأت فى استحياء من الدول الأوروبية فى البداية، لكنها بعد ذلك امتدت لكى تحقق هدفها.
وحقيقى كانت المشاكل الكبرى فى فتح بوابات الحدود بين تركيا وشمال سوريا، ولكن كان لضغط الأمم المتحدة وأمينها العام «جوتيريش» أثر كبير فى الضغط على جميع الفصائل فى شمال سوريا لفتح المعابر.
وخصوصًا البوابات مع الجانب التركى، كذلك كانت المفاجأة من أرمينيا، التى كانت فى عداء دائم مع تركيا، فقد أعلنت إرسال مساعداتها إلى تركيا، وقالت: لننسَ خلافات الماضى، فنحن أمام كارثة إنسانية.
أما المفاجأة الكبرى فكانت من اليونان، العدو الأول والرئيسى لتركيا عبر التاريخ، حيث أرسلت اليونان شحنة كبيرة من المساعدات، واكتملت المفاجأة بزيارة وزير الخارجية اليونانى شخصيًّا إلى أنقرة لكى يقابل وزير الخارجية التركى، ويعلن موقف بلاده ودعمها بالكامل لتركيا فى تلك الأزمة الكبيرة.
وأعتقد أن تلك الصورة رائعة بين أعداء الأمس وقد وحّدتهم أزمة الزلزال.
كذلك كان للدعم الذى وصل من دولة الإمارات إلى تركيا وسوريا ووصول وزير الخارجية الإماراتى إلى سوريا لدعم الدولة ونظام بشار الأسد أثره الكبير فى رفع معنويات الشعب السورى.
ولا شك أن ذلك الدعم العربى سوف يكون أمرًا مفيدًا، خصوصًا أن تركيا قد فتحت الباب للاجئين السوريين، الذين كانوا فى تركيا بعد أحداث الربيع العربى لكى يعودوا إلى سوريا لرؤية أهلهم، حيث إن عودتهم إلى بلادهم مرة أخرى تعنى أن الزلزال قد أعاد أهالى سوريا من المهجر إلى بلادهم مرة أخرى، وهذا يعنى ضمان استقرار سوريا فى
الفترة القادمة.
لكن ستصبح المشكلة القادمة لسوريا بالذات هى إعادة الإعمار لأن الولايات المتحدة ودولًا أوروبية أعلنت أن المساعدات التى قدمتها لا تعنى أنها ستغير من قوانينها وعقوباتها ضد بشار الأسد.
لذلك مازلنا ننتظر أن يستمر الدعم الأمريكى والأوروبى إلى سوريا فى مرحلة إعادة بناء المدن والقرى التى دمرها الزلزال لأن سوريا بظروفها الاقتصادية الحالية لن تكون قادرة على إيواء كل هؤلاء اللاجئين الذين عادوا إليها من تركيا.
وأعتقد أن على الدول العربية أن تضغط فى الفترة القادمة على ضرورة قيام الأمم المتحدة بإنشاء صندوق لدعم إعادة الإعمار فى سوريا خلال الفترة القادمة.
ولا ننسى أن لبنان رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، أرسل معونة عاجلة إلى شعب سوريا، وكذلك تونس وكل الدول العربية، حيث أعتقد أن هذه المحنة قد أظهرت أن الشعب العربى فى كل الوطن دون النظر لأى خلافات سياسية أو صعوبات اقتصادية قد قام بواجبه نحو سوريا الحبيبة.
لذلك نأمل أن يكون هذا الحدث قد أزال العديد من المشاكل بين بعض الدول والنظامين السورى والتركى، ويكون بداية لصفحة جديدة لتحقيق السلام، وعلى الأخص بين أرمينيا وتركيا، واليونان وتركيا، وبالنسبة لسوريا أرجو أن تكون الفترة القادمة فرصة لتحسين السياسات الخارجية لبعض الدول مع النظام السورى لصالح الشعب السورى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|