العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فأتذكر ليلة العيد، واستعداداتى لاستقباله بالملابس الجديدة، التى اشتريتها، ككل عام، مع والدتى، رحمها الله.
|
ذكريات ليلة العيد
لواء د. سمير فرج
|
20 إبريل 2023
|
لا أدرى ما السبب فى استرجاعى، الدائم، ذكريات الطفولة، ربما لأنى أعتبرها أهم مراحل حياتى، التى عشتها بكل معانيها وتفاصيلها، فشكلت وجدانى، فى حين رسمت مرحلة الشباب ملامح شخصيتى، تلك المرحلة التى بدأتها بالالتحاق بالكلية الحربية فى عمر15 عاما، وتخرجت ضابطاً وعمرى 17 عاما وبضعة أشهر، لأنضم، فوراً، لحرب اليمن، لمدة ثلاث سنوات، قبل العودة للوطن، فى حرب 67، وبعدها،لمدة ست سنوات، خلال حرب الاستنزاف،على الخط الأول، فى الدفاعات المصرية، يفصلنا عن العدو 200 متر، هى عرض قناة السويس، حتى تحقيق النصر فى أكتوبر 73.
وبعد كل ذكريات الشباب الدائرة حول الحروب والمعارك، أجده من البديهى أن أعود، دائماً، بذاكرتى لتفاصيل الطفولة، خاصة تلك المرتبطة بالأعياد، فأتذكر ليلة العيد، واستعداداتى لاستقباله بالملابس الجديدة، التى اشتريتها، ككل عام، مع والدتى، رحمها الله، فأرصها، فى تلك الليلة، على الكنبة، فى مدخل الشقة، قبل أن استحم، وأهرول للنوم، لتنقضى الليلة، ويهل العيد. وفى يوم العيد نستيقظ مبكراً على صوت التكبيرات، من جامع لطفى، الذى يبعد أمتارا قليلة عن منزلنا، فنرتدى ملابسنا الجديدة، التى تضم جورباً جديداً، لزوم الصلاة، وننزل بصحبة والدى، رحمه الله،نردد التكبيرات حتى نصل إلى الجامع، الذى ينقسم فيه المصلون إلى قسمين؛ يتبادلون الأدوار فى رفع التكبيرات، وترديدها. وحتى يومنا هذا، كما أحرص على الاستماع لأغنية رمضان جانا لمحمد عبدالمطلب، فى استقبال الشهر الفضيل، فإن تكبيرات العيد، هى ما تشعرنى بمجيئه.
وبعد الصلاة، وكعادة أهل بورسعيد، نخرج من الجامع لنجد صوانى شربات الورد الأحمر، تطوف بين المصلين، ومعها صوانى الكحك، فنتبادل التهانى ونأكل معاً، قبل أن تتحرك كل عائلات بورسعيد، إلى منطقة المقابر، لزيارة من فارقونا من الأحباب، والدعاء لهم، وتأكيد أن فرحتنا تكتمل بذكراهم. فكنت أقابل هناك جميع أفراد عائلة فرج الكبيرة، المكونة من ثمانية إخوة، يصحبهم الأزواج والأبناء والأحفاد، فنسعد جميعاً باللقاء، ونتلقى العيديات من الأعمام، ونخرج من هناك لشراء الحلوى، وركوب الدراجات المزينة، والذهاب إلى السينما، تلك المظاهر التى اجتمع عليها جميع أبناء جيلي.
وتمر أيام الطفولة، وأصبح ضابطاً فى القوات المسلحة المصرية، وأشارك فى حرب 67، بذكرياتها الأليمة،لنبدأ، بعدها، التدريب على الأسلحة الجديدة، التى وصلت من الاتحاد السوفيتى، والتدريب على عبور قناة السويس والتدريب على تدمير خط بارليف، لتحرير سيناء. ولما كان عبور الموانع المائية، شكلاً جديداً من أشكال القتال، بالنسبة للقوات المسلحة المصرية، فقد كان التدريب، على العبور،يتم فى الرياح البحيرى، بنهر النيل، فنعبره بالقوارب المطاطية، وعلى الجانب المقابل من النيل، نهاجم نموذج دفاعات خط بارليف، ثم نندفع إلى العمق، لصد الهجوم المضاد لدبابات العدو الإسرائيلي.
كان الفريق أول محمد فوزى، رحمه الله، وزير الحربية،آنذاك، لا يعرف الليل من النهار، فقد كان هدفنا تحرير الأرض، واستعادة سيناء، وكان أول تدريب لنا على العبور فى منطقة البعالوه، وتصادف أيامها أن التدريب على العبور، وتدمير العدو، كان فى ليلة العيد، وكنا، حينئذ، نتدرب على العبور مع أول ضوء،وفقاً لأسلوب القتال الروسى، قبل أن يخطط لنا المخطط المصرى العقيد صلاح فهمى نحلة، رحمه الله،أن يكون هجومنا وعبورنا فى تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر لعام 73.
بدأنا تدريبات العبور، حينئذ، على ضفاف أحد فروع نهر النيل، مستخدمين القوارب المطاطية للعبور، وتدريب الجنود على استخدام سترات النجاة، والتعرف على موقع كل منا داخل القارب؛ الرشاش فى مقدمته، والجنود على أجنابه، وأنا فى مؤخرة القارب، ثم لطخنا وجوهنا بالطين، كنوع من أنواع التمويه ... تزامن كل ذلك مع ليلة العيد. ومع بزوغ أول ضوء من صباح يوم العيد، اندفعنا بالقوارب نحو المياه، لنعبر إلى ضفة النهر المقابلة، ونقتحم نموذج خط بارليف.
تخليت يومها عن كل ما اعتدت عليه، وأنا صغير؛ فاستبدلت ملابس العيد الجديدة، بسترة النجاة، وبدلاً من حمام العيد، فقد لطخت وجهى بالطين، ولكننى لم أتخل عن التكبيرات، فمازلت أحمل فى جيبى الراديو الصغير، لأسمع تكبيرات العيد، وسمعت أول تكبيرة، الله أكبر كبيراً، فى نفس اللحظة التى كنا نهاجم فيها نموذج خط بارليف، المجهز للتدريبات على ضفة نهر النيل، وأنا أنادى فى جنودى اهجم للأمام، لنقتحم خندق العدو، وواصلنا التقدم، وأمرت جنودى بالرقود أرضاً، استعداداً لصد هجوم القوات المعادية، والتففت حولى، فرأيت الفريق محمد فوزى، وزير الحربية، يركب سيارته الروسية الصنع، وبجانبه أحد الخبراء الروس، يتفقد موقع التدريبات، وكيفية عبورنا المانع المائى، ومعه قائد الكتيبة، وقال لنا إن عيدنا الحقيقى هو يوم تحرير الأرض.
وغادر الفريق فوزى الموقع، بينما تكبيرات العيد لاتزال تنطلق من الراديو الصغير فى جيبى ... ومرت الأيام وجاء السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان، لنعبر قناة السويس، وندمر خط بارليف، ونصلى العيد فوق رمال سيناء، ونستمتع بصوت التكبيرات تنطلق من جميع مآذنها بعدما تحقق لنا النصر المبين. وتذكرت كلمة الفريق فوزى رحمه الله ان الاحتفال بالعيد سيكون فوق رمال سيناء، وصدق إيمانه، فكان العيد عيدين.
Email: sfarag.media@outlook.com
|