العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
والحقيقة أن حماس الابن أقنعنى أكثر من مخاوف الوالد، الذى حملته على القبول، بصعوبة، أن يمنح ابنه فرصة التجربة، والاعتماد على الذات.
|
أمل جديد للشباب المصرى
لواء د. سمير فرج
|
21 سبتمبر 2023
|
كنت أتابع،منذ فترة، أحد البرامج التليفزيونية، الذى يُعرض على واحدة من القنوات المصرية،فوجدته من أهم البرامج، التى تعطى الأمل للشباب، وتفتح لهم آفاقا جديدة للعمل فى المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغير، من خلال عرض لنماذج، وقصص نجاح،حقيقية، من أرض الواقع، دون مبالغة، أو تجميل. وفى تلك الحلقة استمتعت بمشاهدة قصة شاب مصرى، بدأ مشروعا لتربية النعام، بفكرة بسيطة للغاية، قائمة على إحاطة قطعة أرض بسور، وإقامة مبنيين؛ أحدهما كمخزن، والآخر للمتابعة. وتابعت، باستمتاع، حديث الشاب الجامعى، الذى رفض انتظار الوظيفة الميرى، وقرر خوض التجربة، بتنفيذ مشروع، حقق له نجاحا كبيرا فى غضون أربع سنوات.
وتصادف أن كنت، بعدها، فى زيارة لمدينة الفيوم، وهناك التقيت عددا من الأصدقاء، فروى لى أحدهم أن ابنه طلب منه فدانا من الأرض، لإقامة مشروع لتربية النعام، طالبا منى إثناء ابنه عن تلك الفكرة، لتخوفه من عدم خبرته فى ذلك المجال، من ناحية، واعتمادا على ثقة الابن فى آرائى من ناحية أخرى. فناديت على الابن الشاب لأسمع رأيه، فقال لى إنه لا يرغب فى انتظار البحث عن وظيفة، وأنه أعجب بفكرة تربية النعام، بعد مشاهدة نفس حلقة البرنامج على التليفزيون المصرى، وبعدها أجرى عددا من الاتصالات، فعرف بوجود جمعية لمربى النعام، فى مصر، تقدم لمثله النصح والمشورة اللازمة، لضمان نجاح المشروع، اهتماما منهم بتعميم الفكرة، لذا طلب من والده أن يخصص له فداناً لاقامة المشروع، دون تحميله بأى أعباء إضافية.
والحقيقة أن حماس الابن أقنعنى أكثر من مخاوف الوالد، الذى حملته على القبول، بصعوبة، أن يمنح ابنه فرصة التجربة، والاعتماد على الذات، خاصة أنه لن يخسر شيئا، فحتى إن لم يُكتب للمشروع النجاح، فلن يخسر الأرض. وعدت من الفيوم، ولم أتابع ما حدث، حتى كنت فى زيارة أخرى، فى الأسبوع الماضى، وطلبت رؤية الشاب المكافح، الذى حضر فورا، وما أن رآنى حتى عانقنى، طويلا، وبدأ يحكى لى عن مشواره طوال العامين الماضيين، منذ أن بدأ مشروعه على أرض والده، بقرض ميسر، من أحد البنوك الداعمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وعن استفادته من جمعية مزارعى النعام فى مصر، حتى اكتمل مشروعه، بل وحقق أرباحا مكنته من سداد جميع التزاماته للبنك، وإعادة الأرض لوالده، وشراء قطعة أرض جديدة، مساحتها أربعة فدادين، من أراضى الاستصلاح الزراعى، ووضعها ضمانا لقرض جديد من البنك، ليضاعف مشروعه ثلاث مرات، يقينا منه بتوفيق ربنا له.
واستمتعت بحب الشاب لمشروعه، وكيف أن لحم النعام مطروح، حاليا، بالمجمعات، وأن الشعب المصرى سيتعود على استهلاكه، كمصدر جديد للبروتين، مضيفا أنه بعد حصوله على قطعة الأرض من والده، كلفه المشروع 70 ألف جنيه، وأدر عليه أرباحا وصلت إلى 400 ألف جنيه سنويا فى المتوسط، موضحا أن كل نعامة تضع نحو 120 بيضة فى العام، فى الفترة بين شهرى مارس وأكتوبر، يكون معظمها مخصبا، فتباع البيضة المخصبة منها بنحو 1000 جنيه، بينما يبلغ سعر غير المخصبة نحو 300 جنيه، أما لحومها فتباع بنحو 250 جنيها للكيلو، فضلا عن ارتفاع العوائد الناتجة عن بيع كل ما ينتجه النعام، مثل ريش النعام الذى يبلغ سعر الكيلو منه نحو 1500 جنيه، وكل تلك الأسعار محملة بتكلفة الإنتاج الشاملة لعمليات التحصين والتطعيمات والكشف البيطرى.
وبمتابعة ما تقدمه الدولة للمشروعات الصغيرة، اتضح أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وجه بتقديم جميع البنوك المصرية تسهيلات تمويلية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، عبارة عن قروض بفوائد منخفضة، وتيسيرات فى السداد، وهو ما يعكس اهتمام الدولة المصرية بتلك النوعية من المشروعات، باعتبارها مسهما حقيقيا فى دعم اقتصاد الدولة، وتحسين الظروف الاقتصادية للأسر محدودة الدخل، والشباب حديثى التخرج.واستجابة لتلك الاستراتيجية، قامت البنوك المصرية وشركات الاستثمار، بتأسيس شركات متخصصة، امتدت فروعها لمعظم المحافظات، هدفها تنوير الشباب والخريجين بأهمية المشروعات الصغيرة، واقتراح مشروعات يمكنهم البدء فيها، مدعومة بدراسات جدوى تفصيلية، بدلا من المخاطرة بمشروعات قد لا تكون ذات جدوى أو عائد اقتصادى مضمون.فتجد جمعيات مثل ريفى، وتنمية، وتمويلى، وشركة بدايتى، لتمويل المشروعات بقروض تصل إلى 200 ألف جنيه، وهو ما يسرى على المشروعات المقترحة من جانب الشركات، أو من جانب الشباب ما دامت معتمدة على دراسات جدوى مالية واقتصادية منضبطة، بدلا من انتظار الوظيفة الميري.
وخلال زيارة الرئيس السيسى إلى الهند، منذ شهور قليلة، تم الاتفاق على استفادة مصر من خبرة الهند فى هذا المجال، باعتبارها من أكثر الدول، حول العالم، تنفيذا لتلك المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. ومن جانبها طلبت الهند الاستفادة من الخبرة المصرية فى مشروع «حياة كريمة»، لأنه رغم التقدم الصناعى فى الهند، خاصة فى مجال الحاسبات الآلية وتكنولوجيا المعلومات، فإن الملايين من سكانها، الذين تخطى تعدادهم عدد سكان الصين، لايزالون يعانون الفقر، وهو ما دفعها لطلب العون فى تطبيق مشروع «حياة كريمة»، لرفع مستوى القرى الفقيرة بها.
وهكذا فإن مصر تفتح آمالا جديدة للشباب المصرى، بإقامة مشاريعهم الصغيرة ومتناهية الصغر، لدعم اقتصاد الدولة، وإيجاد فرص عمل لائقة لهم، بما ينعكس إيجابيا على مستويات معيشة الأفراد والأسر.
Email: sfarag.media@outlook.com
|