العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

بأن يدرك الساحل الشمالى المصرى، مكانته المستحقة، ويصبح المقصد الأول للسياحة فى مصر.

الساحل الشمالى.. للمرة الثالثة
 

لواء د. سمير فرج

 11 يوليو 2024


مادام قلمى فى يدى، فلن أكف عن الكتابة، إلى أن يثبت أحد أمرين؛ إما عدم صحة كلامى، أو رؤية الحلم يتحقق، بأن يدرك الساحل الشمالى المصرى، مكانته المستحقة، ويصبح المقصد الأول للسياحة فى مصر. فسواحل مصر، التى تتفوق على سواحل تركيا، لا تُدر عليها ما يُدره ساحل أنطاليا، مثلا، المسئول عما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويا، من دخل تركيا، فضلا عن الدخل الإضافى الناتج عن المقاصد السياحية الأخرى، مثل بورصة وإسطنبول وكابدوكيا. فرغم تقدم تركيا فى المجالات الصناعية والزراعية، تبقى السياحة الممول الرئيسى للخزانة.

تلك الكلمات مبنية على خبرة ثلاث سنوات، أمضيتها ملحقا عسكريا لمصر لدى تركيا، كان مقر عملى خلالها، فى العاصمة أنقرة، التى شيدت، تاريخيا، على عجل، فخرجت فى صوة لا يجوز وصفها بالتميز، لذا كان أفراد البعثات الدبلوماسية، يرحلون عنها، فى عطلات نهاية الأسبوع، قاصدين ساحل أنطاليا، فى رحلة لا تتجاوز ساعتين، على طريق برى، أكثر من رائع. يعتبر ساحل أنطاليا امتدادا للساحل المصرى، على البحر المتوسط، الذى يبدأ من السلوم غربا، حتى العريش شرقا، التى يميزها النخيل المصرى، الممتد على طول النظر، فتشعر فيه وكأنك فى أحد شواطئ ميامى بالولايات المتحدة، ثم تتصل الشواطئ المصرية بشواطئ فلسطين ولبنان وسوريا، ومنها إلى سواحل أنطاليا فى تركيا، ثم سواحل جنوب أوروبا.

والحقيقة أن نموذج السواحل التركية، والرؤية القائم عليها، تستحق الإشادة، فذلك الساحل، على امتداده، يضم مدنا سياحية جميلة مثل مرمريز التى تشبه فى روعتها مدينة شرم الشيخ، ومدينة بودروم التى تشبه فى سحرها مدينة الغردقة، وتضم إحدى القلاع التركية القديمة، الشبيهة لقلعة قايتباى فى الإسكندرية، والشهيرة بحفلات العشاء، التى تقام بها، يوميا، وتعتبر إحدى الوجهات الأساسية للسياح، الذين يحتاجون أسبوعا مسبقا، لتأكيد حجز طاولة بها، لشدة الإقبال عليها. ولقد اهتمت تركيا بهذا الساحل، بتوفير الخدمات اللازمة لجنسيات السياح الذين يرتادونها، فأقامت، مثلا، مجموعة قرى سياحية جاذبة لسياح الدول الإسكندنافية، كالنرويج والدنمارك، فتجد العاملين فيها، من الأتراك، يتقنون لغة الفلامش، ويجيدون تقديم الأطعمة والمشروبات الخاصة بأهل تلك الدول.

ورغم نجاح التجربة التركية فى استقطاب نحو 40 مليون سائح سنويا، إلى سواحل أنطاليا، وما لذلك من مردود إيجابى على الاقتصاد التركى، فهل تعلم، عزيزى القارئ، أن أيا من أولئك السياح لا يجد الفرصة للاستمتاع بمياه البحر المتوسط، نظرا لقتامة مياه ساحل أنطاليا، التى تصل إلى اللون الأسود، فضلا عن أن شواطئها صخرية، خالية من الرمال، فحتى ارتداء الحذاء عليها لا يحميك من أذى صخورها، مما يضطر السائح لقضاء إقامته حول حمامات السباحة الصناعية، خلال أشهر الصيف، المقصورة على يوليو وأغسطس. وهو ما كان يشعرنى بالحسرة على عدم حسن استغلال هبة رب العالمين لنا، فى مصر، سواء بروعة الطقس فى معظم شهور العام، أو امتداد سواحلنا، على البحرين المتوسط والأحمر، وما يتيحه كلاهما من خصائص فريدة، علاوة على الشواطئ الرملية الناعمة، وزرقة المياه، ونقائها، الذى يمكنك من رؤية قاع البحر، دون الغطس.

ومن حسن حظى، أن توليت، خلال خدمتى بالقوات المسلحة المصرية، لأحد التشكيلات فى المنطقة الغربية العسكرية، من السلوم حتى مدينة مرسى مطروح، الشهيرة بالشواطئ الرملية، والمياه الفيروزية، الهادئة، لكثرة الخلجان الطبيعية، مثل منطقة رأس الحكمة، حيث أجمل خليج طبيعى فى العالم، المعروف باسم«خليج الأميرات»، نسبة للمصيف الذى بناه الملك فاروق، هناك، لاستخدام أميرات الأسرة الملكية، فى العصور الماضية. وأذكر انبهار وفد رجال الأعمال الفرنسيين، بروعة هضبة السلوم، عندما زارونى بصحبة الفنان المصرى العالمى، عمر الشريف،لدراسة مشروع لإقامة منتجع وناد فوقها، وهو المشروع الذى لم يتم، حينها، رغم وجود مطار قديم هناك، من بقايا الحرب العالمية الثانية، الذى كان من الممكن تطويره لتنمية المنطقة.

فقد كان ينقصنا، التخطيط الشامل، والمتكامل، لمنطقة الساحل الشمالى، لجعلها وجهة سياحية عالمية، ببناء القرى، لاستقبال السياح، لمدة 8 أشهر سنويا، اعتبارا من شهر مارس، من كل عام، اعتمادا على روعة الطقس، وأسوة بما نراه على مستوى العالم،مثل ساحل أنطاليا فى تركيا.ومع ذلك فما لا يُدرك كله، لا يُترك كله، فمازالت الفرصة سانحة لوضع الساحل الشمالى المصرى على خريطة السياحة العالمية، بالاتفاق مع مالكى وحدات القرى السياحية الحالية، لاستغلالها، وتحويلها من قرى مقصورة على استخدامات المصريين، لمدة شهرين فى المتوسط، من كل عام، إلى وجهات سياحية عالمية، تُحقق عوائد مالية كبيرة لمالكيها، من ناحية، واقتصادية للدولة من ناحية أخرى.

ولذا وجب الثناء على تصريحات السيد رئيس مجلس الوزراء، فى الأسبوع الماضى، بوضع تطوير الساحل الشمالى، ضمن أولويات الحكومة المصرية، ليصبح مقصدا سياحيا عالميا، لسكان أوروبا ومنطقة الخليج العربى، بناء على ما تم إنجازه، خلال السنوات الماضية، من رفع كفاءة شبكة الطرق، سواء بتطوير القائم منها، أو إضافة الجديد لها، وفق أعلى المستويات العالمية، علاوة على تحويل عدد كبير من المطارات العسكرية القديمة إلى مطارات مدنية جاهزة لاستقبال جميع الرحلات السياحية، بما من شأنه إحداث رواج اقتصادى، والقضاء على البطالة، باعتبار قطاع السياحة، من أكثرالقطاعات كثيفة استخدام العمالة.

وفى النهاية، أتمنى أن تتبع الحكومة الجديدة، نهج خلق الفرصة من حسن استغلال المميزات، خاصة الطبيعية، التى حبا الله مصر بها.



Email: sfarag.media@outlook.com