العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فجأة تغيرت مجريات الأحداث، فى الدول الأوروبية، بظهور نادى اليمين، المعروف عنه اهتمامه، بالأساس، بالقضايا الداخلية للدول، وحرصه على حماية الهوية من تهديدات ثقافات الدول الأخرى، خاصة تلك التى تتسرب، بشكل عام، من خلال المهاجرين إلى الدول الأوروبية.

ماذا يحدث فى أوروبا؟
ماذا يحدث فى أوروبا؟
 

لواء د. سمير فرج

 1 أغسطس 2024


فجأة تغيرت مجريات الأحداث، فى الدول الأوروبية، بظهور نادى اليمين، المعروف عنه اهتمامه، بالأساس، بالقضايا الداخلية للدول، وحرصه على حماية الهوية من تهديدات ثقافات الدول الأخرى، خاصة تلك التى تتسرب، بشكل عام، من خلال المهاجرين إلى الدول الأوروبية.

وخلال الشهور الماضية، كانت السويد والمجر وبولندا وإسبانيا أولى الدول الأوروبية التى انضمت لنادى اليمين، وتبعتها إيطاليا، بعد نجاح حزب أخوة إيطاليا فى تشكيل الحكومة، برئاسة زعيمته السيدة جورجيا ميلونى، بعد نيلها ثقة الناخبين، من خلال سجلها السياسى الحافل، منذ أن كانت أصغر وزيرة، فى تاريخ إيطاليا، عندما تم اختيارها، فى عام 2008، وزيرة للشباب، فى حكومة سيلفيو بيرلسكونى.

وما هى إلا شهور بسيطة حتى مُنيت أوروبا بضربة ثانية، فى الشهر الماضى، عندما حقق حزب العمال البريطانى فوزاً ساحقاً فى الانتخابات،والتى اعتبرت النتيجة الأسوأ فى تاريخ الانتخابات التى خاضها حزب المحافظين، إذ لم ينل سوى121 مقعدا، فقط،من مقاعد مجلس العموم البريطانى، البالغ عددها 650 مقعداً،فى حين حصل حزب العمال على 412 مقعدا، وحصل حزب الديمقراطيين الأحرار على 71 مقعدا. لينتهى، بذلك، 14 عاماً من سيطرة حزب المحافظين على السلطة، وتعيين كيرستارمر رئيساً للوزراء، خلفاً لخمسة قادة مختلفين من المحافظين، آخرهم ريشى سوناك.

تلا ذلك الانتخابات التشريعية الفرنسية، التى دعا إليها ماكرون بعد هزيمة تحالفه السياسى فى انتخابات البرلمان الأوروبى،وتصدر نتائج تلك الانتخابات التشريعية تحالف اليسار بحصاد 182 صوتاً، وحصل حزب أقصى اليمين على 143 صوتاً، بينما جاء تحالف الرئيس ماكرون فى المركز الثانى، بعدد 168 مقعدا، وحصلت باقى الأحزاب اليسارية الأخرى على 13 مقعدا. وقد أفرزت الانتخابات الفرنسية عدة مفاجآت، كان أولها تصدر ماريان لوبان، رئيسة الحزب اليمينى الفرنسى المتطرف،لنتائج الانتخابات فى مرحلتها الأولى، إلا أن ذلك لم يدم، إذ تبدل الترتيب، وصارت فى المركز الثالث، خلال المرحلة الثانية من الانتخابات، وهو ما يدل على دخول فرنسا لمرحلة جديدة، لم يعد لحزب الرئيس الفرنسى، خلالها، الغلبة فى البلاد.

وتمثلت الضربة الأخيرة فى سيطرة اليمين على انتخابات الاتحاد الأوروبى، بعد فوز ميلونى، وحزبها اليمينى المتطرف برئاسة فراتيلى ديتاليلا.وبحسب صحيفة ايل ميساجيرو الإيطالية، فإن ميلونى هى الأقوى، اليوم، فى أوروبا،بعد تراجع وخروج الأحزاب المنتمى لها الرئيس الفرنسى ماكرون، والمستشار الألمانى شولتز، من انتخابات الاتحاد الأوروبي. وللإجابة عن معنى ذلك التحول الجديد وسيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الأمور فى أوروبا، فيمكن تفسيره ببساطة بأن أوروبا ستشهد تطوراً كبيراً فى سياستها الداخلية والخارجية،ستتضح صوره، فى الفترة المقبلة، من خلال محاولات الاستقلال السياسى عن الولايات المتحدة الأمريكية، والتخلى عن دور الحليف التابع لأمريكا.

والحقيقة أن الرئيس الفرنسى،ماكرون،كان قد نادى، من قبل،بضرورة تأسيس جيش أوروبى موحد، كبديل عن الاعتماد على حلف الناتو، إلا أن أحداث الحرب الروسية الأوكرانية، قد عطلت التباحث حول تنفيذ تلك الفكرة. وهو ما يدفعنا للحديث عن رأى اليمين المتطرف فى أوروبا بشأن تلك الحرب، واتفاقه مع رأى الشعوب الأوروبية الرافضة لتكبد فاتورة الدعم المادى والعسكرى لأوكرانيا، دون محاولة الوصول لحل سلمى بين الدولتين.لذا فمن المنتظر أن تشهد الشهور القليلة القادمة تغييراً كبيراً فى مواقف الدول الأوروبية، تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة فى حال وصول الرئيس الأمريكى، ترامب،إلى البيت الأبيض، المنتظر أن يعمل على الوصول لحل سلمى لتلك الأزمة، إلا أن ذلك لن يثنى اليمين الأوروبى عن تحركاته لرفض الهيمنة الأمريكية، والتبعية لها، خاصة مع إصرار ترامب على تحميل أوروبا لمصاريفها فى حلف الناتو.

وعلى المستوى الداخلى، فسيعمل اليمين المتطرف،بكل هذه الدول، فى الفترة القادمة، على الحد من الهجرة إلى أوروبا، بل وسيعيد العديد من المهاجرين، الموجودين حالياً فى أوروبا، إلى بلادهم، قبل توفيق أوضاعهم بالحصول على إقامة دائمة أو جنسية. كما سيحارب المسلمين الموجودين فى البلاد الأوروبية، وهو ما بدأت ظواهره بمنع ارتداء الحجاب داخل المدارس بتلك الدول، فضلاً عن منع الدراسة العربية والإسلامية ببلادهم، من منطلق حرص اليمين المتطرف فى أوروبا، من الحفاظ على الهوية، وعدم خلطها بالهوية العربية الإسلامية. ولا عجب أن نلاحظ، مؤخراً، كثرة الحديث عن انتشار محال الشاورما الشامية، والدونير التركى، فى أركان أوروبا، وهو ما يعنى، من وجهة نظر اليمين الأوروبى، تهديدا للنسيج الأوروبى، ناتجا عن الاختلاط مع المسلمين،وهو ما تزداد خطورته مع احتمالات حصول أولئك المسلمين على جنسية الدول الأوروبية المقيمين فيها.

والحقيقة أن الخطر الأكبر، ليس اجتماعيا، فقط، بقدر كونه سياسيا، إذ يتخوف اليمين الأوروبى، من تحول الأغلبية السكانية فى دولهم، بعد سنوات معدودة، للإسلام، فى ضوء تكوين الكثير من الأسر المسلمة من ستة أو سبعة أفراد، مقابل ما لا يزيد على ثلاثة أفراد، فى المتوسط، بين الأسر الأوروبية، مما يعنى أن السلطة داخل البرلمانات الأوروبية، ستؤول، مستقبلاً،لأفراد مسلمين، من أصول غير أوروبية، لذا نجد اليمين المتطرف فى أوروبا يقاتل، ويحارب، بكل الطرق لوقف الهجرة العربية والإسلامية إلى دولهم. وهو ما سيسفر عن متغيرات جديدة فى الدول الأوروبية، تحت حكم اليمين المتطرف، سنتابع نتائجها فى السنوات المقبلة.



Email: sfarag.media@outlook.com