العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وأدركت معنى المقولة الشهيرة إن التاريخ يعيد نفسه، فحتى وإن كان لا يعيد نفس أحداثه دائما، فإننا لابد وأن نعتبر من دروسه.
|
مصر وشعبها عبر التاريخ
لواء د. سمير فرج
|
8 أغسطس 2024
|
أثناء خدمتى بالقوات المسلحة المصرية، وأنا برتبة مقدم، حصلت على ماجستير العلوم العسكرية من كلية الأركان حرب المصرية، ثم ماجستير العلوم العسكرية من كلية كمبرلى الملكية البريطانية، وبعد عودتى إلى مصر، أصبحت مدرسا فى كلية القادة والأركان. إلا أن شغفى بالتاريخ عموما، والمصرى خصوصا، كان الدافع وراء قرارى بالانتساب لكلية الآداب، بجامعة عين شمس، لدراسة التاريخ المصرى، الذى اهتممت به من الصغر، ليس فقط من الناحية التعليمية، خلال مختلف المراحل الدراسية، بل وحتى كهواية شخصية. وبالفعل حصلت على درجة الليسانس، بتفوق، من جامعة عين شمس العريقة، التى كانت سبباً فى زيادة تعلقى بالتاريخ، عن ذى قبل، فلم يعد التاريخ مجرد حكاية، بتسلسل زمنى متعاقب، وإنما سلسلة من العبر والدروس، المتاحة للتعلم، لمن يعى ... وأدركت معنى المقولة الشهيرة إن التاريخ يعيد نفسه، فحتى وإن كان لا يعيد نفس أحداثه دائما، فإننا لابد وأن نعتبر من دروسه.
ومن هذا المنطلق قررت أن أقدم لكم نبذة صغيرة عن مصر عبر التاريخ... كانت البداية عندما جاء الهكسوس، غزاة لمصر، قبل عام 1650 (ق. م.)، ذلك الشعب، إن جازت تسميته بالشعب، الهمجى، مهجن الأصول، ومختلط الأنساب، الناطق باللغة السامية، ليستمروا فى حكم مصر لنحو مائة عام، قبل أن يخرجوا منها مهزومين، ومدحورين، على يد أحمس الأول. وبعد تلك الأعوام المائة، سأل المؤرخون أنفسهم، عما إن كان المصريون قد تكلموا لغة الهكسوس؟ فجاءت الإجابة بالنفى. وبعد الهكسوس جاء الآشوريون إلى مصر، واحتلوا وادى النيل لمدة 14 عاماً، ما بين عام 677 (ق. م.) إلى عام 663 ق.م.، وتكرر السؤال، عما إذا تكلم المصريون لغة الآشوريين؟ فكانت الإجابة، مرة أخرى بالنفى.
وبعدهم جاء الفرس، محتلين، فى عام 525 ق.م.، وبعد هزيمتهم على يد القائد الفرعونى نخيبتو، وبعد احتلال دام 150 عاما، استدعى المؤرخون نفس السؤال، وتأكدوا، بما لا يدع مجالا للشك، أن المصريين لم يتكلموا لغة الفرس. ثم وصل اليونانيون، إلى واحة سيوة، سنة 332 ق.م.، بقيادة الإسكندر الأكبر، الذى أعلن أنه ابن الإله آمون. وكالعادة خرج اليونانيون من مصر، دون أن يتكلم المصريون اللغة اليونانية. وبعد وفاة الإسكندر الأكبر غزا البطالمة مصر فى عام 333 ق.م.، وطال بقاؤهم فى مصر لأكثر من 300 عام،حتى عام30 ق. م.،قبل أن ينتهى عهدهم بالهزيمة فى معركة أكتيوم، ومع ذلك لم يتكلم المصريون لغة البطالمة. وتلا ذلك حكم الرومان، الذى امتد لنحو سبعة قرون، تقريباً، بدأت من عام 30 ق.م.، حتى الفتح العربى لمصر فى عام 641 (م)، على يد عمرو بن العاص، والسؤال هنا هل تكلم المصريون اللغة الرومانية بعد سبعة قرون من الاحتلال، وكانت الإجابة لا.
ومع الفتح العربى دخل الإسلام مصر، ليعلم المصريين لغة الضاد، ولغة القرآن الكريم، ليتوالى بعد دخول الإسلام مصر، عام 641م، الكثير من العصور الجديدة، والكثيرة، ولعل أهمها دولة المماليك، فى عام 1517م، التى حكمت مصر، على يد سيف الدين برقوق. وكان أغلب المماليك من الأتراك والشركس، والألبان، واليونانيين، والسلاف، وانتهى حكمهم دون أن يتكلم المصريون لغة المماليك.وبعد المماليك جاء الأتراك إلى مصر، واستمر محمد على، وأولاده،فى حكم مصر، لمدة أربعين عاما، ولم يتكلم المصريون اللغة الألبانية، اللغة الأصلية لمحمد على، بل خرج منها أولاده وأحفاده وهم يتكلمون العربية. ثم احتل الإنجليز مصر لمدة 72عاما، وخرجوا منها فى عام 1956، ولم يتكلم المصريون اللغة الإنجليزية. عكس ما حدث فى دول المغرب العربى، التى وقعت، لأعوام، تحت الاحتلال الفرنسى، وبعدما حصلوا على استقلالهم، عانت الكثير من دول المغرب العربى فى إعادة اللغة العربية، مرة أخرى، ولو حتى لدواوين الحكومات العربية، بعدما سادت اللغة الفرنسية فيها، حتى يومنا هذا.
وهنا كان لابد من تحليل قدرة مصر على الحفاظ على ثقافتها ولغتها وديانتها، عبر مختلف الأزمنة والعصور، ورغم ما شهد به التاريخ من هجمات وغزوات استمرت لعقود وقرون، وخلُص التحليل إلى أن الشعب المصرى هو أساس قوتها وصمودها، إذ قاوم تلك الهجمات، وصمد فى وجهها، دون أن يتلون بأى منها، أو أن يسمح لأى منها بطمس هويته وثقافته ومعتقداته. وهو ما يتأكد لنا حتى يومنا هذا، فرغم ما يحيط بنا من ملمات، يبقى شعب مصر الأصيل هو مصدر قوتها، وحائط الصد، وسدها المنيع، المحافظ على حضارتها وثقافتها ودينها الإسلامى المعتدل، والدين المسيحى للإخوة الأقباط. ورغم ما يهل علينا، اليوم، عبر القنوات المفتوحة، من ثقافات غريبة، ودخيلة على مجتمعاتنا،وبعيدة عن أصول وتقاليد الشعب المصرى،تجد الشعب المصرى يرفضها، ويتصدى لانتشارها، وأبسط مثال على ذلك ثقافة المثلية التى حاولت بعض تلك الثقافات الغربية نقلها لمجتمعاتنا، فتصدى لها الشعب المصرى بكل طوائفه الدينية والاجتماعية، ورفضوا، تماما، إقحام تلك الثقافات الداخلة على الشعب المصرى الاصيل.
وبعد أكثر من أربعة آلاف عام، تستمر مصر، بشعبها العظيم، فى الحفاظ على الدين والثقافة والهوية المصرية، ضد هجمات العصر الحديث، من خلال السماوات المفتوحة والإنترنت، وتطبيقاتها المعروفة بوسائل التواصل الاجتماعي.. لأجد نفسى أردد ما أقوله دائما... عمار يا مصر.
Email: sfarag.media@outlook.com
|