العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
لذلك كان هدفى من اليوم الأول الارتقاء بالتعليم، وكانت فكرتى أن العملية التعليمية، تبنى على ثلاثة أضلاع؛ الأول هو المدرسة والثانى المدرس الذى يقود العملية التعليمية، والضلع الثالث هو المناهج التعليمية، والمسؤول عنها وزارة التربية والتعليم.
|
مثلث التعليم فى مصر.. تجربة الأقصر - 1
لواء د. سمير فرج
|
10 أغسطس 2024
|
فى فترة من الفترات، كنت معجبا برئيس الوزراء الماليزى مهاتير محمد، صاحب نظرية أن التنمية البشرية أساسها الصحة والتعليم؛ أى أنه لتقدم أى دولة عليها أن تركز على صحة شعبها وتعليمه؛ لأن أى شعب بدون صحة يعنى دولة مريضة وغير قادرة على العمل والإنتاج، وأى شعب بدون تعليم يعنى دولة فاشلة وغير قادرة على التقدم ومسايرة الفكر العالمى الجديد.
من هذا المنطلق فور وصولى إلى الأقصر ركزت على التعليم والصحة، وأقول إن أول مبلغ مالى وافقت على تخصيصه كان لصالح شراء أورج وطبلة وميكروفونات لصالح مدارس الأقصر التى ليس بها هذه الأدوات، بهدف أن يكون لكل مدرسة فى طابور الصباح مراسم تحية العلم وكلمة الصباح وهى أول الإجراءات التى تحقق انتماء الطلبة إلى مصر.
وكان يومى فى الأقصر- ويشهد على ذلك جميع أهالى الأقصر الآن- أننى أتحرك من استراحتى فى السادسة صباحا للمرور على نظافة المدينة كل يوم فى قرية مختلفة، وفى السابعة والنصف أدخل مدرسة للمرور عليها، وأحضر طابور الصباح، ثم حضور الفصل الدراسى الأول، وبعدها المرور على إدارات المحافظة؛ الرى، الزراعة، التعليم.. إلى آخره، وبعدها فى العاشرة صباحا أذهب إلى أحد المستشفيات، وأدخل مكتبى فى الثانية عشرة، أما الثانية ظهرا فأمرّ على مشروعات التطوير فى المدينة لمتابعتها.. كان ذلك هو البرنامج اليومى.
ونبدأ بمدارس الأقصر التى كانت فى حالة سيئة عندما وصلت هناك؛ مثل مدرسة الأقصر الثانوية بنات بها أربع فصول للطالبات فى حوش المدرسة، حيث إن أحد المديرين السابقين للمدرسة قام بتحويل أربع فصول إلى غرف للمدرسين؟، هل يتخيل أحد أن طلبة المدرسة من البنات يقضين الفصل فى حوش المدرسة، ونتخيل أنه فى شهر إبريل تكون درجة الحرارة فوق ٣٥ فما بالك فى مايو من ويونيو، كذلك كان هناك مدارس ليس بها دورات مياه لأنها مهدمة وغير صالحة للاستخدام، وللأسف كان فى الماضى مبدأ يطبق فى محافظات مصر، وهو إنشاء فصول بالجهود الذاتية من خلال عضو مجلس الشعب أو أحد الأثرياء يقوم بإنشاء ثلاثة فصول كل فصل منها عبارة عن أربع حوائط طوب أحمر بدون شبابيك ولا أبواب خشب، أما السقف فهو جريد النخيل. كذلك لم يكن هناك غرف للهوايات أو المسرح، أو للرسم أو للتطريز للفتيات، وتدبير منزلى، فلم يكن شىء موجودا.
لذلك كان هدفى من اليوم الأول الارتقاء بالتعليم، وكانت فكرتى أن العملية التعليمية، تبنى على ثلاثة أضلاع؛ الأول هو المدرسة والثانى المدرس الذى يقود العملية التعليمية، والضلع الثالث هو المناهج التعليمية، والمسؤول عنها وزارة التربية والتعليم.
ولقد علمت ببدء مشروع لتطوير ١٠٠ مدرسة فى القاهرة وأخرى فى الجيزة. وطلبت المعونة لتطوير مدارس الأقصر، وبالفعل خصصت مبالغ لتطوير المدارس وتم تحويلها لرفع كفاءة مبانى ومدارس الأقصر بالكامل خلال خطة على مدى سنتين تبدأ من الفصول التعليمية وسبورة مضيئة لكل فصل حتى المروحة. ثم بدأنا فى عمل أرض طابور لكل مدرسة ومسرح مدرسى صغير، ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن كل مدرسة كان بها مدرس للمسرح، ولكنه لا يعمل، ثم فصول للموسيقى، وتم شراء أدوات موسيقية لكل مدرسة، ثم ملاعب الكرة الطائرة وكرة اليد وتنس الطاولة، وأرض التدريبات، وغرف للحاسبات الآلية لكى تسجل عليها جميع بيانات الطلبة فى المدرسة وعيادة مدرسية.
كذلك ثم إنشاء مكتبة لكل مدرسة، وأقول إن ٩٠٪ من المدارس لم يكن بها مكتبات، ولتغذية المكتبات بالكتب تم الاتصال بوزارة الثقافة التى لديها كتب مترجمة لا تعرف كيف تستفيد منها، حيث أرسلت عربات نقل وأنهت وزارة الثقافة هذه المشكلة. وتم إمداد المكتبات بمئات الكتب، كما تم تخصيص مبلغ لشراء كتب من معرض الكتاب لكل مدرسة طبقا لاحتياجاتها، وتم الاهتمام بمكتب شؤون الطلبة الذى كان يدار بموظفة أو اثنتين لديهما مئات الدوسيهات، حيث تم تحويل كل هذه البيانات إلى كمبيوترات داخل كل مدرسة.
وكانت المشكلة الكبرى تدريب العاملين فى ذلك المكتب ونجحت بصرف امتيازات مالية لهم، علاوة على إجراء دورة أربعة أسابيع تم تدريبهم فيها على استخدام الحواسب لتسجيل بيانات الطلبة فى كل مدارس الأقصر، كما تم عمل غرف للهوايات والتربية المنزلية، والخياطة، وشغل الإبرة لمدارس الفتيات، وأصبحت تدخل أى مدرسة بنات فى الأقصر تشم رائحة الطعام فى كل مكان، أما دورات المياه فقد تم إصلاحها وأصبحت مثل فنادق الأربع نجوم.
كما ظهرت مشكلة الأمن فى مدارس الفتيات بالذات، هل من المعقول أن يكون الأمن فى هذه المدارس من الرجال؟. وأذكر هنا أن الدكتور يوسف بطرس غالى، وزير المالية وفر لى ميزانية لتشغيل الفتيات فى أمن مدارس البنات، وأعتقد أنها كانت فكرة إنسانية أخلاقية قبل أى شىء، كذلك تم إدخال الكمبيوتر (جهاز لاب توب لأول مرة فى المدارس الثانوية بفضل مساهمة رجل الأعمال معتز الألفى الذى قدم لنا ألف جهاز لابتوب لمدارس الأقصر، وأتذكر يوم زيارة مدرسة إسنا الثانوية بنات، ومنظر الفتيات، وأمام كل ثلاث منهن لاب توب تُدرس عليه الموضوعات، وأتذكر يومها كان درس التصحر. وللعلم هذه المدرسة كانت فى الأساس إسطبل خيل لأحد أمراء الصعيد منذ زمن بعيد، لكنها الآن أصبحت من أجمل مدارس الصعيد.
كما تم الاهتمام بأطفال الحضانة حيث تم توفير ألعاب حديثة صغيرة، وكتب من معرض الكتاب لهم، وتم الاعتناء بشكل ودهانات الفصول لتناسب الأطفال فى هذه السن، وأقول قبل أن أنهى الجزء الأول من مقالى، إننى تركت الأقصر بعد أن حولت حوالى ١٥٠ مدرسة إلى مدارس تعادل المدارس الموجودة فى القاهرة فى التجمع الخامس، والشيخ زايد.
ولا أنسى فضل السيدة سوزان مبارك ويوسف بطرس غالى ومعتز الألفى والمهندس محمود صالح، ثم أهالى الأقصر والإدارة التعليمية التى حولت هذه المدارس إلى أماكن يستحقها أبناء الأقصر، ويكفى أن أقول إنه فى السنة التالية حصلت الأقصر على المركز الثانى فى الثانوية العامة، وأعتقد أن ذلك كان بسبب تنمية النهضة التعليمية التى تمت فى الأقصر. وفى مقالى العدد القادم سوف نتحدث عن الضلع الثانى فى العملية التعليمية؛ المدرس، وهو من أهم الأضلاع فى العملية التعليمية فى مصر.
Email: sfarag.media@outlook.com
|