العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وبالفعل، تم عمل منهج بدورة تدريبية لكل مدرسى الأقصر لتدريس الحاسبات الآلية لهم وأسلوب استخدام «الداتا شو» فى العملية التعليمية وتوضيح أساليب التعليم الحديثة.
|
مثلث التعليم فى مصر.. تجربة الأقصر - 2
لواء د. سمير فرج
|
31 أغسطس 2024
|
تحدثنا فى مقال سابق عن تجربة مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق، الذى قال إن التنمية البشرية لأى مجتمع أساسها الصحة والتعليم، وأن أى مجتمع بدون صحة ولا تعليم هو مجتمع فاشل، وبالتالى دولة فاشلة، ومن هذا المنطلق وبعد وصولى إلى الأقصر ركزت على العملية التعليمية والصحية لكى تكون أساس نهوض محافظة الأقصر فى الفترة القادمة.
طبقًا لتصورى وفكرى فإن العملية التعليمية فى مصر تقوم على ثلاثة أضلاع: الأول هو المدرسة، وكان ذلك هو محور مقالى فى الأسبوع الماضى، حيث تحدثت فقلت عن التطوير الذى تم فى مدارس الأقصر بالكامل. أما المحور الثانى فهو محور المدرس، وهذا ما سأتناوله فى مقالة اليوم، أما المحور الثالث فهو محور المناهج التعليمية، وهى مسؤولية وزارة التربية والتعليم، وأعتقد أنها يجب أن تقوم كل فترة بإجراء التعديلات المناسبة فى تطوير المناهج الدراسية التى تتماشى مع مطالب العصر واحتياجاته، والتطور التكنولوجى الذى نعيشه الآن، الذى يبدأ من المناهج ويصل حتى كتاب الوزارة مع الاهتمام بمستجدات العصر الحديث من استخدام تكنولوجيا المعلومات، فلم يعد هناك داعٍ للكتب الورقية، ولكن يتم ذلك من خلال إرسال موضوعات المناهج على «اللاب توب»، الذى تصرفه وزارة التربية والتعليم حاليًا لكل طالب، بدلًا من طبع الكتب الورقية كل عام، والتى تتكلف ملايين الجنيهات التى يتم التعويض عنها بشراء «اللاب توب» للطلبة.
ونعود للمدرس، الضلع الثانى فى العملية التعليمية، وأتذكر أنه فى أول أسبوع من وصولى إلى الأقصر، وخلال مرورى على إحدى المدارس، وجدت مدرسًا يقف فى الفصل ويرتدى الجلباب، وسألته: ما هذا؟ فكان رده: هذا هو اللباس الشعبى لأهل الأقصر، لكنى رفضت ذلك تمامًا، هذا الجلباب مكانه المنزل أو فى الدوار أو فى البلد، ولكن المدرس يجب أن يكون له زى مناسب يحترمه الطلبة.
ولقد بدأت بعمل دورات للمدرسين لمدة ٤- ٦ أسابيع، حيث أنشأت مركزًا لتدريب المدرسين فى محافظة الأقصر، كان فى الأصل مكانًا لمبيت المدرسين القادمين للمراقبة فى امتحانات الثانوية العامة، وبحسبة بسيطة فإنه تتم صيانة هذا المبنى كل عام وشراء مراتب جديدة وملايات وصيانة دورات المياه، فوجدت أننى لو تمكنت من تحقيق إقامتهم فى فنادق ٣ نجوم فى المدينة باستخدام أموال تطوير وصيانة هذا المبنى الذى لا يُستخدم إلا فى الامتحانات كل عام مع إمكانية مساهمة المحافظة فى تكلفة الإقامة فى الفنادق للمدرسين القادمين من محافظات مجاورة، بالطبع سيكون أفضل من حيث أماكن الإقامة والمعيشة على أعلى مستوى، وأن يتم استغلال هذا المبنى غير المستخدم طوال العام ليكون مركز تدريب لمدرسى محافظة الأقصر بالكامل.
وبالفعل، تم عمل منهج بدورة تدريبية لكل مدرسى الأقصر لتدريس الحاسبات الآلية لهم وأسلوب استخدام «الداتا شو» فى العملية التعليمية وتوضيح أساليب التعليم الحديثة، وفى نهاية التخرج تم توزيع هدايا لهم عبارة عن «لاب توب» و«بدلتين» بكافة المستلزمات من القمصان والكرافتات، كل ذلك كان مقدمًا من رجل الأعمال المصرى معتز الألفى، وبعدها توالت الدورات، من بعد الدورة الأولى تولى أحد فنادق المدينة مصاريف الدورات التالية، حتى تتخرج الدورات بصورة مشرفة، وبدأنا نرى مدرسًا جديدًا أطلق عليه الطلبة فى مدارس الأقصر مدرس «النيو لوك»، وبدأ جميع المدرسين يتصارعون لحضور هذه الدورات، حيث كان يتم عمل اختبارات لتقييمهم لحضور هذه الدورات للمدرسين المتميزين.
وأصبح لمدرس الأقصر شخصية جديدة، سواء فى المظهر أو فى استخدام «اللاب توب» لتدريب الطلبة، كذلك كنت أسعى لتغيير الامتحانات الشهرية التى تتم فى المدارس، من خلال «اللاب توب» لولا مجىء أحداث ٢٥ يناير، حيث لم تكتمل التجربة، عمومًا أصبح لدينا معلم يستخدم «اللاب توب»، وأساليب تعليمية حديثة، خاصة أننى أول من أدخل شبكة الإنترنت فى المدارس رغم اعتراض الكثيرين أيامها، لكننى صممت، وتغير شكل الحياة التعليمية فى الأقصر، لتتماشى مع أساليب العصر الحديث، وأتذكر أنه خلال مرورى على أحد الفنادق العائمة الموجودة فى الأقصر، وعددها ٢٨٤ فندقًا عائمًا تعمل بين الأقصر وأسوان، واتضح لى أن أطقم الميكانيكية التى تعمل فى هذه الفنادق العائمة حوالى من ٥- ٦ أفراد بكل فندق عائم، كلهم قادمون من الإسكندرية أو مدن القناة، وهو ما يكلفهم مشقة السفر، وعدم توفير عمالة لأهالى الأقصر.
لذلك توجهت لمدرسة الصنائع الثانوية بالأقصر، وكانت بحالة لا يمكنها تنفيذ مهامها التعليمية، حيث كانت المبانى بحالة متهالكة، وطبقًا لمبادرة «مبارك- كول» كان بالمدرسة أحدث المعدات الميكانيكية من الصناعة الألمانية، وفى أيامها كان يزورنى أحد رجال الأعمال، وعرض تبرعًا للمحافظة فتسلمت منه شيكًا بـ٢ مليون جنيه، وفى خلال ثلاثة أشهر تم تطوير وصيانة المدرسة، وأصبح لدينا أحدث مدرسة صنائع فى مصر، تم تطويرها على أحدث الأساليب العلمية، مدعومة بالمعدات من مشروع «مبارك- كول».
وخلال ثلاث سنوات كانت هذه المدرسة تخرج كل عام ٥٠ طالبًا يعملون فى مجال ميكانيكا الديزل البحرى، للعمل فى الفنادق العائمة، وخلال أربع سنوات نجحنا فى تغطية المطلوب من الفنيين العاملين فى الفنادق العائمة من أبناء الأقصر، وبالطبع حقق ذلك استقرارًا لأهل الأقصر، كذلك تم الاهتمام برحلات الطلبة إلى القاهرة من خلال التعاون مع وزارة الشباب والرياضة، كما تم لأول مرة عمل دورات رياضية وفنية بين شباب مدارس الأقصر. وفى عام ٢٠١٠ ظهرت النواحى الفنية والثقافية والرياضية غير التعليمية بين شباب مدارس الأقصر، وبدأنا فى التنافس مع باقى مدارس الجمهورية فى هذه المسابقات، ويكفى أننا حققنا مراكز متقدمة خلال هذه المسابقات على مستوى الجمهورية، وهى التى لم تكن تشارك فيها مدارس الأقصر من قبل.
وهكذا كانت البداية فى تطوير مبانى الأقصر ثم المدارس، وأعتقد أنه كان حصول أبناء الأقصر على المركز الثانى فى امتحانات الثانوية العامة هو أكبر نتيجة للتطوير الذى حدث فى هذه الفترة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|