العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وطبقا للإحصائيات، فقد حقق المستشفى نسبة شفاء، فى العام الحالى، بلغت 73%، وهو ما يقترب من النسب العالمية البالغة 83%.

من أجمل أيام عمرى - مستشفى 57357
 

لواء د. سمير فرج

 19 سبتمبر 2024


يحمل كل منا فى وجدانه ذكريات أيام جميلة مرت بحياته، يستعيدها، دوماً، لما تحمله من اعتزاز وفخر، سواء كانت على الصعيد الشخصي، أو العملي. أما أنا، فسيظل أجمل أيام عمري، دائماً وأبداً، هو يوم السادس من أكتوبر من عام 1973، عندما هاجمنا خط بارليف، واستعدنا سيناء الحبيبة، بعد ست سنوات من رؤية العلم الاسرائيلى يرفرف على الضفة الشرقية، بينما أنا متمركز على الضفة الغربية، فى دفاعاتنا، خلال حرب الاستنزاف، متطلعاً ليوم تحرير الأرض، والانتصار على العدو الصهيوني.

أما ثانى أجمل أيام حياتى، فكان يوم أن أنهيت دراستى فى كلية كمبرلى الملكية، كأول ضابط مصرى يعود للدراسة بالمملكة المتحدة، بعد عشرين عاما من إيقاف البعثات الدراسية إليها، رداً على موقف بريطانيا من ثورة 1952، وجاء يوم التخرج، وقد حصلت على تقدير امتياز، وتم تعيينى مدرساً بالكلية، كأول عضو هيئة تدريس،بتلك الكلية العريقة،من خارج حلف الناتو، فسعدت سعادة بالغة بأن كان لى شرف رفع اسم مصر عالياً.

وفى الأسبوع الماضى، أضفت لسجل أيامى السعيدة يوماً ثالثاً، بعدما لبيت الدعوة الكريمة من الأخ الدكتور أيمن الغزالى، لزيارة مستشفى 57357، ذلك الصرح الطبى العظيم، الذى يعالج الأطفال المصريين، المصابين بمرض السرطان الخبيث،بالمجان، من عُمر يوم واحد حتى سن 18 سنة، وهو ما رأيته بعينى، خلال مرورى بالمستشفي، إذ رأيت من الأطفال من لم تتجاوز أعمارهم شهرا واحدا، وقد اختبروا، وعائلاتهم، بهذا المرض اللعين.

لم أسعد، بالتأكيد، برؤية أطفال قد أنهكهم المرض، وإنما سعدت بما عرفته عن ذلك المستشفى، وهو الأكبر فى العالم،من حيث الطاقة الاستيعابية، طبقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية، لعلاج سرطان الأطفال،بالمجان. يعالج المستشفى 15 ألف حالة، تقريباً، سواء من المقيمين بالمستشفى أو المترددين عليه أسبوعياً، لتلقى الجرعات أو المتابعة، علماً بأن متوسط مدة العلاج للطفل الواحد، تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات، وتتكلف ما يصل إلى مليون جنيه. أما العيادات الخارجية فتستقبل نحو 600 مريض يومياً.

وطبقا للإحصائيات، فقد حقق المستشفى نسبة شفاء، فى العام الحالى، بلغت 73%، وهو ما يقترب من النسب العالمية البالغة 83%. ولما كان المستشفى متميزا فى عمليات زرع النخاع، فقد ارتفعت أعداد الغرف المخصصة لذلك من تسع غرف إلى سبع وعشرين غرفة جديدة، أما المفاجأة ففى وجود جهاز«السيبر نايف»، وهو الجهاز الوحيد الموجود فى إفريقيا،ويصنف كأحدث تكنولوجيات العالم، فى استهداف ذلك المرض اللعين بدقة عالية.

وعند زيارتى للمعامل، بهرنى تزويدها بأحدث الأجهزة الموجودة فى أوروبا وأمريكا، وبالاستفسار عن مشكلة المعايرة، التى تواجه الكثيرين عند إجراء تحاليل الدم، مثلاً، فى ثلاثة معامل مختلفة، من تباين فى نتائج كل معمل، عرفت أن معامل المستشفى يتم معايرتها، يومياً،باستخدام أحدث الأنظمة التكنولوجية، لضمان دقة النتائج اللازمة للتعامل مع المرضي، وهو ما ينعكس إيجابياً على نسب الشفاء.تضم المعامل تحاليل الباثولوجى لتحديد نوعية الورم، وقد نال ذلك المعمل شهادة الجودة من الكلية الأمريكية لأطباء المدن فى العالم.

وخلال زيارتى للمستشفى العريق، مررت على الصيدلية الخاصة به، فوجدتها تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي، ومبرمجة إلكترونياً، بالكامل، بحيث يتم مراقبة كل علبة دواء يتم صرفها، وربطها إلكترونياً برقم المريض، وفقاً لروشتة الطبيب المعالج، التى تحدد الجرعة اللازمة، علماً بأن الصيدليةتتعامل، يومياً، مع ما لا يقل عن 300 مريض، يتطلبون نحو 1500 علبة دواء، يتم إدارتها من خلال منظومة إلكترونية للتخزين والصرف.هل تخيل أحدنا وجود مستشفى فى مصر، لا يتعامل مرتادوه، منذ لحظة دخول الطفل المريض إليه مع أى أوراق، وإنما تحفظ كل أوراقه، وتحاليله، وأشعاته، وتقاريره المرضية فى منظومة إلكترونية، من خلال الحاسبات الآلية.

جدير بالذكر أن خدمات مستشفى 57357 ليست مقصورة على الأطفال، فقط، وإنما تمتد لجموع المصريين، ممن تجاوزوا سن 18 سنة، واختبرهم الله بهذا المرض اللعين،لأن يجروا كل الفحوصات والتحليلات والأشعة اللازمة بالمستشفي، بمقابل مادى أقل من المراكز الخارجية، وهو ما يتم استخدام حصيلته فى أعمال التطوير ورفع كفاءة المستشفي، للحفاظ على المستوى العالمى لخدماته. وبالعودة للأرقام والإحصاءات، مرة أخري، نجدها تشير لتقديم المستشفى جرعات، يومية، فى الوريد بطاقة تصل إلى 2200 جرعة مضادات حيوية، وعدد جرعات الكيماوى تصل إلى ألف جرعة، وما يتخلل ذلك من تحاليل يومية، لقياس تأثير الدواء، سلبياً أو إيجابياً على المريض.

أما على الجانب الإنساني، فقد لمست رقى المعاملة مع الأطفال، الذين خصص لهم المستشفى أماكن للرسم والموسيقى والألعاب، مصنفة لفئاتهم العمرية، وحتى أنواع الطعام المقدمة لهم، بينما لم يكن هناك قيود مفروضة على أى مريض من قِبل طبيبه المعالج، يسمح لهم باختيار ما يتمنون من الأطعمة، ويتم تجهيزها لهم وفق رغباتهم. وامتدت المعاملة الراقية لأهالى المرضي، خاصة الوافدين من محافظات مصر وأقاليمها، فخصص لهم المستشفى أماكن للإقامة فى مبنى منفصل، للتيسير عليهم، خاصة لغير القادرين مادياً.

لقد سعدت، حقيقة، بذلك اليوم الرائع الذى شهدت فيه تقديم خدمة طبية متميزة لأطفال مصر، بالمجان، ورأيته لزاماً عليّ أن أتقدم بكل التحية والشكر للقائمين على مستشفى 57357، والعاملين به، وأن أدعو كل مواطن للمشاركة، ولو بالقدر البسيط، فى الحفاظ على ذلك الصرح الطبى العظيم، وتطويره.



Email: sfarag.media@outlook.com