العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
انتظمت حفيدتى فى دراستها، لسنوات عدة، وجاءت يوما لزيارتى فى الأقصر، عندما كنت محافظا لها.
|
بقية قصة حفيدتى فرح
لواء د. سمير فرج
|
7 نوفمبر 2024
|
مر ما يقرب من نحو ثمانى سنوات، منذ أن بدأت الكتابة فى هذا المكان، بجريدة الأهرام الغراء، لاحظت خلالها، تفاعل الكثير من القراء مع المقالات ذات الطبيعة الإنسانية والاجتماعية، ولقد كان من بين تلك المقالات التى نالت اهتماماً كبيراً،هو المقال الذى رويت فيه قصة التحاق حفيدتى الكبرى «فرح» بنظام التعليم الألمانى، وترشيحها لاستكمال دراستها الجامعية فى ألمانيا. ولما كانت مقالتى تنشر يوم الخميس، من كل أسبوع، فقد كتبت، حينئذ، أننا كنا على موعد للقاء العائلى، يوم الجمعة، لتقرير ما إن كانت فرح ستسافر إلى ألمانيا لاستكمال دراساتها، أم ستبقى فى مصر.
وخلال كل السنوات التى مرت منذ كتابة ذلك المقال فى نوفمبر من عام 2017، لمست بنفسى اهتمام القراء الأعزاء، بمصير حفيدتى فرح، فلم أدخل مكاناً؛ سواء مطعما أو سوبر ماركت، أو لإلقاء محاضرة فى أى من الجامعات، أو التجمعات، إلا وسألنى الكثير عما جرى مع حفيدتى، وعما إن كانت قد التحقت بجامعة ميونيخ فى ألمانيا أم لا؟ فقررت أن أستكمل معكم قصة فرح.
تعود القصة لطفولة حفيدتى فرح، التى كانت والدتها ترغب فى إلحاقها بإحدى المدارس الألمانية بالقاهرة، التى كان، ومازال، عددها محدودا، مقارنة بالمدارس الإنجليزية، والأمريكية والفرنسية، الأكثر انتشارا، مما جعل الالتحاق بها «أشبه بدخول الجنة»، على وصف البعض، إلا أننا اجتهدنا فى السؤال، والسعى، حتى تم قبول حفيدتي.
وذهبت إلى المدرسة، للقاء مديرتها، وشكرها، فبادرتنى قائلة بأنه لا داعى للشكر، فالمدرسة لا تقبل الوسائط، وإن كانت حفيدتى قد قُبلت فيها، فلذلك أسبابه المحددة، وسحبت من على مكتبها ملفا، مدونا عليه اسم حفيدتى، لتطلعنى على ما فيه من أسباب القبول. فقالت إن المقابلة التى حُددت لحفيدتى، ووالديها، بعد التقديم للمدرسة، قد عُقدت بواسطة لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء، لكل منهم تخصصه واختصاصه؛ أحدهم موكل إليه تقييم الأم، والثانى لتقييم الأب، والأخير لتقييم الطفل ذاته، ثم أمعنت النظر إلى الأوراق الموجودة أمامها، واستطردت قائلة إن حفيدتى طُلب منها فى ذلك اليوم، عند بدء اللقاء، أن تتوجه إلى ركن الألعاب «لتفعل ما تشاء»، بينما يتابعها، عن بُعد، عضو اللجنة المسئول عنها، فسحبت حفيدتى، من بين الألعاب الكثيرة، علبة المكعبات، وبدأت تكّون بها أشكالا وأرقاما وحروفا، وبانتهاء الوقت المحدد للقاء، وقبل أن تغادر الطفلة، رصت المكعبات فى علبتها، وأعادتها، مرة أخرى، إلى مكانها، فكان ذلك سبب قبولها فى المدرسة الألمانية!
انتظمت حفيدتى فى دراستها، لسنوات عدة، وجاءت يوما لزيارتى فى الأقصر، عندما كنت محافظا لها، وتصادف، فى ذلك اليوم، وجود السفير الألمانى فى ضيافتى، والتقى حفيدتى، فانبهر بمستوى إجادتها اللغة الألمانية، كأحد أبنائها، علاوة على الإنجليزية والفرنسية، على حد السواء، فما كان منه إلا أن اتصل، فوراً، بمديرة المدرسة، وشكرها على تميز أداء المدرسة، بعدما خاض اختباراً، عملياً، لإحدى طالباتها.مرت السنوات، سريعاً، وإذا بى جالساً بمسرح المدرسة الألمانية، أشاهد حفلاً بديعاً، يضاهى فى رقيه وانضباطه، تلك الاحتفاليات الدولية ...إنه حفل تخرج حفيدتى، فرح، بعد حصولها، على شهادة «الأبيتور» الألمانية، المعادلة للثانوية العامة، وكان ترتيبها متقدماً، بما أهلها للحصول على «منحة تفوق» لاستكمال دراستها فى ألمانيا.
وحضرت لجنة من ألمانيا للقاهرة، لاختبار الحاصلين على منحة التفوق، وأفاد أعضاؤها بأن المنحة تكون لعام واحد، فقط، ويشترط التفوق، لتجديدها لعام تالٍ، وهكذا، حتى الانتهاء من الدراسة الجامعية، التى تمتد لثلاث سنوات، وفقاً للنظام الألماني. وهنا، وأمام أعضاء اللجنة، رفضت حفيدتى هذا الشرط، مبررة رفضها بعدم استعدادها لفقد المنحة الدراسية، لأسباب قد تتعلق بمرض مفاجئ، على سبيل المثال. ولم تكتف برفض شرط المنحة، بل أملت هى شروطها على أعضاء اللجنة، ثقةً منها فى قدراتها، «إما المنحة لثلاث سنوات دراسية كاملة، أو الاعتذار عنها»، وفى سابقة أولى، وبعد فحص ملف حفيدتى، التى اجتازت جميع سنواتها الدراسية بتقدير امتياز، وافقت اللجنة، فوراً، على شرطها، واعتمدت منحتها لثلاث سنوات دفعة واحدة.
وحانت لحظة القرار الصعب؛ هل تسافر حفيدتى، التى لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، إلى ألمانيا وحدها؟ استشارتنى ابنتى وزوجها، تاركين لى القرار النهائى، ولصعوبته على نفسى، رأيت طرحه للنقاش على «مجلس العائلة»، عندما يجتمع الأولاد والأحفاد، يوم الجمعة، من كل أسبوع. وبعدما انتهينا من غذائنا، بدأنا النقاش الذى استمر لأربع ساعات كاملة، ساق فيها جميع أفراد العائلة أسبابهم للقبول أو للرفض، استمعت خلالها للصغير، قبل الكبير، فلكل منهم وجهة نظره، وأسبابه، وانتهى النقاش بالتصويت بالموافقة على سفر فرح.
وسافرت حفيدتى، الكبيرة فى ترتيبها بين الأحفاد، والصغيرة فى السن، وحدها، إلى ألمانيا، فانفطر قلبى لبُعدها، الذى لم أعتد يوما عليه، رغم تعدد الزيارات المتبادلة بيننا، وبالرغم من التطبيقات التكنولوجية الحديثة، على الهواتف المحمولة، التى أتاحت لنا رؤيتها فى كل دقيقة، وكأننا نعيش معها. وحصلت حفيدتى على تقدير امتياز فى عامها الجامعى الأول، وقبل أن تبدأ عامها الثانى، كانت الجامعة قد اختارتها لمنحة جديدة، لدراسة الماجستير بها، وحصلت، بالفعل، على الدرجة العلمية بتقدير امتياز، ورفضت استكمال الدكتوراه فى ألمانيا، وفضلت العودة إلى مصر، والعمل فيها، لتكتمل فرحة العائلة بها.
كانت تلك «قصة فرح»، التى لها، ولنا، من اسمها نصيب!
Email: sfarag.media@outlook.com
|