العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وهكذا يبقى السؤال عن مصير السلام فى العالم فى العام القادم.

عام جديد إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 26 ديسمبر 2024


أيام وتدق أجراس الفاتيكان،فى روما، وأجراس كنائس القدس فى أورشاليم، لإعلان بدء عام جديد، وهو العام الذى ينتظره الجميع على أمل أن تهدأ الأوضاع فى المناطق المشتعلة فى العالم، سواء فى وسط أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، أو فى الشرق الأوسط بين إسرائيل والعرب فى فلسطين وسوريا ولبنان واليمن. ولعل أبسط دليل على تعلق آمال العامة بالسلام،هو تكرار سؤالهم لمنجمى النجوم والأبراج والطالع، الذين ينشط عملهم، وظهورهم،فى بداية كل عام، عن موعد وكيفية حلول السلام فى العالم، بعدما كانت أسئلتهم، فى السنوات الماضية،تدور حول تطلعات المال والزواج والخطط والسفر والنجاح.وهو ما أكده أحدهم قائلاً إنه تمت استضافته سبع مرات، فى برامج إعلامية، كان السؤال المشترك فيها جميعاً، هو هل سيحقق الرئيس ترامب السلام، بعد توليه حكم الولايات المتحدة الأمريكية، يوم 20 يناير القادم، كما وعد فى حملته الانتخابية؟

لقد ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن كل شعوب العالم تتطلع للسلام، ولتغيير الواقع المرير الذى نعيشه كل يوم، ولاختفاء تلك المشاهد والصور الحزينة، والمؤذية، من شاشات التليفزيون، ومنصات التواصل الاجتماعى،لأهالى غزة المشردين بلا مأوى، وبلا ملبس، وبلا طعام، أو بالأحرى دون حياة. لقد عبرت معظم شعوب العالم، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، عن رفضها للإبادة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى على يد المحتل الإسرائيلى، ولا ننسى خروج مظاهرات من 80 جامعة أمريكية،لدعم أهالى غزة وأطفالها، ضد ويلات الاحتلال الإسرائيلى، فى سابقة تعد الأولى فى تاريخ الولايات المتحدة.

فى الحقيقة أن العالم لم يخل، يوماً، من الصراعات والحروب، إلا أن تأثيرها لم يمتد إلى بقية دول العالم،إلا فى السنوات الماضية،وهو ما أكدته من قبل، مراراً، بأننا نعيش فى عالم الأوانى المستطرقة، بمعنى أن ما يشهده إقليم ما، ينعكس صداه على العالم كله، مثلما حدث فى الحرب الروسية الأوكرانية، التى تبعد آلاف الأميال عن مصر، إلا أنها أثرت عليها، وعلى جميع دول العالم، باضطراب سلاسل إمداد القمح والذرة والزيت، وكذلك النفط، فانخفض المعروض، وبالتالى ارتفعت الأسعار. أما بالنسبة للحرب الجارية فى الشرق الأوسط، فهناك من يهمه استمرارها لعدة أسباب؛ أولها اليقين من أن توقفها يعنى مثول نيتانياهو أمام المحكمة، وترجيح حبسه، لاتهامه فى ثلاث قضايا فساد. أما السبب الثانى، فيكمن فى رغبة نيتانياهو فى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لمنعها من إنتاج السلاح النووى، وهو ما تتصدى له الولايات المتحدة الأمريكية، منذ عدة سنوات، وتحديداً منذ أيام حكم أوباما، الذى منع إسرائيل مرتين من الهجوم على المفاعلات النووية الإيرانية، مما دفعها للجوء لعمليات استخباراتية ضد علماء الذرة الإيرانيين، وكذلك اختراقها شبكة المعلومات النووية الإيرانية إلكترونياً، للحصول على معلومات وبيانات سرية، أو لتدميرها، وحرمان إيران من إنتاج القنبلة النووية،التى بدأتها منذ 18 عاماً، تحملت خلالها عقوبات اقتصادية صارمة من أمريكا والاتحاد الأوروبى والكثير من دول العالم، بتجميد ما يقرب من 150 مليار دولار، علاوة على قطع العلاقات التجارية معها.

إلا أننا نعلم حالياً، خاصة بعد تصريح وليام بيرنز، مدير الاستخبارات الأمريكية، أن إيران لديها القدرة على إنتاج القنبلة النووية فى غضون شهر، وهو ما يتسق مع التقديرات والتوقعات السابقة، التى أشارت إلى أن إيران ستنتج خمس قنابل نووية، فى بداية عام 2025، والتى يعنى صدقها فرض تغييرات فى إستراتيجية منطقة الشرق الأوسط، فى ضوء امتلاك إيران الصواريخ البالستية، القادرة على حمل تلك القنابل النووية، والتى يمكن أن تصل إلى إسرائيل، بل وتشير التقديرات إلى قدرتها على حمل الرءوس النووية عبر البحر المتوسط حتى جنوب أوروبا، وإن كان البعض يرجح أن إيران نجحت فى الفترة السابقة فى تطوير مدايات تلك الصواريخ لتغطى أوروبا بكاملها.

وفى ضوء ذلك، ففى حال قيام إسرائيل بشن أى هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، من شأنه دفع إيران لبدء عملياتها العدوانية ضد الشرق الأوسط كله، بضرب جميع القواعد الأمريكية فى المنطقة، واستهداف المناطق البترولية ومحطات التكرير، مثلما فعلت، منذ عدة سنوات، حينما ضربت حقول أرامكو بعدة صواريخ موجهة من اليمن، وكأنها كانت ترسل رسالة تنبيه لأمريكا بقدرتها على تهديد كل حقول البترول فى المنطقة، وكذا القوات الأمريكية فى المنطقة، التى يتمركز، معظمها، حالياً، فى مناطق غير جاهزة للقتال، علاوة على محدودية العناصر الموجودة فى كل القواعد، سواء من حيث التعداد أو المسئوليات، إذ يقتصر دورها على مهام الحفاظ على القاعدة العسكرية، والمخازن، والرادارات، وغير ذلك من المهام الإدارية.

وهو ما تدركه الولايات المتحدة الأمريكية وتعلم أن انخراطها فى أى عمليات قتالية، فى المنطقة، يستلزم عدة شهور لإعلان التعبئة، وإرسال القوات القتالية الرئيسية من أمريكا وأوروبا إلى الشرق الأوسط، وتجهيزها للقتال. كما تعى الولايات المتحدة سيطرة إيران على مضيق هرمز، الذى يمر من خلاله ثلثا حجم النفط من الخليج إلى أوروبا، والشرق الأوسط، واليابان، وكذلك سيطرتها على منطقة باب المندب، من خلال قوات الحوثيين، باليمن، الموالين لإيران، وهو ما يدفع أمريكا لتوخى الحذر.

وهكذا يبقى السؤال عن مصير السلام فى العالم فى العام القادم، خاصة أن ترامب، سيجلس على كرسى الحكم فى البيت الأبيض يوم 20 يناير القادم، وسط تطلعات العالم بأن يعم السلام بإذن الله.



Email: sfarag.media@outlook.com