العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لم يقتصر الأمر على ذلك، لأن تقويم السلوك لا يعتمد على الشقة النظيفة فقط، وإنما كان للثقافة دور ونصيب.

العشوائيات ليست مساكن فقط
 

لواء د. سمير فرج

 4 يناير 2025


خلال دراستى لدبلوم إدارة الأعمال فى الولايات المتحدة الأمريكية، تعلمت أصول العمل، الذى لا يعتمد على الفرد، وإنما على منظومة متكاملة، ينجح العمل بصلاحها، وهو ما كان أساس عملى فى الأقصر، عندما اعتمدت على خطة شاملة للتنمية لمدة 25 عاماً ، بما يتسق مع الخطة الموضوعة على مستوى الجمهورية، لتطوير مصر بحلول عام 2030.

وفى الأسبوع الماضى دعانى أحد أصدقائى، من القوات المسلحة، لزيارة حى الأسمرات، الذى أقامته الدولة لنقل الأسر المصرية من قاطنى المناطق العشوائية. ولا أظننى فى حاجة لشرح معنى المناطق العشوائية، التى تتكون معظم «منازلها»، إن جاز إطلاق لفظ منازل عليها، من حوائط وأسقف من الصفيح وجذوع النخيل، التى لا تحمى من برد أو مطر، ولا يوجد بها، بالطبع، صرف صحى، ولا مياه نظيفة، ولا كهرباء، إلا لو تم سرقتها من أعمدة الإضاءة المحيطة بالمنطقة.

كانت تلك المنازل تكتظ بقاطنيها من الأسر، مما جعلها بيئة خصبة لأفعالٍ وممارساتٍ غير سوية، فرضتها طبيعة العيش فيها، فصار نتاجها أسراً مهمشة، وأطفالاً غير أسوياء، عاشوا طفولة بائسة، ليكبر الكثير منهم مُحملين بأسوأ الصفات الأخلاقية، علاوة على الحقد على المجتمع، الذى عاشوا فيه عيشة غير آدمية.

وهنا جاءت الخطة المتكاملة، بألا يكون النقل إلى شقق جديدة، فحسب، فى عمارات الأسمرات، التى شُيدت خصيصاً لأجلهم، والتى يميزها نظافتها، ورقى وبساطة تشطيبها، وإنما أن يكون نقلهم لمجتمع متكامل، تتوافر به كافة احتياجاتهم من الحدائق، وملاعب الأطفال، والملاعب الرياضية، وهو ما شاهدته فى منطقة الأسمرات.

لم يقتصر الأمر على ذلك، لأن تقويم السلوك لا يعتمد على الشقة النظيفة فقط، وإنما كان للثقافة دور ونصيب، فتم بناء مكتبة أطُلق عليها اسم «ن السحار»، نسبة للكاتب الكبير الراحل عبد الحميد جودة السحار، يتم فيها تنفيذ دورات ثقافية لأطفال المنطقة، لتقويم وتعديل سلوكهم، ويتم فيها استقبال طلاب مدارس المنطقة والمناطق المجاورة لها.

كما تقدم المكتبة دوراتٍ فى الرسم، والفنون، والشعر، والقصص، والحاسب الآلى. شعرت بسعادة بالغة، داخل المكتبة، وأنا أتابع الأطفال الذين انتقلوا للأسمرات حديثاً، وقدرتهم على استخدام الكمبيوتر أو اللاب توب، وهم من لم يعرفوا تلك الأجهزة من قبل.

كما تعرفت على السيدة تهانى البرتقالي، إحدى السيدات العاملات فى الخدمة العامة، والتى فتحت فصولاً بالأسمرات لتعليم وتدريب الفتيات على فن الخياطة، وتمكنت خلال عام ونصف العام ، من تخريج أكثر من 150 فتاة، يعملن جميعاً من منازلهن، ويوردن إنتاجهن لكبرى المحلات، بعدما حصلت كل منهن على ماكينة خياطة هدية التخرج.

وهكذا ثبتت قدرة حى الأسمرات على تغيير حياة الأسر إلى الأفضل، وتقويم سلوك الأطفال ليكون كل منهم إضافة حسنة للمجتمع، بدلاً من أن يكونوا إضافة للسجون أو دور الإصلاح.



Email: sfarag.media@outlook.com