العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
تذكرت هذه الأيام، لأنه بعد رحيل عبدالناصر، لم يعطِ الرئيس السادات إفريقيا هذه الأهمية.
|
أخيرًا.. تعود مصر إلى إفريقيا
لواء د. سمير فرج
|
8 مارس 2025
|
من أهم ما قام به الرئيس جمال عبدالناصر خلال فترة حكمه، أنه أقام علاقات قوية مع إفريقيا، وكانت على أعلى المستويات فى جميع النواحى السياسية والعسكرية والاقتصادية. وكانت شركة النصر للاستيراد والتصدير لها مكتب فى كل بلد إفريقى، وكانت الصادرات المصرية إلى إفريقيا من أهم مصادر الدخل القومى لمصر. بل تدخلت مصر فى دعم حركات التحرير فى الدول غير المحررة.
أتذكر يومًا عندما كنت طالبًا فى كلية كامبرلى الملكية بإنجلترا، وكان معى طالب من نيجيريا، قال لى إن نيجيريا لن تنسى أبدًا فضل عبدالناصر فيما فعله عندما قام بعض الضباط النيجيريين فى إقليم بيافرا الغنى بالنفط بمحاولة الانفصال عن نيجيريا. لم يكن لدى نيجيريا فى ذلك الوقت جيش قوى يمكنه التصدى لهم، وبالفعل اتصل حكام نيجيريا بالرئيس عبدالناصر، فأرسل لهم أسرابًا من الطائرات القاذفة، التى قامت بالقضاء على هذه العناصر الانفصالية، وعاد إقليم بيافرا مرة أخرى إلى حضن الدولة الأم.
وخلال هذه الفترة أرسلت مصر خبراءها من المدرسين، ورجال الدين، وخبراء الرى والزراعة، إلى الدول الإفريقية. واستقبلت العديد من الطلاب الأفارقة فى معاهدها وجامعاتها... وعندما نمر اليوم على «مدينة البعوث» فى شارع صلاح سالم، يجب أن نتذكر أن هذه المدينة تم بناؤها، بالكامل، لاستقبال الطلبة الأفارقة، الوافدين للدراسة فى المنشآت التعليمية المصرية. كل هذه الأعمال زادت من تقارب المصريين والأفارقة؛ فكانت زيارة القاهرة، يومًا، حلمًا يراود الجميع فى إفريقيا، باعتبارها عاصمة التنوير والثقافة.
تذكرت هذه الأيام، لأنه بعد رحيل عبدالناصر، لم يعطِ الرئيس السادات إفريقيا هذه الأهمية. ثم جاء الرئيس مبارك، وبعد محاولة اغتياله فى أديس أبابا عندما كان ذاهبًا لحضور مؤتمر القمة الإفريقى، قرر سيادته الابتعاد تمامًا عن إفريقيا. وضاعت جهود عبدالناصر التى بذلها خلال الخمسينيات والستينيات.
فمصر، التى تعتبر أكبر دولة فى قارة إفريقيا، تأمل فى المستقبل القريب أن تحصل على العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، ممثلة عن قارة إفريقيا، وهو ما يستلزم جهدًا كبيرًا، يرقى إلى حد «المعركة السياسية» فى كواليس الأمم المتحدة. بل إن عليها استعادة قوتها، فى أفريقيا، التى كانت لها منذ أكثر من خمسين عاماً.
لذلك فكانت المشاركة فى مؤتمر القمة الإفريقية، هى أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس السيسى بعد توليه رئاسة الجمهورية. وتتابعت زيارات الرئيس السيسى إلى باقى دول إفريقيا وبدا جليًا أن الرئيس السيسى بدأ العمل على إعادة مصر إلى إفريقيا مرة أخرى. وأرى أن التحول المصرى إلى إفريقيا، فى الفترة القادمة، لابد أن يسير فى عدة اتجاهات:
الاتجاه السياسى من خلال وزارة الخارجية المصرية.. وأرى أن أول إجراءاتها يجب أن يتمثل فى عودة منصب وزير الدولة للشؤون الإفريقية... تلك الحقيبة التى حملها الدكتور بطرس غالى.. وأداراها باقتدار، مؤدياً إلى زيادة التواجد المصرى السياسى فى دول إفريقيا، دونما أدنى مساس بسيادة تلك الدول. فبتعيين وزير دولة لإفريقيا، ستزيد الاتصالات مع الدول والحكومات الإفريقية.. وسيتم دعم أوجه الاستثمار والتعاون المشترك مع الدول الإفريقية... فيجب على مصر المشاركة فى القضايا الهامة، التى تمس الأمن القومى لدول إفريقيا... إضافة إلى التعاون مع دول إفريقيا فى محاربة الإرهاب، خاصة بعد تولى مصر رئاسة إقليم شمال إفريقيا لمكافحة الإرهاب. واتصالًا بتلك الجهود السياسية والدبلوماسية، أقترح قيام الخارجية المصرية بعقد لقاء شهرى مع السفراء الأفارقة بالقاهرة، لتنسيق مطالبهم من مصر فى دعم قضاياهم من خلال عضوية مصر غير الدائمة فى مجلس الأمن.
الاتجاه الثانى.. أعتقد أن جميع الدول الإفريقية، باستثناء دولة جنوب إفريقيا، فى حاجة إلى دعم مصر.. معدات.. أو تدريب.. أو تعاون فى مجال المعلومات.. وغيرها.. المهم أن تتواجد مصر، بدعم لهذه الدول.. وأن تقطع الطريق على كل من إسرائيل وإيران للتواجد فى القارة!
الاتجاه الثالث، والأهم، وهو الاتجاه الاقتصادى.. حيث يجب التركيز على أن تكون الصادرات المصرية هى المدخل إلى قلب إفريقيا... وأن تكون الواردات المصرية من إفريقيا هى أحد العوامل المؤثرة فى اقتصادات تلك الدول. وأؤكد أن تلك الروابط الاقتصادية ستكون أقوى المؤثرات فى العلاقات مع الدول الأفريقية. فيجب عودة شركات النصر للاستيراد والتصدير لكافة الدول الأفريقية، فى كافة المجالات... وكذلك شركات المقاولات لإنشاء مشروعات قومية كبرى فى هذه الدول. إضافة إلى تقديم الخبرات المصرية عن طريق وزارتى الكهرباء والزراعة. ولقد كان إنشاء سد جوليوس نيريرى مؤخرا أكبر دليل على ذلك، فضلاً عن دعم صندوق التعاون الإفريقى.. كما أرجو أن تدرج المؤتمرات الأمريكية على الأجندة السنوية لمصر، لتصبح فرصة لمتابعة ما تم الاتفاق عليه فى أعوام سابق، وكيفية تنميته فى عام مقبل، وبهذا تصبح مصر هى المحرك الرئيسى للمحور الاقتصادى لكل الدول الإفريقية.
وأخيرًا، الاتجاه الثقافى، والذى لا يقل أهمية عن سابقيه.. فلا يجب إغفال دور الأزهر والكنيسة، لتدعيم العلاقات الدينية مع هذه الدول ذات الصبغة الإسلامية والمسيحية، على حد سواء. أما البعثات التعليمية، فعلى مصر العودة، مرة أخرى، لتوفير المنح الدراسية فى مصر لطلاب الدول الإفريقية، فى جميع المجالات العلمية. وأن يفتح معهد الدراسات الإفريقية أبوابه للمصريين والأفارقة مجددًا، لدراسة مشكلات القارة الإفريقية والوصول إلى أساليب حلها. يضاف إلى ذلك، فرص عديدة للتعاون فى مجالات الإعلام، والسينما، والثقافة بشكل عام، والتى تجذب إليها الشباب، وتشكل أفكارهم ووجدانهم؛ فيجب إقامة مهرجانات وفعاليات ثقافية، تجمع مصر مع كافة الدول فى إفريقيا. وفى سياق متصل، فإن اختيار (الكاف) الاتحاد الإفريقى لكرة القدم، لمقره فى القاهرة، ما يوضح أهمية مصر بالنسبة لإفريقيا على الصعيد الرياضى وذلك بتقديم التسهيلات المناسبة، سواء الأرض، أو المبانى، أو التنظيم، لكى تصبح مصر قلب القارة الإفريقية فى مجال الرياضة.
ومنذ أيام، قابلت الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء، وزير النقل. وحكى لى قصة عما يقوم به الرئيس السيسى حاليًا، لكى تعود إفريقيا إلى مصر. وطبقًا لقرارات الرئيس السيسى، فإن مصر سوف تنشئ شبكة طرق فى إفريقيا.
Email: sfarag.media@outlook.com
|