العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

حيث تم تدمير وإحداث أعطال فى أكثر من 40 طائرة، تمثل أفضل ما لدى روسيا فى «الثالوث النووى» الروسى الجوى والبحرى والأرضى.

شبكة العنكبوت الأوكرانية
 

لواء د. سمير فرج

 7 يونيو 2025


فى عملية مفاجئة لم يكن يتوقعها أحد، نفذت أوكرانيا أكبر هجوم بطائراتها المُسيّرة بدون طيار، نفذها جهاز الأمن الأوكرانى فى عمق الأراضى الروسية بتاريخ الأول من يونيو 2025م، حيث استهدفت العملية خمس قواعد جوية روسية فى عمق البلاد، حتى مسافة 4000 كم، وهى: بلايا، دياغيليفو، إيفانوفو سيفيرنى، أولينيا، أوكرينكا.

حيث تم تدمير وإحداث أعطال فى أكثر من 40 طائرة، تمثل أفضل ما لدى روسيا فى «الثالوث النووى» الروسى الجوى والبحرى والأرضى. وهى الطائرات التى تحمل القنابل النووية. ومن بينها طائرات قاذفة استراتيجية من طراز تو-95 إم إس، وتو-22 إم 3، وواحدة على الأقل من طراز إى-50 لتنسيق العمليات الجوية، كذلك طائرات «توبوليف 160 بلاك جاك» والتى تُعرف باسم «البجعة البيضاء» وقدرت الخسائر الروسية بحوالى 7 مليارات دولار.

وقد تمت مهاجمة هذه الأهداف بمُسيّرات من طراز «بيرقدار» التركية، وتم إخفاؤها داخل شاحنات كبيرة، تشبه تلك التى تحمل المعدات والمعونات الإنسانية إلى أهالى غزة، حيث تم إطلاق الطائرات المُسيّرة من داخل هذه الشاحنات ومن داخل الأراضى الروسية بالقرب من المطارات والقواعد الجوية الروسية المستهدف تدميرها الطائرات الموجودة داخلها.

وصفت هذه العملية بأنها أكبر عملية بمُسيّرات، بتاريخ الحرب الروسية الأوكرانية حيث شاركت فيها 117 طائرة مُسيّرة. ووفقًا لقيادة العمليات الأوكرانية، فإن التخطيط لهذه العملية استغرق عامًا ونصف، ولم يتم إبلاغ الولايات المتحدة بفكرتها أو حتى عند تنفيذها.

وقد قامت الفكرة على نقل كبائن خشبية تشبه المنازل الروسية، وتم تجميعها سرًا فى مستودعات فى منطقة بمقاطعة شيليا بنك. ومع ساعة الصفر، قام الأوكرانيون بتجهيز الكبائن، ووضع الطائرات المُسيّرة بداخلها، ثم انطلقت الشاحنات إلى مناطق الإطلاق، قُرب القواعد الجوية الروسية، مما يبرر عدم اكتشافها بالرادارات أو التعامل معها بوسائل الدفاع الجوى.

ويتساءل البعض: كيف لم يتم اكتشاف وتدمير هذه الطائرات المُسيّرة؟ الجواب هو أن التخطيط لإطلاقها تم من خلف وسائل عناصر الدفاع الجوى الروسى إس-400 وإس-500، لذلك كانت فكرة ذكية من الأوكرانيين بإطلاق المسيرات من خلف هذه الأنظمة، كذلك عدم استخدام الطائرات المُسيّرة نظام GPS لتحديد المواقع حتى لا تتعرض لأى تدخل من القوات الروسية.

أما كيف تعرّفت الطائرات المُسيّرة على أهدافها من الطائرات الروسية على الأرض؟ فلقد تم ذلك من خلال استخدام الذكاء الاصطناعى، حيث تم تركيب صورة لكل طائرة روسية مطلوب تدميرها حسب نوعها فى «عين» الطائرة المُسيّرة، فانطلقت الطائرة مباشرة إلى هدفها الروسى على الأرض، وفقًا للصورة المخزّنة داخلها.

وهكذا، أصابت الطائرة هدفها مباشرة دون أن تحيد، فلم تقم بتدمير مواقع صاروخية أو مخازن داخلية، بل كانت الضربات محدودة ودقيقة ضد الطائرة الهدف، وأصابت أهدافها بنجاح.

وبتحليل ما حدث فى هذا الهجوم، نجد أنه فى اليوم التالى، بدأت جميع مراكز الأبحاث العسكرية فى العالم بدراسة وتحليل هذه العملية، التى تُعد ثانى أكبر عملية عسكرية مفاجئة فى العالم بعد هجوم اليابان على الأسطول الأمريكى فى ميناء بيرل هاربر.

وتفيد التقارير الأولية بأن روسيا، خلال ثلاثة أعوام من الحرب، كانت تستخدم المُسيّرات بكميات كبيرة ومنخفضة التكاليف، بهدف استنزاف الدفاعات الأوكرانية والتأثير على الروح المعنوية للجيش والشعب. أما أوكرانيا، فاستراتيجيتها كانت قائمة على ضرب أهداف عالية القيمة، ما جعل الضربات موجعة للقوات روسية.

فى المقابل، تستخدم روسيا حاليًا مُسيّرات «شاهد» الإيرانية، والتى يتم تصنيعها بأعداد كبيرة داخل روسيا، وبالتالى فإنها تستنزف الدفاعات الجوية الأوكرانية.

وأكدت معظم مراكز الدراسات الاستراتيجية فى العالم أن المُسيّرات سيكون لها دور رئيسى فى المستقبل، حيث إن هذه الطائرات التى لا تتعدى تكلفتها بضعة آلاف من الدولارات، تؤدى نفس المهام التى تقوم بها طائرات الشبح، والتى تتكلف ملايين الدولارات.

ومن هنا، تمنح الطائرات هذه المُسيّرة القوة للدول غير القادرة عسكريًا، لتصبح لها قوة جوية تنفذ المهام التى تقوم بها القوات الجوية للدول الكبرى.

ولقد تناولت فى الأسابيع الماضية عدة مقالات حول استخدام الذكاء الاصطناعى فى المجال العسكرى، وكان البعض يشكك، فى أهمية استخدام الذكاء الصناعى عسكريا لكن ما ذكرته تحقق فى هذه الضربة الأوكرانية ضد «الثالوث النووى» الروسى.

ويُعد أهمية استخدام الذكاء الاصطناعى فى تحديد الأهداف بدقة غير مسبوقة، فبدلًا من الاعتماد على الطيارين أو التوجيه التقليدى، اصبحت الطائرات تتعرف على أهدافها بصريًا وتنفذ المهام بدقة عالية وهذا يُظهر إلى أى مدى أصبح الذكاء الاصطناعى جزءًا لا يتجزأ من أدوات القتال المعاصرة.

وأعتقد أن جميع مراكز الدراسات الاستراتيجية لقوات الدفاع الجوى فى العالم ستقوم بتحليل هذا الهجوم، بهدف فهم نقاط القوة والضعف فى استخدام هذه المُسيّرات، وأسلوب تخطيطها لتفادى وسائل الدفاع الجوى وخاصة الرادارات.

أما على الطرف الآخر، فإن هناك تطويرًا قادمًا فى عالم المُسيّرات، سواء فى التسليح أو الاستخدام، خاصة مع ما ذكرته الأنباء مؤخرًا عن قيام الصين بتصنيع طائرة ضخمة تحمل 400 طائرة مُسيّرة تُطلقها دفعة واحدة من الجو ضد أهداف معادية. وفى الوقت ذاته، تطير معها طائرات تشويش للتعامل مع الرادارات المعادية، ومواقع الليزر، التى تُستخدم ضد هذه المسيرات.

وعلى أى حال، سيشهد العالم فى الفترة القادمة تطورًا كبيرًا فى أسلوب استخدام المُسيّرات، وأساليب التصدى لها من قِبل الدفاعات الجوية، واكتشافها والتعامل معها.

وهكذا، فإن العلم والتكنولوجيا هما من سيقود الفكر العسكرى فى الأعوام القادمة.



Email: sfarag.media@outlook.com