العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وبالرغم من قسوة المفاجأة، ومرارة الهزيمة، إلا أن القوات المسلحة المصرية، شهدت نهضة كبيرة بعد 67 استعداداً لتحرير سيناء... وكان للقوات الجوية نصيب كبير من هذا التطور.
|
القوات الجوية... ما بين يونيو 67 وأكتوبر 73
لواء د. سمير فرج
|
12 أكتوبر 2017
|
تلقت القوات
الجوية المصرية ضربة قاصمة فى يونيو 67... لتصبح أكثر أفرع قواتنا المسلحة
تضرراً فى هذه الحرب... وذلك بعدما أقنع الخبراء السوفييت، الرئيس جمال
عبد الناصر، بألا يبادر بشن هجوم على العدو الإسرائيلي... فما كان من قوات
العدو إلا أن بدأت هجومها، فى صباح الخامس من يونيو 1967، بمهاجمة المطارات
المصرية، وتمكنت، للأسف، من تدمير نحو 75% من أسطول الطائرات المصرية،
الرابضة على أرض الممرات، دونما مقاومة من المقاتلين المصريين، إلا من بعض
المحاولات الفردية، التى لم تُكبد العدو ما يستحقه من خسائر.
وبالرغم من قسوة المفاجأة، ومرارة الهزيمة، إلا أن القوات المسلحة
المصرية، شهدت نهضة كبيرة بعد 67 استعداداً لتحرير سيناء... وكان للقوات
الجوية نصيب كبير من هذا التطور... كان منه، على سبيل المثال، إنشاء مطارات
جديدة، بدلاً لتلك التى أصبحت فى مرمى نيران قوات العدو الإسرائيلية، فى
منطقة القناة... كما تم بناء دشم خرسانية لكل الطائرات المصرية، بعدما كان
نقصها، أحد العوامل الرئيسية لخسارة ذلك العدد الكبير من الطائرات فى يونيو
67... كما تم تطوير وتحديث أجهزة الرادارات... وضم الطائرات السوفييتية
الحديثة إلى الأسطول الجوى المصري، بالرغم من التواضع النسبى لإمكاناتها،
مقارنة بطائرات الفانتوم، والسكاى هوك الأمريكية اللتين يعتمد عليهما سلاح
الطيران الإسرائيلي.
لم يكن التطور الذى شهدته القوات الجوية المصرية، مقصورا على الأسلحة
والمعدات، فحسب، وإنما امتد ليشمل المقاتلين المصريين... ولا ننكر فضل
العميد/ محمد حسنى مبارك، مدير كلية الطيران، آنذاك، فى إعداد جيل جديد من
الطيارين المصريين، ذلك الجيل الذى جدد دماء القوات الجوية المصرية، ووصلت
نسبة الطيارين للطائرات إلى 1:1، بمعنى طيار لكل طائرة، وهو ما لم نكن لنصل
إليه لولا البرنامج المكثف الذى أعده أثناء رئاسته للكلية... كما لا ننكر
أفضال قادة القوات الجوية، خلال حرب الاستنزاف وحتى أكتوبر 73، وما وضعوه
من خطط وبرامج لتدريب قواتنا الجوية على أحدث تقنيات القتال الجوي، وعلى
الطيران على مستويات منخفضة، لتجنب الدفاع الجوى الإسرائيلي... فضلاً عن
تنظيم درجات استعداد الطيارين المصريين، فى المطارات، للتصدي الفوري، لأى
هجوم مفاجئ من القوات الإسرائيلية... كما تم إعداد وتدريب عناصر المهندسين
بالمطارات، على سرعة إصلاح الممرات، فى حالة هجوم قوات العدو.
وجاء يوم السادس من أكتوبر... وفى تمام الساعة الثانية ظهراً... بدأت
قواتنا المسلحة هجومها على العدو الإسرائيلي، باستخدام قواتها الجوية
أولاً... فانطلق ما يزيد على مائتى مقاتلة مصرية، من عشرين قاعدة جوية
مختلفة، تطير على ارتفاع منخفض، تحت مستوى الرادار، متفادية جميع الدفاعات
الإسرائيلية... وتمكنت جميعها من عبور قناة السويس فى دقيقتين ونصف الدقيقة
ونجحت خلال خمس عشرة دقيقة، هى مدة الضربة الجوية الأولي، أن تصيب جميع
أهدافها، وعددهم خمس وثلاثون، كان منهم تدمير مركز القيادة الإسرائيلى فى
أم مرجم، ومركز الإعاقة والشوشرة، وثلاث ممرات رئيسية وأخرى فرعية، كما
قامت، أيضاً، بتدمير عشرة مواقع بطاريات صواريخ، وموقعى مدفعية ميدان، وعدد
من مراكز الإرسال الإسرائيلية.
تحول تركيز القوات الجوية، بعد نجاح الضربة الأولي، إلى مساندة القوات
البرية والبحرية فى تنفيذ مهامها، فقامت التشكيلات الجوية بتنفيذ عدد من
الطلعات الجوية، لتوفير الغطاء الجوى لتلك القوات، ومنع طيران العدو من
تنفيذ أى هجوم ضدهما، ونجحت المقاتلات المصرية، بالفعل، فى منع القوات
الجوية الإسرائيلية من التدخل ضد أى من قواتنا البرية أو البحرية... كما
انطلقت المروحيات تحمل عناصر الصاعقة المصرية إلى عمق سيناء، لتمنع
احتياطيات العدو الإسرائيلى من التقدم للقضاء على قواتنا التى عبرت قناة
السويس تحت حماية المظلات الجوية.
وجاءت «معركة المنصورة» يوم الرابع عشر من أكتوبر 1973، التى تعد، حقاً
وصدقاً، فخراً للقوات الجوية المصرية، فاستحقت أن تُخلد، باعتبار ذكراها
عيداً سنوياً للقوات الجوية... تلك المعركة التى دارت فى سماء مدينة
المنصورة، لمدة ثلاث وخمسين دقيقة، كأطول وأكبر المعارك الجوية فى التاريخ
العسكرى الحديث... وذلك عندما حاولت طائرات العدو الإسرائيلى مهاجمة قواعد
الطائرات المصرية فى دلتا النيل، باستخدام نحو 120 مقاتلة، فقابلتها 60
مقاتلة من الجانب المصري... وتم خلال المعركة استخدام أحدث تكنولوجيا العصر
من الحرب الإلكترونية من كلا الطرفين... وبالرغم من التفوق العددى والتقنى
لطائرات العدو، إلا أن قواتنا الجوية حققت نصراً كبيراً فى تلك المعركة،
التى انتهت بتكبيد العدو خسارة 18 طائرة، مقابل خسارة 5 طائرات من الجانب
المصري، منهما اثنتان فقدتا نتيجة نفاد الوقود، وأخرى آثر قائدها ألا يقفز
منها بالمظلة وتركها لتحترق، بعد نفاد وقودها، قبل أن يكبد العدو المزيد من
الخسائر؛ فالتحم بإحدى طائرات العدو، وأسقطها، قبل أن يلاقى ربه، كواحد من
شهداء مصر الأبرار.
واليوم... تُدرس «معركة المنصورة الجوية» فى جميع الكليات والمعاهد
العسكرية حول العالم، كمثل أعلى لأساليب القتال الجوى فى العصر الحديث...
مع إبراز الدور الكبير الذى قام به الموجهون الجويون المسئولون عن متابعة
الطائرات على شاشات الرادارات، وتوجيهها إلى أهدافها، فى ظل تشويش العدو
على رادارات الطائرات المصرية... كما لفتت، هذه المعركة، الانتباه، إلى
كفاءة الأطقم الفنية للقوات الجوية فى المطارات فى إعادة تزويد المقاتلات
بالوقود، وإعادة تركيب الذخائر فى وقت قياسي، بما يسمح لها بالعودة سريعاً
لاستئناف المعركة.
وهكذا سجل التاريخ العسكري، الدور المشرف الذى قامت به القوات الجوية
المصرية فى حرب أكتوبر 73، اعتماداً على كفاءة طياريها، وحسن إدارة
إمكاناتها، فى ظل التواضع النسبى لطائراتها الميج والسوخوي، أمام الأسطول
الجوى الإسرائيلى بطائراته الفانتوم والسكاى هوك... لتتغير الصورة تماماً
منذ حرب يونيو 67 حتى نصر أكتوبر 73 العظيم.
Email: sfarag.media@outlook.com
|