العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فقد كانت تلك أول مرة تنطق فيها إسرائيل لفظ «الهزيمة»، وهى ما وصفتها صحيفة معاريف الإسرائيلية بأنها الكلمة التى أحدثت زلزالاً، هز كيان المجتمع الإسرائيلى بأسره.. وقد أدى هذا المؤتمر إلى إعلان واشنطن بدء الجسر الجوى إلى إسرائيل.
|
لجنة أجرانات فى إسرائيل بعد 46 عامًا
لواء د. سمير فرج
|
12 أكتوبر 2019
|
وقد فسر المحللون العسكريون ذلك المؤتمر الصحفى، وإعلان هزيمة إسرائيل، بأنه كان ذريعة تسوقها إسرائيل لتبرير خطتها بشن ضربة نووية، ضد جيشينا الثانى والثالث، بقنبلة ذرية تكتيكية، لمنع تقدم القوات المصرية نحو العمق فى سيناء.
والواقع أن هذا المؤتمر الصحفى أحدث صدمة كبيرة فى إسرائيل، فقد كانت تلك أول مرة تنطق فيها إسرائيل لفظ «الهزيمة»، وهى ما وصفتها صحيفة معاريف الإسرائيلية بأنها الكلمة التى أحدثت زلزالاً، هز كيان المجتمع الإسرائيلى بأسره.. وقد أدى هذا المؤتمر إلى إعلان واشنطن بدء الجسر الجوى إلى إسرائيل.
وكان لابد أن تتحرك دولة إسرائيل إزاء ما حدث باتخاذ إجراء قانونى استنكارًا للهزيمة الفادحة التى ألمت بهم. تم، على الفور، فى نوفمبر 1973، تشكيل لجنة لتقصى الحقائق، برئاسة رئيس قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا آنذاك، شيمون أجرانات، وعُرفت باسم «لجنة أجرانات»، إلا أن صحف المعارضة الإسرائيلية أطلقت عليها اسم «لجنة التقصير»، مطالبة إياها بمعرفة وإعلان أسماء المقصرين فى هذه الحرب، بما أدى لإعلان هزيمة إسرائيل.
ظل اسم «لجنة أجرانات» هو الاسم الرسمى المعمول به فى أروقة السياسة والكنيست والإعلام، وفى إبريل من عام 1974، أى بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب، أصدرت اللجنة تقريرها المبدئى الأول، فى 40 صفحة، وكان تقريراً عاماً، لا يتضمن رصداً للوقائع، وإنما ركز على إجراءات اللجنة، ومنهجها المنتظر للوصول إلى الحقائق، وتمت إتاحة هذا التقرير، الأوّلى، للرأى العام.
وفى يوليو 74، أصدرت اللجنة تقريرها الثانى، فى 423 صفحة، حاملاً خاتم «سرى للغاية»، فلم يُتح للعامة، حتى إنه لم يُعرض على مجلس الوزراء، أو الكنيست، واكتفت اللجنة بالسماح بنشر 6 صفحات منه، تحمل الخطوط العامة لمحتواه.
فى يناير 1975، أصدرت «لجنة أجرانات» تقريرها النهائى، فى 1511 صفحة، وحُظر نشره تمامًا، حتى نجحت جريدة معاريف الإسرائيلية، فى عام 1995، بالحصول على موافقة المحكمة العليا بنشر التقرير، بعد عامين كاملين من مطالبتها بالنشر، وصدر قرار المحكمة العليا شاملًا حذف 48 صفحة من التقرير، تخص دور الموساد الإسرائيلى فى هذه الحرب. وبالرغم من قرار المحكمة العليا إلا أن تقرير «لجنة أجرانات» لم يُنشر منه إلا عناوين عامة بشأن الجهات المقصرة فى حرب أكتوبر 1973.
عادت هذه اللجنة، مرة أخرى، إلى الأضواء، فى عام 2007، بعرض تفصيلات أخرى، ولكن ليس التقرير بالكامل، قبل أن تُشرع إسرائيل قانونًا، يحظر نشر أى وثائق خاصة بحرب 73، قبل ثلاثين عامًا من تاريخ الحرب.
وفى 2013، تم نشر نصوص بعض المحادثات، التى تمت بين رئيس الوزراء، وبعض القادة والضباط فى الجيش الإسرائيلى، إبان حرب أكتوبر 73، ورغم ذلك، لم تُتح معرفة تفاصيل التقرير النهائى لهذه اللجنة، وهو ما دفع وسائل الإعلام الإسرائيلية، حتى يومنا هذا، لتوجيه انتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية، للضغط عليها لإعلان أسماء الجهات والأشخاص المقصرين فى هذه الحرب، وإن كانت معظم أصابع الاتهام تشير إلى المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وفشلها فى الحصول على معلومات عن خطة مصر لشن تلك الحرب، فى ذلك اليوم.
وترتفع الأصوات الإسرائيلية، متسائلة: هل تأخرت جولدا مائير، وموشيه ديان فى استدعاء قوات الاحتياط؟ وهل هناك تقصير من رئاسة الأركان فى خطة الدفاع عن سيناء؟ وما هى حقيقة الصراع على الجبهة المصرية بين الجنرال جونين، قائد الجبهة المصرية، وبين قادة اللواءات المدرعة؟ وكيف تدخل الجنرال شارون فى الحرب، دون إبلاغ قيادة الجبهة؟ وغير ذلك من مئات الاسئلة والاستفسارات التى تحاول الحكومة الإسرائيلية إسكاتها، فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن تقصير الجيش الإسرائيلى فى هذه الحرب، ولم يجد أحد لها إجابة حتى الآن.
ولعل أهم قرارات «لجنة أجرانات» هو عزل رئيس الأركان الإسرائيلى، ديفيد أليعازر، من منصبه، والتوصية بعدم توليه أى مناصب رسمية فى إسرائيل، بعد تقاعسه فى استدعاء الاحتياطى. وحتى الآن، لم تُعلن إدانة مجلس الوزراء، سواء لرئيسته جولدا مائير، أو لوزير الدفاع موشيه ديان. وسيظل المجتمع الإسرائيلى يسأل ويسأل عن أسباب الهزيمة.
ورغم مرور 46 عامًا على هزيمة إسرائيل، لم تظهر حتى الآن نتائج لجنة أجرانات للعالم، لكننى واثق تمامًا أنها سوف تظهر فى يوم من الأيام لتؤكد للجميع أن النصر الذى حققه الجيش المصرى كان نصرًا عظيمًا على دولة إسرائيل.
Email: sfarag.media@outlook.com
|