العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ومع كل هذه الأحداث فإن الشارع المصرى يسأل: لماذا هذا الموقف السودانى في مشكلة سد النهضة ضد مصر؟! حيث إن مصر منذ الأزل تعتبر الشعبين المصرى والسودانى شعباً واحداً، حيث يعيش بيننا خمسة ملايين سودانى وصلوا مصر أيام التكامل بالبطاقة الشخصية وبلا جوازات سفر أو إقامة.
|
سد النهضة وسط أزمة الكورونا
لواء د. سمير فرج
|
19 مارس 2020
|
وسط كل المخاوف والقلق الذي يعتصر قلوب المصريين من توتر وإجراءات احترازية من فيروس كورونا المستجد، وتزايد أرقام الإصابة ليس في مصر فقط بل في العالم كله، حيث بدأ الشارع المصرى يشعر بتعاظم هذا الخطر، وبدأ باتخاذ الاحتياطيات اللازمة للتصدى له واضعاً نصب عينيه أننا نحن لسنا أقل من الصين، والشعب الصينى الذي أعطى مثالاً للعالم كله وأصبح هناك مقولة «الدرس الصينى» «The Chinese Lesson» ووسط كل هذه الأحداث التي تعصف بالعالم ومن بينها مصر، فإننى أرى أن القضاء على فيروس كورونا أمر قد يستمر عدة شهور، وسبق لمصر أن مرت بالعديد من هذه الأزمات مثل مرض الكوليرا وإنفلونزا الطيور والخنازير، وقد انتهت كلها، وظلت مصر دولة قوية بفضل تماسك شعبها وإدارته.
وأنا واثق أنه بإذن الله سوف تنتهى أزمة الفيروس بفضل حكمة الإدارة المصرية في التعامل مع هذه الأزمة وتماسك الشعب المصرى العظيم، ورغم كل هذه الظروف فإننى أرى أن هناك أزمة خطيرة على مصر ومستقبلها وهى أزمة مياه نهر النيل ومشكلة سد النهضة والتى قد تؤثر على مصر وشعبها وحياتها في السنين القادمة ليس فقط لهذا الجيل ولكن للأجيال القادمة، حيث جاء التعنت الإثيوبى مؤخراً بعد سنوات طويلة من الاجتماعات واللقاءات والمباحثات ليعطى أبعاداً جديدة للأزمة..
.. وأعتقد أننى كنت من أكثر المتفائلين عندما طلبت مصر إدخال وساطة الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى، ولكن للأسف جاء انسحاب إثيوبيا من المرحلة الأخيرة ورفض السودان التوقيع على مسودة الاتفاق التي قامت مصر بالتوقيع عليها لإثبات حسن النوايا.
ولكن يبدو أن الحكومة الإثيوبية وجدت نفسها مطالبة بتطبيق القانون الدولى وإعطاء مصر حقها طبقاً لقانون الأمم المتحدة، ومن ثم قررت الانسحاب بصورة لم يتوقعها الجميع، بل أعلنت أن الولايات المتحدة تقف مع الجانب المصرى في هذا النزاع، وأقول إنه منذ بداية تولى أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، مهام منصبه فقد قام على الفور بتوقيع معاهدة سلام مع إريتريا بعد حرب طويلة استمرت عشرين عاماً، وكان الهدف من وراء ذلك كله التفرغ للمشكلة الكبرى وهى الصراع مع مصر بشأن سد النهضة، كذلك قام بالإفراج عن مئات السياسيين من المعارضة الإثيوبية لتوحيد الصف وتهيئة الأجواء الداخلية من أجل استكمال بناء سد النهضة، بل وقف بنفسه في البرلمان الإثيوبى قائلاً إن بلاده مستعدة لخوض الحرب ضد مصر رغم أن مصر لم تتحدث أبداً عن أية حروب، وكانت التصريحات المصرية دائماً أننا نرى ضرورة استمرار التفاوض للوصول إلى حل سريع للأزمة.
كذلك قام أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، مؤخراً، في محاولة لاستفزاز الشعب هناك، بإعلان أن البنك الدولى سيرفض استكمال تمويل السد بعد فشل محادثات واشنطن وتحيزها للجانب المصرى، وطلب من الشعب الإثيوبى الاكتتاب لتمويل استكمال بناء السد. كل هذه الإجراءات جاءت لإثارة الشعب الإثيوبى ضد مصر، بل قام بإرسال بعثات دبلوماسية للدول الأوروبية لشرح وجهة النظر الإثيوبية تحسباً لما تفعله مصر حالياً من قيام وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بعد جولته في دول الخليج والدول الأوروبية وحالياً يستكمل جولته في الدول الإفريقية لشرح وجهة النظر المصرية وأحقية مصر في نصيبها العادل طبقاً لقانون الأمم المتحدة في مياه النيل.
ومع كل هذه الأحداث فإن الشارع المصرى يسأل: لماذا هذا الموقف السودانى في مشكلة سد النهضة ضد مصر؟! حيث إن مصر منذ الأزل تعتبر الشعبين المصرى والسودانى شعباً واحداً، حيث يعيش بيننا خمسة ملايين سودانى وصلوا مصر أيام التكامل بالبطاقة الشخصية وبلا جوازات سفر أو إقامة، وأصبحت هذه العائلات السودانية تشاركنا في مصر في التعليم والصحة وحتى الدعم الذي يحصل عليه الشعب المصرى، ولكن للأسف خلال الثلاثين عاماً الماضية نجح البشير الإخوانى الهوية والفكر وهو امتداد لفكر حسن الترابى الإخوانى في خلق نوع من العداء لدى الشعب السودانى تجاه مصر، بل وصل الأمر لإقناع الشعب السودانى بأن سد النهضة لصالح السودان مياهاً وكهرباء، فهو سينظم تدفق مياه نهر النيل للسودان، وأن إثيوبيا ستعطى الكهرباء مجاناً للسودان أو بأسعار زهيدة للغاية تضامناً معهم، لذلك أصبح علينا الآن واجب يصل لحد الضرورة وهو إقناع الإخوة في السودان بأن الاتفاق مع الإثيوبيين سيحقق الخير لنا ولهم، خاصة أن إثيوبيا قد قامت بتعلية ارتفاع السد من 95 مترا حيث كان يحقق تخزين 15 مليار متر مكعب ليصبح ارتفاعه الآن 145 متراً ليحقق تخزين 75 مليار متر مكعب من المياه، هذه التعلية جاءت بدون أي حسابات هندسية جديدة، وهذا ما طلبته مصر أن يكون بإشراف لجنة عالمية متخصصة لمراجعة الإنشاء الهندسى بعد تعلية السد لأنه في حالة انهيار السد سيكون السودان أول المتضررين، بل يقال إن الخرطوم نفسها سوف تغرق تماماً، من هنا فإنه لابد أن تكون لمصر وقفة جادة تجاه سد النهضة، خاصة بعد ما أعلنه رئيس وزراء إثيوبيا أبى أحمد أنه سيقوم بالبدء في عملية تخزين المياه اعتباراً من شهر يونيو القادم، متجاهلاً كل ما جرى من مباحثات حتى بعد تصريح وزير الخزانة الأمريكى الذي كان يدير المحادثات في واشنطن من أن إثيوبيا لن تبدأ مرحلة الملء إلا بعد التوقيع.
ومن هنا أقول إن القيادة السياسية تدير هذه الأزمة بشكل متوازن بالفعل مع كل الأطراف وخصوصاً بعد زيارة الوزير عباس كامل، مدير المخابرات العامة المصرية، للخرطوم، ثم وصول النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى الفريق أول محمد حمدان دقلو إلى مصر للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكن المطلوب هنا تكاتف الظهير الشعبى في مصر خلف قيادته لإظهار أن الشعب المصرى لن يقبل المساس بحصته القانونية والتاريخية من مياه النيل.. ومن هنا يجب أن تقوم العديد من المبادرات الشعبية المصرية لدعم القيادة السياسية ولإظهار غضب الشعب المصرى وعدم موافقته على إجراءات إثيوبيا ليس فقط في مصر ولكن في باقى الدول في الخليج وأوروبا وإفريقيا. إن مشكلة مياه نهر النيل أصبحت مشكلة حياة أو موت للشعب المصرى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|