العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
لذلك قام السادات بطرد الخبراء الروس من مصر وأنه يضع الآن مصير الموقف المصري مع إسرائيل في يد الإدارة الأمريكية وبالطبع نقل كيسنجر ذلك الموقف للإدارة الإسرائيلية التي بدأت تقتنع استحالة مصر للقيام بعملية هجومية نظراً لرفض السوفييت امداد مصر بأسلحة هجومية كذلك كانت كل مقارنات القوات من الأسلحة والمعدات تميل الي كفة إسرائيل التي كانت متفوقة علي مصر من ناحية الاعداد من الأسلحة والمعدات وكذلك نوعية الأسلحة.
|
كيف نجحت مصر في تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجي في حرب 73
لواء د. سمير فرج
|
8 أكتوبر 2020
|
مع كل التطور في أجهزة المعلومات وعناصر الاستطلاع في العصر الحديث استطاعت مصر في حرب 73 أن تخدع إسرائيل عن توقيت وتنفيذ حرب أكتوبر رغم ظهور الأقمار الصناعية وأجهزة التصنت والتجسس وكافة الوسائل والأساليب الحديثة حيث كانت إسرائيل تعتقد أنها لن تنخدع أمام تجهيزات أو تحضيرات بقيام المصريين بتنفيذ عمليات هجومية لاقتحام قناة السويس واسترداد سيناء وتدمير خط بارليف.
فلقد كانت تحصينات خط بارليف الدفاعية تعتبرها إسرائيل خط دفاعي منيع مثل خط ماجينو الذي بناه الفرنسيين أمام الالمان لمنعهم من الهجوم علي فرنسا لذلك قام الالمان باختراق فرنسا من اتجاه غابات الأردين في بلجيكا للوصول الي عمق فرنسا دون مهاجمة الدفاعات الفرنسية علي خط ماجينو لذلك كان هذا أول اطمئنان للإسرائيليين أن المصريين لن يستطيعوا اقتحام خط بارليف أو حتي مجرد الالتفاف من حوله.
والنقطة الثانية أن القيادة الإسرائيلية كانت متأكدة تماماً أن حجم الهزيمة التي تلقاها الجيش المصري في حرب الأيام الستة في 67 قد قهرت الجيش المصري وأصبح الجندي المصري لا يصدق أنه من الممكن أن يقاتل جيش الدفاع الإسرائيلي مرة أخري وينتصر عليه.
وهكذا مرت ستة سنوات بعد هزيمة 67 واطلق علي هذه الفترة حرب الاستنزاف حاول فيها الجيش المصري تدمير خط بارليف بنيران المدفعية لكن هذا الأسلوب لم يحقق النتائج المطلوبة وفي هذه الفترة اطلق عليها فترة اللا سلم واللا حرب حيث أعلن الرئيس السادات أن العام القادم هو عام الحسم للهجوم ولكنه تراجع ولم ينفذه لذلك جاء الانطباع عند القيادة الإسرائيلية أن السادات لن يغامر ويتخذ قرار الحرب وهو يعلم تماماً استحالة هزيمة الجيش الإسرائيلي واقتحام خط بارليف.
لذلك عندما قرر الرئيس السادات شن الحرب علي إسرائيل واقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف بالتعاون مع الجيش السوري في الشمال وكان ذلك في صيف عام 72 عندما تقابل السادات مع حافظ الأسد في الإسكندرية وابلغه بميعاد الهجوم وهو السادس من أكتوبر 73 العاشر من رمضان.
ومع البدء في تجهيز العملية الهجومية لاقتحام قناة السويس والتي اطلقت عليها مصر خطة جرانيت المعدلة كان هناك خطة أخري مكملة لخطة الهجوم وهي خطة الخداع الاستراتيجي وكان مسؤولاً عنها العقيد مهندس أحمد نبيه أحد ضباط فرع التخطيط في هيئة العمليات المسؤولة عن اعداد خطة الهجوم في أكتوبر 73 وكانت أولي مبادئي التنسيق بين العقيد أ ح أحمد نبيه المسؤول عن خطة الخداع والعقيد صلاح فهمي المسؤول عن تحديد توقيت الهجوم.
لذلك كانت أولي عناصر خطة الخداع الاستراتيجي أن الهجوم سوف يتم في العاشر من رمضان وهو شهر ديني عند المصريين أشتهر فيه المصريين بالكسل والخمول لذلك كانت أحد الأسباب التي سوف تخدع الجانب الإسرائيلي لأنه لن يقتنع بقيام المصريين بتنفيذ عملية هجومية واسعة في شهر رمضان.
وجاءت الفكرة الثانية من خطة الخداع علي المستوي السياسي بقيام الرئيس السادات بإرسال مندوبين وزير الخارجية المصري ومستشاره للأمن القومي أحمد حافظ إسماعيل بالذهاب الي الولايات المتحدة ومقابلة وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت هنري كسنجر وابلاغه أن مصر تطلب منه التدخل لأنهاء حالة اللا حرب واللا سلم وأن يقترب من الجانب الإسرائيلي لإقناعهم بضرورة التفاوض لحل المشكلة وكانت نبرات حافظ إسماعيل مع كيسنجر توصي بأن مصر لا ترغب في القتال خاصة وأن السوفييت منعوا امداد مصر بأسلحة هجومية.
لذلك قام السادات بطرد الخبراء الروس من مصر وأنه يضع الآن مصير الموقف المصري مع إسرائيل في يد الإدارة الأمريكية وبالطبع نقل كيسنجر ذلك الموقف للإدارة الإسرائيلية التي بدأت تقتنع استحالة مصر للقيام بعملية هجومية نظراً لرفض السوفييت امداد مصر بأسلحة هجومية كذلك كانت كل مقارنات القوات من الأسلحة والمعدات تميل الي كفة إسرائيل التي كانت متفوقة علي مصر من ناحية الاعداد من الأسلحة والمعدات وكذلك نوعية الأسلحة.
لذلك أصبح هذا العامل يؤكد علي أن مصر أصبحت لا تفكر بالقيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل لأنها تعلم مقدماً أن قوة إسرائيل العسكرية أكبر من قوة الجيش المصري وكان إعلان الرئيس السادات من قبل أنه سيقوم بعملية هجومية ضد إسرائيل بل اطلق عليها عام الحسم ثم تراجع عنها كل ذلك اعطي إسرائيل الانطباع أن السادات اعلن ذلك لتهدئه الرأي العام في مصر وخاصة مظاهرات طلبة الجامعات التي كانت تنادي بالحرب لاستعادة سيناء.
لذلك من كل الأحداث السياسية تولدت القناعة للقيادة الإسرائيلية أن السادات لا ينوي القيام بأي عمليات هجومية وتلك كانت أكبر خدعة قدمتها مصر من الناحية السياسية واقنعت إسرائيل بذلك.
أما علي المستوي العسكري علي جبهة القتال كانت هناك أكبر مشكلة وهي إخفاء نية التجميع القتالي للعملية الهجومية وخاصة تجميع الخمس كباري حيث كانت اعداد العربات المحملة ببراطيم الكباري كبيرة للغاية وكان من الصعب اخفاؤها من أعين الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع لذلك تم وضعها في أماكن غرب القناة تحت ستر المناطق الزراعية بحيث يتم دفعها مباشرة في اتجاه القناة مع بدء الهجوم يوم السادس من أكتوبر كذلك كانت هناك خطة لخداع نقاط المراقبة الإسرائيلية علي الخط الأول حيث تم تكوين مجموعات الكسل التي كانت مهمتها نشر بطاطين الجنود صباح يوم الهجوم لتتسلط عليها الشمس وهو اجراء روتيني كان يتم في الجبهة في الأيام العادية.
كذلك تم تشكيل بعض المجموعات للقيام بلعب الكره ومجموعات أخري تكون في حالة استرخاء والاستمتاع بالشمس الدافئة حتي الجنود المصريين في نقاط الملاحظة تم التنبيه عليهم بخلع الخوذة وإظهار اللامبالاة .. كل ذلك كان يتم تبليغه للقيادة الإسرائيلية في تل أبيب أن هناك حالة استرخاء كامل علي الخط الأمامي للقوات المصرية وذلك في صباح السادس من أكتوبر وعلي الجانب الآخر أعلنت القيادة المصرية ونشرت ذلك في الصحف القومية وبالذات جريدة الأهرام عن بدء حجز رحلات العمرة لضباط القوات المسلحة وعائلاتهم عن عمرة شهر رمضان وزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة وإعلان عن الأسعار وأماكن الإقامة وتوقيتات السفر.
وبالتالي أعطي ذلك الخبر الانطباع للقيادة الإسرائيلية استحالة قيام الجيش المصري بتنفيذ عمليات هجومية وهو يرسل ضباط وعائلاته لإعداد فريضة العمرة في الأراضي المقدسة كذلك أعلنت قيادة الجيش المصري بأنه سيتم تسريح دفعة من المجندين للاحتياط وهذا أمر لم يحدث منذ حرب 67 وهذا أيضاً اعطي الانطباع إلي أن الجيش المصري ليس في نيته القيام بأي عمليات هجومية وتشابكت كل هذه الخطوط معاً مع غيرها من خطة التحركات للقوات المشتركة في الهجوم بتحركها نحو خط الجبهة من خلال مشروع تدريبي.
كذلك أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة عدة مرات رفع درجة الاستعداد الأمر الذي أدي الي تخوف القيادة الإسرائيلية من هذه الإجراءات ولكن مع تكراراها عدة مرات لم تهتم القيادة الإسرائيلية هذه المرة عندما تم رفع درجة الاستعداد في الثالث من أكتوبر 73 واعتبرتها القيادة الإسرائيلية مثل سابقتها ولم تهتم بها لذلك جاءت هذه المرة مفاجأة لإسرائيل.
كذلك جاء دفع القطع البحرية المكلفة بإغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية وتمركزها في ميناء عدن تحت حجة تحركها الي الهند لإجراء عمرات دورية ثم تحركها يوم الخامس من أكتوبر الي منطقة باب المندب لتنفيذ عملية الإغلاق أمام الملاحة الإسرائيلية مفاجأة كبيرة لإسرائيل حيث كانت تتخيل إسرائيل أن حصار ميناء ايلات الإسرائيلي قد يتم من خلال مضيق تيران وصنافير وهي في مرمي الطيران الإسرائيلي أما باب المندب فلقد كان خارج مدي القوات الجوية الإسرائيلية من هنا كانت أكبر مفاجآت حرب أكتوبر 73 وشكل خدعة قوية للمخابرات الإسرائيلية…
وهكذا كان نجاح خطة الخداع الاستراتيجي في حرب أكتوبر 73 هي أحد نقاط نجاح هذه الحرب وعندما ظهر تقرير لجنة أجرانات وهو التقرير الذي أعدته لجنة في إسرائيل لبث أوجه القصور في حرب أكتوبر من جانب إسرائيل حيث ذكر التقرير أن القيادة المصرية خدعت المخابرات الإسرائيلية التي فشلت في التنبؤ بميعاد الحرب واستعداد القوات المصرية لشن الحرب وكان ذلك القصور من المخابرات الإسرائيلية أهم أسباب فشل إسرائيل في هذه الحرب.
وهكذا اثبتت الأيام أن المخطط المصري نجح في خداع إسرائيل بهذه الخطة في حرب 73 والتي أكدت علي قدرة المقاتل المصري علي التخطيط والتنفيذ الجيد لهذه الخطة التي اعادت لمصر كرامتها وعزتها حققت للجيش. سمعته العالمية والتي أصبح الجميع الآن يرغب في اجراء التدريبات العسكرية المشتركة للاستفادة من الخبرة العظيمة للجيش المصري التي اكتسبها في حرب 73 علي كافة المستويات.
Email: sfarag.media@outlook.com
|