العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وهنا يبرز التساؤل عن حاجة مصر حاليًا لهذه الطائرات، وأعتقد أن الرد واضح ومفهوم، حيث إن مصر ولأول مرة فى تاريخها الحديث تجد أن اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة مهددة فى وقت واحد.
|
صفقة «الرافال» الجديدة لمصر.. المغزى والمفهوم
لواء د. سمير فرج
|
7 مايو 2021
|
القوة العسكرية هدفها المحافظة على السلام وليس هدفها الحرب.. تلك المقولة هى أساس فكر وعقيدة الدولة المصرية حاليًا، ولقد ظهر ذلك واضحًا عندما أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أن مصر وفرنسا وقعتا عقد توريد 30 طائرة رافال متعددة المهام التى تنتجها شركة داسو افياسيون الفرنسية، خاصة أن مصر سبق لها أن تعاقدت مع فرنسا عام 2015 لشراء 24 طائرة من طراز رافال.. وبذلك يصبح إجمالى عدد الطائرات الفرنسية الرافال فى مصر هو 54 طائرة. وتأتى أهمية هذه الطائرات من أنها من أحدث الطائرات القتالية متعددة المهام فى العالم من الجيل الرابع بلس (4+) والتى تتميز بقدرة عالية على تنفيذ المهام بعيدة المدى.
حيث يصل مداها حتى 3700 كيلومتر، فضلًا عن امتلاكها منظومة تسليح متطورة، حيث تحمل العديد من الصواريخ جو-جو، وجو-أرض، بالإضافة إلى قدرة عالمية على المناورة، وتميزها بمنظومة حرب إلكترونية متطورة أصبحت من أهم أساليب القتال الحديثة، حيث إن رادار الطائرة يستطيع تعقب 40 طائرة فى وقت واحد، والاشتباك مع 8 طائرات دفعة واحدة، كذلك يمكنه اكتشاف الطائرات التى تحلق تحت الطائرة، وتحمل نظامًا للبحث الحرارى لتتبع الأهداف.
وهنا يبرز التساؤل عن حاجة مصر حاليًا لهذه الطائرات، وأعتقد أن الرد واضح ومفهوم، حيث إن مصر ولأول مرة فى تاريخها الحديث تجد أن اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة مهددة فى وقت واحد، حيث هناك الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى أو ما يطلق عليه «بوابة مصر الشرقية» من ناحية سيناء، والتى كانت مدخل الغزوات لمصر عبر التاريخ منذ عهد الفراعنة عندما قام الهكسوس بمهاجمة مصر، وجاءت بعدها معظم الغزوات تجاه مصر من هذا الاتجاه: الحروب الصليبية، والتتار، والمغول، حتى العدوان الإسرائيلى فى 56 وعام 67، كلها من اتجاه سيناء.
.. ثم هناك الاتجاه الاستراتيجى الغربى من اتجاه ليبيا الذى أصبح يمثل تهديدًا لأمن مصر القومى بعد رحيل القذافى ووصول عناصر داعش إلى ليبيا، والآن وجود القوات الأجنبية والمرتزقة هناك على الأرض الليبية.
وهناك المحور الاستراتيجى الجنوبى فى اتجاه السودان وحوض نهر النيل، والذى أصبح مصدر تهديد لمياه النيل فى مصر، علاوة على ضرورة تأمين مضيق باب المندب والملاحة البحرية فى البحر الأحمر لتأمين قناة السويس التى تمثل ثلث الدخل القومى لمصر.. وأخيرًا، الاتجاه الاستراتيجى الشمالى فى اتجاه البحر الأبيض المتوسط والذى زادت أهميته بعد اكتشافات الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، وأصبحت هناك حاجة لمصر أن تؤمن استثماراتها فى شرق المتوسط.
من هذا المنطلق كان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى فور توليه المسؤولية ضرورة دعم القوات المسلحة المصرية لتكون قادرة على تأمين الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة وتأمين استثماراتها فى كل الاتجاهات، ولقد كان قرار الرئيس أيضًا فى تنويع مصادر السلاح عظيمًا، وهو قرار انتظره رجال القوات المسلحة منذ فترة طويلة، حيث كانت مصر تعتمد خلال الفترة الماضية على تسليحها الرئيسى من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن مصر الآن بدأت بشراء طائرات الرافال وحاملات المروحيات الميسترال من فرنسا، ثم أحدث 4 غواصات من ألمانيا، ثم الفرقاطات البحرية المتطورة من إيطاليا، وطائرات الميج الحديثة من روسيا، وغيرها من الدول.. وبذلك أصبحت مصر- لأول مرة- ليست تحت رحمة دولة معينة فى توريد السلاح والذخيرة وقطع الغيار.
وتأتى أهمية أن تكون لمصر قوة عسكرية قادرة على تأمين وتحقيق أمنها القومى بناءً على نظرية الردع Deterrence التى لها شقان: الأول وهو «الردع المادى»، وهو ما نفذته مصر منذ عدة سنوات عندما قامت عناصر إرهابية فى ليبيا بقتل 20 مصريًا هناك، وفى نفس الليلة، صدرت أوامر القيادة العامة بتنفيذ عملية عسكرية للقضاء على تلك العناصر الإرهابية التى قتلت المصريين هناك، وبنجاح هذه القوات فى تنفيذ مهامها لم نسمع بعد ذلك أن تعرض أى مصرى هناك فى ليبيا لأى اعتداء، وهذا ما نسميه «الردع المادى».
أما النوع الثانى من الردع فهو «الردع المعنوى»، وهذا يعنى أن تمتلك مصر القوة العسكرية التى تجبر الآخرين على التفكير مرات ومرات قبل التعرض للأمن القومى المصرى، وهذا ما تفعله مصر حاليًا من زيادة قدرتها القتالية على تأمين حدودها واستثماراتها وإجبار الآخرين على عدم التعرض لحدودها وأمنها القومى وليس شراء هذه الأسلحة للدخول فى حرب مع الآخرين.. تلك هى فلسفة القيادة المصرية الحكيمة، ولعل أبسط مثال على ذلك هو استيلاء إسرائيل على المربع رقم «9» داخل المياه الإقليمية اللبنانية، حيث تستخرج منه الغاز الطبيعى وتصدّره، ولبنان وقفت عاجزة لأنها لا تملك أى قوة عسكرية للردع سواء معنويًا أو ماديًا، وتلجأ هذا الأسبوع للمفاوضات مع إسرائيل فى بلدة الناقورة تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية فى محاولة لاسترجاع الأرض التى فُقدت منها.
ولقد جاء اختيار القيادة العسكرية المصرية الطائرة الرافال، نظرًا لكفاءتها القتالية، كما أن وجود 24 طائرة من قبل يعطى الفرصة للطيارين الجدد للاستفادة من خبرة من سبقوهم من أطقم الطائرات السابقة، وبخاصة فى مجال أعمال الصيانة والتدريب، حتى تصل إلى مستوى تخزين قطع الغيار لهذه الطائرات..
لذلك أقول فى النهاية إن هذه الصفقة الجديدة تحقق لمصر حماية وتأمين اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة، كذلك تأمين استثماراتها الجديدة فى البحر المتوسط وخطوط الملاحة فى البحر الأحمر، وأن الشعور بالأمان لهذا الشعب داخل بلده كذلك سوف يشجع المستثمرين على استمرار عملهم فى مصر كبلد آمن ومستقر.. وأكرر ما قلته فى البداية إن شعار مصر دائمًا أن القوة العسكرية هدفها المحافظة على السلام وليس هدفها الحرب.
Email: sfarag.media@outlook.com
|