العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وتم أسر الإسرائيلى الجالس بجوار السائق، ومعه حقيبة أوراقه ومستنداته، وبسرعة فائقة، اندفع به أحد أفراد قواتنا، نحو القناة، ليعود إلينا، بينما باقى أفراد المجموعة 39 يهاجمون اللورى، لأسر باقى الجنود الإسرائيليين الموجودين به، فكانت المفاجأة بأن السيارة عبارة عن عربة كانتين، محملة بالسجائر والمياه الغازية، والمشروبات الكحولية، مهمتهاالمرورعلى المواقع الإسرائيلية، لإمداد قواتهم باحتياجاتهم من تلك المواد.
|
قصة أغلى أسير إسرائيلى
لواء د. سمير فرج
|
4 نوفمبر 2021
|
خلال حرب الاستنزاف التى استمرت 6 سنوات، منذ هزيمة يونيو 67، وحتى تحقيق النصر فى السادس من أكتوبر 73، عاشت القوات المسلحة فترات عصيبة، فخلال تلك الحرب الطويلة تعلمنا الكثير والكثير، تطبيقاً لمبدأ شهير، لدينا نحن العسكريين، بأن الحرب تعلم الحرب.
خلال تلك السنوات الست من عمر حرب الاستنزاف، أقام العدو الإسرائيلى خطه الدفاعى بارليف، المكون من 31 موقعا حصينا، على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، من مدينة بورسعيد حتى السويس.تكون الموقع من عدة طوابق، استغل فيها العدو قضبان السكة الحديد الموجودة فى سيناء، على خط القنطرة - العريش، لتكون أسقف تلك النقط الحصينة، ومن فوقها الدبش، ثم خزانات النابالم، التى قرر اطلاقها فور عبور قواتنا للقناة، ليحول مياه القناة إلى جحيم، تحرق القوات المصرية.
كما أسس العدو الإسرائيلى مصاطب لدباباته ومدفعيته وأسلحة الضرب المباشر، فضلا لمناطق إيواء جنوده تحت كل هذه التحصينات، وأحاطها بحقول ألغام مضادة للدبابات والأفراد والأسلاك من 3-4. وزود كلا من المواقع الحصينة بأجهزة رؤية ليلية، وتلسكوبات، توفر لهم مراقبة كل ما يتم فى الخارج، دون خروج جندى الحراسة المكلف بالمراقبة من مكانه، الواقع وراء بوابات من الصلب الفولاذى، الذى لا يمكن اختراقه بأى أنواع من المتفجرات.بل وتم تصميم الموقع الحصين للتصدى لأي محاولات اختراق أو هجوم مصري، فحينها يتحصن بداخله الجنود الإسرائيليون، ويطلبون من المدفعية الإسرائيلية إطلاق النيران على الموقع، لأنهم فى أمان، بداخله، من دانات المدفعية، بينما سيتم تدمير القوات المصرية المهاجمة من الخارج.
وأمام ذلك التحصين لخط بارليف من نيران المدفعية، كان الخبراء السوفيت، الموجودون مع قواتنا المصرية، حينها، يرون أن تدمير خط بارليف غير ممكن إلا باستخدام القنبلة الذرية، إلا أن ذلك لم يصبنا، أبداً، بالإحباط، بل زادنا إصراراً وعزيمة على اقتحام هذا الخط الدفاعى، وتدميره، الذى تُعّرفه المراجع العسكرية العالمية، بأنه أهم الخطوط الدفاعية، فى التاريخ، شأنه كشأن خط ماجينو، الذى بناه الفرنسيون، بعد الحرب العالمية الأولى،لمنع الألمان من الهجوم على فرنسا، فى الحرب العالمية الثانية.
وللبدء فى مرحلة التخطيط لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، كان لابد أن تكون لدينا معلومات كاملة ودقيقة عن كل نقطة من نقاط خط بارليف الحصينة، لنتمكن من وضع خطة الهجوم بدقة، وهو ما لم يتوافر لدينا، مع الأسف. فكان لابد وأن نطبق أحد أساليب القتال المتاحة، إما بالهجوم على إحدى النقاط وخطف أسير، أو عمل كمين للعناصر الإسرائيلية المتحركة، مستهدفين أن يكون بينهم ضابط إسرائيلى، وآملين أن يكون لديه المعلومات المطلوبة. وبعد دراسة البدائل، تقرر اختيار الثانى منهما، وتم التخطيط، بالفعل، لتنفيذ كمين ضد قوة إسرائيلية متحركة، لأسرها.
وبالفعل، تم التخطيط لتنفيذ العملية فى منطقة جنوب البحيرات، بقوات من المجموعة 39، بقيادة أسطورة الصاعقة المصرية، الشهيد إبراهيم الرفاعى،على أساس عبور المجموعة ليلاً، ودفن أنفسهم فى الرمال،على طريق مرور الدوريات الإسرائيلية، ثم الاشتباك معهم وأسر قواتهم، للحصول على كنز المعلومات المتوافر لديهم. وفى يوم العملية تم عبور مجموعة الكمين ليلاً، يرتدى كل منهم خف جمل، كى لا تتبع آثارهم أثناء التحرك على الرمال، وحتى الوصول إلى الطريق الأسفلت، الذى تتحرك عليه عربات الدوريات الإسرائيلية، إذ كانت المروحيات الإسرائيلية تمشط المنطقة الرملية، يومياً، بواسطة طائرة مروحية صغيرة، تحلق على ارتفاع عدة أمتار، لمراقبة أى آثار لعبور المصريين من القناة إلى الطريق.
وبفضل من الله، وبحسن التخطيط، نجحت، يومها، قوة الكمين المكونة من خمسة أفراد، من مجموعة الشهيد الرفاعى، من العبور، وكانت قوات المدفعية المصرية مستعدة لتأمينهم أثناء المهمة، وحتى عودتهم. وبالفعل وصلت قواتنا إلى الطريق، ودفنوا أنفسهم فى الرمال، بدقة عالية،عجزت أمامها مروحيات العدو عن كشفهم. وفجأة ظهرت عربة لورى إسرائيلية على الطريق، وهو ما يعد صيدا ثمينا، نظراً لأن مثل تلك العربات الضخمة، تحمل، دائماً، أعداداً كبيرة من القوات الإسرائيلية العائدة من إجازاتهم.
وعند اقتراب العربة من منطقة الكمين، أطلقت قواتنا رصاصة على السائق، فأردته قتيلاً، وتوقف اللورى، على الفور، فاندفعت قوة الكمين لمهاجمته، وتم أسر الإسرائيلى الجالس بجوار السائق، ومعه حقيبة أوراقه ومستنداته، وبسرعة فائقة، اندفع به أحد أفراد قواتنا، نحو القناة، ليعود إلينا، بينما باقى أفراد المجموعة 39 يهاجمون اللورى، لأسر باقى الجنود الإسرائيليين الموجودين به، فكانت المفاجأة بأن السيارة عبارة عن عربة كانتين، محملة بالسجائر والمياه الغازية، والمشروبات الكحولية، مهمتهاالمرورعلى المواقع الإسرائيلية، لإمداد قواتهم باحتياجاتهم من تلك المواد.
لا أنكر إصابتنا، حينها، بالإحباط، حتى تم إرسال الأسير الإسرائيلى إلى المخابرات الحربية المصرية، لاستجوابه، فكانت المفاجأة بأنه أغلى أسير إسرائيلى، تمكنت منه مصر، أثناء حرب الاستنزاف، فقد كان يحمل معه مستندات كل موقع حصين، من نقاط خط بارليف، شاملة اسماء جميع الضباط والجنود فى كل منها، بتفاصيلهم الوافية، حتى ديون كل منهم مقابل استهلاكهم من السجائر والمشروبات. وبعد تلك العملية، تبدل الحال، وصار لدينا كل ما نحتاجه من بيانات عن كل المواقع الحصينة الإسرائيلية فى خط بارليف، وهو ما يعتبر أمرا نادر الحدوث فى ميادين القتال، إلا أن يد الله العلى القدير كانت فوق أيدينا، لتتمكن مصرنا الغالية من وضع خططها لمهاجمة خط بارليف القائمة عل المعلومات الدقيقة التى حصلنا عليها من أغلى أسير إسرائيلى فى حرب الاستنزاف.
Email: sfarag.media@outlook.com
|