العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
كما يعتبر نشر المخدرات أحد هذه الأساليب المعمول بها فى حروب الجيلين الرابع والخامس، لإضعاف شباب الدول، لضمان القضاء على الحاضر والمستقبل.
|
حروب الجيل الرابع والخامس
لواء د. سمير فرج
|
14 يوليو 2022
|
تُعرّف الحروب، وفقا للمفاهيم العسكرية، إما بالحروب التقليدية «Conventional Warfare»، كناية عن استخدام الأسلحة التقليدية فيها، مثل الدبابات والمدفعية والطائرات والغواصات وغيرها، وإما بالحروب النووية «Nuclear Warfare»، التى تستخدم فيها الدول المتحاربة الأسلحة النووية، الذى تمتلكه، حاليا، تسع دول، يطلق عليها اسم «أعضاء النادى النووى»، وهى، روسيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وبريطانيا، والهند، وإسرائيل، وكوريا الشمالية، وأخيرا باكستان المُلقبة «بصاحبة القنبلة الإسلامية»، وسط محاولات إيران، الدؤوبة، للحصول، رسميا، على عضوية النادى النووي.
بدأ الجيل الأول، للحروب التقليدية، باستخدام الرمح والسيف والدرع والعجلات الحربية، فكان الجيش المصرى، فى عهد المصريين القدماء، أول جيش نظامى عرفه التاريخ، ويشهد على ذلك جدران المعابد، التى مازالت تكشف لنا كل يوم عن بطولة جديدة من بطولاته. ثم اخترع الصينيون البارود، لاستخدامه فى الاحتفالات، فاستغله العالم لاختراع البندقية والمدفع، التى ظهرت فى حروب نابليون، لتؤرخ للجيل الثانى من الحروب. أما الجيل الثالث من الحروب التقليدية، فبدأ مع الحرب العالمية الأولى، باختراع بريطانيا للدبابة، واستخدامها فى «معركة السوم»، وما تلاها من استخدام الطائرات الحربية والمدمرات والغواصات والصواريخ. والحقيقة أن الجيل الثالث من تلك الحروب شهد تطورا مذهلا، حتى وقتنا المعاصر، فى مجال الأسلحة التقليدية، فظهرت الصواريخ الموجهة، والطائرات المسيرة بدون طيار، كما تم استخدام الأقمار الصناعية لجمع المعلومات، وتوجيه أعمال القتال. وكانت العمليات العسكرية التقليدية تستهدف إسقاط نظام الدولة المعادية، وفرض شروط الدولة المنتصرة، ومع هزيمة الجيش المصرى فى حرب 1967، وتدمير معظم أسلحته ومعداته العسكرية، فشلت إسرائيل فى إسقاط الدولة المصرية، ولم تستطع فرض شروطها عليها، بسبب الشعب المصرى العظيم، الذى ساند قواته المسلحة حتى تمكنت من إعادة تنظيم الجيش وتسليحه، حتى تحقيق النصر المبين فى حرب 1973.
وعندئذ ظهرت فكرة حروب الجيل الرابع، والتى لا تعتمد على دبابة ضد دبابة، أو طائرة ضد طائرة، ولكن أصبحت حربا موجهة ضد المجتمع والشعب بتشويش العقل البشرى، لأنه بإسقاط الشعوب تسقط الدول، وتم تطويع التكنولوجيا الحديثة، والإنترنت تحديدا، كأداة لحروب الجيلين الرابع، والخامس. وتمسكت حروبهما بنفس الهدف وهو إسقاط الدولة المعادية، ولكن، من خلال تفكيك مفاصل الدولة، وهدم أركانها، بتدمير عقول الشعوب، بإفقاد المواطنين الإيمان بدولتهم وقواتهم المسلحة، والتشكيك فى قدرة الدولة على توفير احتياجات مواطنيها، فيحدث التفكك داخل الدولة، وتحقق حروب الجيلين الرابع والخامس أهدافها، بأقل الخسائر البشرية والمادية، مقارنة بالدخول فى حرب تقليدية، التى تكلفها أرواح جنودها، وتكلفة معداتها الحربية. تعتمد هذه النوعية من الحروب، كذلك، على عدم الاضطرار لمواجهة غضب المجتمع الدولى، مثلما هو الحال فى الحروب التقليدية، إذ لا يتم حصر ضحاياها فى صورة أرواح وعتاد عسكرى، ولنا فى الحرب الروسية-الأوكرانية عبرة، تلك الحرب التى تواجه معارضة دولية عريضة، نتيجة للتدمير الكامل للمدن الأوكرانية، وتهجير الملايين من شعب أوكرانيا خارج بلادهم، وهو ما نتج عنه عقوبات دولية، انسحبت آثارها على كل دول العالم، حتى العظمى منها. يعد من ضمن أدوات ووسائل حروب الجيلين الرابع والخامس، لتحقيق أهدافهما، زرع أو تصدير الإرهاب للدولة، ليشعر المواطن بعدم الأمان، ويفقد الثقة فى قدرة دولته على حمايته، وبالتالى فى دولته نفسها.
يضاف إلى ذلك الوسيلة الأكثر شيوعا، وهى الحرب النفسية، التى تُشن ضد الدولة، باستغلال الأوضاع الاقتصادية العالمية، لنشر الشائعات والأكاذيب، الموجهة ضد دولة بعينها، للنيل من ثقة المواطن فى دولته ونظام الحكم بها. كما يعتبر نشر المخدرات أحد هذه الأساليب المعمول بها فى حروب الجيلين الرابع والخامس، لإضعاف شباب الدول، لضمان القضاء على الحاضر والمستقبل. كما تعمل حروب الجيلين الرابع والخامس على نشر التراخى والتردى فى مفاصل الدولة، من خلال إصدار الأوامر لمتابعيها، فى الوزارات والهيئات، لتعطيل أعمال المواطنين، لايجاد حالة عامة من الإحباط بينهم، تدعوهم للنقمة على الدولة، باعتبارها غير قادرة على السيطرة على النواحى الإدارية، لما فيه خدمة المواطن. ويعد إشعال الفتن الطائفية والدينية والعرقية، احدى الأدوات التى تعول عليها، هذه الحروب، لتفكيك مفاصل الدولة، فتجدها تشجع وتذكى النزاعات من تلك الصبغة، وكم من أمثلة شهدناها، ومازلنا نشهدها، فى محيطنا الإقليمى، وعلى مستوى العالم، لمساندة الحركات الانفصالية على أساس عرقى، أو دينى، ومع الأسف، لم ينتبه مواطنو تلك الدول للمخطط المُحاك لهم، فكانوا سببا فى انهيار دولهم، وتغيير خريطة العالم.
وفى سبيلهم لتحقيق أهدافهم، يعتمد القائمون على حروب الجيلين الرابع والخامس، على التمويل السخى، لتغذية كل روافدهم المنوط بها تنفيذ أوامرهم، ولعل أهمها وسائل الإعلام، بعناصرها الأربعة، المرئى وهو التليفزيون والسينما، والمسموع ويُقصد به الإذاعة، والمقروء من صحافة ومجلات وغيرها، وحديثا الإعلام الإلكترونى، القادر على نشر الشائعات والأكاذيب وإيصالها إلى الملايين من البشر، فى وقت قليل، من خلال ما يُعرف باسم «الكتائب الإلكترونية»، التى تتبع منهجا علميا قائما على اللوغاريتمات، لتوجيه أكاذيبهم وشائعاتهم، لقطاعات معينة بين المواطنين، وتلك الشرائح تضمن انتشار الشائعة، سواء عن عمد، أو عن غير علم، وهو ما يؤدى، مع الأسف، لتحقيق ذات الهدف. لقد أصبح التطور الهائل فى وسائل تكنولوجيا العصر الحديث، سلاحا ذا حدين، ما لم يتحر المواطنون الدقة فى مصادر أخبارهم، والهدف من انتشارها.
Email: sfarag.media@outlook.com
|