العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
لقاء القائد بجنوده، هو السبيل الأمثل لاستمرار التواصل بين مستويات الإدارة المختلفة.
|
سياسة اليوم المفتوح
لواء د. سمير فرج
|
9 فبراير 2023
|
من أهم، وأول، الدروس التى تعلمناها، فى القوات المسلحة المصرية، أن لقاء القائد بجنوده، هو السبيل الأمثل لاستمرار التواصل بين مستويات الإدارة المختلفة، للتعرف على مشكلات الفرد ومطالبه، بحيث تتضح الصورة بأكملها أمامه، ويكون ملما بجميع الأحداث داخل الوحدة نفسها وخارجها.
وعندما وصلت مسيرتى العسكرية لنهايتها، وانضممت لمنظومة العمل فى القطاع المدنى، حملت معى ما درجت عليه، طوال مدة خدمتى بالقوات المسلحة، وطبقت ذلك فى جميع المواقع المدنية التى عملت بها، إلا أن ذلك الأسلوب فى الإدارة، اتخذ شكلا آخر فى الأقصر، عندما كنت محافظا لها، فمنذ اليوم الأول لتولى منصبى، حددت يوم الإثنين، من كل أسبوع، ليكون يوما مفتوحا، أقوم خلاله بمقابلة أبناء المحافظة، فى قاعة الاجتماعات الرئيسية، بدءا من التاسعة صباحا، بحضور كل النواب، والمساعدين، ووكلاء الوزارة الممثلين لوزارتهم، مثل وكلاء إدارات وزارات الزراعة، والتعليم، والصحة، والرى، وغيرهم.
وعودت نفسى على أن استهل اللقاء بشرح مختصر عن مراحل خطة تطوير المحافظة، وموقفها التنفيذى، وذلك حتى يعلم المواطن ما يجرى على أرض الواقع، وليطلع على الخطوات اللاحقة، من الخطة، وذلك بهدف دحض الشائعات والأخبار الكاذبة،التى كان يطلقها عدد من المتضررين من أعمال التطوير، أو المنتفعين من الإبقاء الوضع على ما هو عليه، لإثارة الشارع الأقصري. فكان ذلك اليوم المفتوح، بمثابة ما يُطلق عليه، الآن، الحوار المجتمعى، والحقيقة أنه كان يتيح لى فرصة للاستماع لرأى المواطن فى عملية التطوير، وهو ما كنت أستفيد منه، كثيراً، لأنه، برأيى، أن المستفيد النهائى، أقدر على تحديد احتياجاته، من مهندس التخطيط، دونما إخلال بالقواعد العلمية، والهندسية، لعملية التطوير.
أما الجزء الثانى من اللقاء، فخصصته للاستماع لشكاوى المواطنين، فى أى مجال، وهو ما كان يتكشف خلاله الكثير من الحقائق، فها هى أم تصرخ شاكية عن الوضع التعليمى، فى مدرسة ابنتها، التى لم تتلق درسا واحدا فى مادة الرياضيات، لأكثر من شهرين، بسبب عدم وجود مدرس للمادة. وعلى أثر ذلك يتحرك، فورا، السيد وكيل وزارة التعليم فى المحافظة، مع مساعد السكرتير العام، تصاحبهم السيدة المُتقدمة بالشكوى،إلى المدرسة، لاستجلاء الحقيقة، ومحاسبة المُقصرين، والأهم من ذلك، حل المشكلة، وتصحيح الوضع، بوجود مدرس رياضيات، فى الفصل محل الشكوى، فى اليوم التالى.
وها هى شكاوى أخرى من تأخر نوبة الرى، أو تأخر إصدار رخص المبانى، أوالشكاوى من سوء معاملة الموظفين المختصين مع المواطنين، أو سوء الخدمة الطبية فى أحد المستشفيات، أو غياب الطبيب، أو عدم توافر بعض الأدوية، بما يتطلب توفير بديل لها. وآخر يشكو ارتفاع أسعار اللحوم، وبالبحث فى الأسباب، اكتشفنا أن السبب يعود لقلة المعروض فى المحافظة، نتيجة تفضيل المنتجين بيع منتجاتهم لفنادق البحر الأحمر، بما يحقق لهم زيادة فى هامش الربح. وخلال هذا اللقاء قد تظهر مشكلات تحتاج إلى تصديق من الوزير المختص، أو إلى التنسيق مع إدارات ووزارات مختلفة، وهو ما كان يتم خلال اللقاء، أو بعده مباشرة. أما المشكلات التى يحتاج حلها إلى تمويل جديد، فكان يُعد بها قائمة للعرض على السيد رئيس مجلس الوزراء، خلال مجلس المحافظين التالى.
ومن خلال هذه اللقاءات تعرفت على مشكلة ضعف المياه فى بعض المناطق، وتم استصدار القرارات اللازمة لحلها، ومتابعة تنفيذها، كما تعرفت على مشكلة البلاعات المكشوفة، الناتجة عن سرقة غطاءات البلاعات، ولم ينتبه لها رئيس الحى المسئول، وتصديت لمشكلات أسلاك الكهرباء المكشوفة، فى بعض أعمدة الإنارة، لتفادى الكوارث التى قد تنجم عنها، كذلك تدهور حالة بعض الطرق، نتيجة لعدم إعادة الشيء لأصله، بعد أعمال الحفر لإصلاحات البنية التحتية، مثل الكهرباء أو المياه، وهو ما تسبب بمشكلات إضافية، منها تراكم أكوام القمامة، فلم أكتف بحل المشكلة الرئيسية، وإنما وضعت خطة لنظافة الشوارع، والتخلص من القمامة، وفى خلال شهرين كانت شوارع الأقصر مثالا يحتذى به فى النظافة، وتعلم المواطن الأسلوب الأمثل للتخلص من النفايات.
لا أذكر أن هذا اللقاء انتهى، يوما، قبل الساعة الخامسة من مساء يوم الإثنين، من كل أسبوع، وبالطبع، فإن تعزيز شعور المواطن باهتمام قيادته باحتياجاته، من خلال حل مشكلات المواطنين كانت فائدته الأولى، إلا أن المكسب الأهم والفائدة الأكبر، تمثلت فى معرفتى بنقاط الضعف داخل المحافظة، وكيفية إدارة دولاب العمل فى معظم الإدارات بها، بما يضمن حُسن الإدارة، بتلافى مواطن الضعف، والعمل على تحسين جودة الخدمات المُقدمة للمواطن، بدلا من العمل بأسلوب التصدى للمشكلات الفردية، بعد تصعيدها. فقد كنت أرى أن مثل تلك المشكلات، لابد أن تحظى باهتمام المحافظ، ويحق للمواطن أن يطالبه بحلها، على الفور، وهو ما كان يحدث دوماً، طالما لم تُحل من خلال قنواتها الطبيعية. وبينما قد يظن البعض أن مثل تلك الشكاوى تندرج تحت بند الصغائر، فإنها، فى الواقع، كانت من الأمور التى تهم المواطن فى الشارع الأقصرى، وتؤثر على حياته اليومية، وبعد اتباع سياسة اليوم المفتوح، أصبح المواطن هو الرقيب على المسئول، وصارالمرءوسون حريصين على إرضاء المواطن، وتقديم الخدمات بالصورة التى يستحقها المواطن ... لذلك أقول دائما، ودونما تحيز، إن القوات المسلحة هى مدرسة الإدارة والعلم، التى يمكن تطبيق جميع دروسها فى مختلف نواحى الحياة المدنية.
Email: sfarag.media@outlook.com
|