العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
كانت قوات البحرية المصرية، قد أغلقت مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، فى تمام الساعة الثانية والربع، من ظهر يوم السادس من أكتوبر.
|
قصة مفاجأة إغلاق مضيق باب المندب فى حرب 73
لواء د. سمير فرج
|
30 مارس 2023
|
ونحن نحتفل فى هذه الأيام المباركة، بذكرى انتصارنا فى العاشر من رمضان من عام 1393، السادس من أكتوبر لعام 1973، أتذكر لحظة وصول الفريق الجمسى، عائداً من المباحثات، مع الجانب الإسرائيلى، فى منطقة الكيلو 101، للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، بعد صدور قرار الأمم المتحدة، بوقف القتال، فى حرب 73. وأتذكر دخوله غرفة عمليات الحرب، لاطلاع المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، على نتائج جلسة المباحثات، وأتذكر أننا سمعنا هتافه، قبل إغلاق الباب، وهو يقول يا فندم ده موضوع قفل باب المندب وجعهم قوي.. طوال المناقشات كل شوية افتحوا باب المندب... افتحوا باب المندب... حتى وأنا متوجه لركوب سيارتى لحقنى رئيس الوفد الإسرائيلى، الجنرال أهارون ياريف، مدير المخابرات الإسرائيلية، ليذكرنى بفتح باب المندب.
كانت قوات البحرية المصرية، قد أغلقت مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، فى تمام الساعة الثانية والربع، من ظهر يوم السادس من أكتوبر، فور بدء الهجوم المصرى لاقتحام خط بارليف، فى مفاجأة لم يتوقعها العدو الإسرائيلى، فارضة عليه، بذلك، حصاراً بحرياً خلال حرب أكتوبر 73،إذ كانت إسرائيل تعتمد عليه لمرور وارداتها، ومنها، على سبيل المثال، النفط الإيرانى، البالغ حجمه، حينها، نحو 18 مليون طن، تمر كلها من باب المندب، إلى ميناء إيلات لاستخدام جزء منه، وإعادة تصدير الباقى إلى أوروبا. وخلال فترة الحصار من يوم السادس من أكتوبر 1973 وحتى الأول من نوفمبر من نفس العام، لم تدخل ناقلة نفط واحدة إلى ميناء إيلات، إلا عندما سمح الرئيس السادات بدخول أول ناقلة، مقابل إيصال الامدادات إلى قوات الجيش الثالث، شرق القناة.
كانت عملية إغلاق مضيق باب المندب، سبباً فى إضافة تعريفات، ومفاهيم، وقوانين جديدة إلى العلوم العسكرية، إذ عُرفت تلك العملية باسم الحصار البحرى عن بُعد، وفيها تم استخدام القوات البحرية المصرية، فى منطقة باب المندب، بعيداً عن القوات الجوية للجيش الإسرائيلى، أو اليد الطولى كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم، واعتمد المصريون فى ذلك على اليقين من أن الفكر الإسرائيلى، مقصور على التفكير فى أن أى محاولة لعرقلة الملاحة الإسرائيلية فى البحر الأحمر، ستكون من خلال مضايق تيران وصنافير. فكان إغلاق الملاحة من ناحية باب المندب ضربة مفاجئة، ومؤلمة، لإسرائيل، وقفت أمامها عاجزة عن التصدى للقرار المصرى، وظل ميناء إيلات مغلقاً، تماماً،حتى يوم الأول من نوفمبر 73.
كان اللواء أشرف رفعت، رئيس شعبة عمليات القوات البحرية، هو صاحب فكرة إغلاق مضيق باب المندب، فى وجه الملاحة الإسرائيلية، والتى يصفها بأنها استهدفت حصار ميناء إيلات، بعملية يتم تنفيذها خارج مدى القوات الجوية الإسرائيلية، وعليه كان التفكير فى مضيق باب المندب، بدلاً من تيران وصنافير، دونما مساس أو خرق للقانون الدولى، حيث سمحت قواتنا البحرية بمرور كل السفن، خاصة الأمريكية والبريطانية، والفرنسية. تم تنفيذ الخطة، من خلال قيام مصر بتأسيس شركة مدنية،بميناء الحديدة، فى اليمن، قبيل الحرب بعدة أشهر، ومن خلال نشاطها تم تخزين الأصناف التى قد تحتاجها القوات البحرية المصرية، أثناء فترة الحصار.
وضمن خطة الخداع الإستراتيجى، دفعت القوات البحرية المصرية، بعناصر الحصار البحرى،على فترات متباعدة، حتى إن اللواء بحرى أركان حرب مصطفى كمال منصور، قائد عملية حصار باب المندب، صرح بأنه لم يكن على علم بالموعد المحدد للعملية، إلا قبلها بشهرين، وأنه تحرك بالقطع البحرية اللازمة للتنفيذ، فى شهر أغسطس 73، باتجاه ميناء عدن، باعتباره محطة استقبال مؤقت لقطع الأساطيل البحرية، المتجهة لميناء كراتشى،فى باكستان،لدخول الحوض الجاف، وإجراء العمرة الدورية للسفن. وأمام طبيعية الإجراءات، لم تنتبه إسرائيل للخدعة الكبيرة، إلا يوم 6 أكتوبر، بعد استكمال التجميع البحرى المصرى، من المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ، التى تمركزت فى مواقعها بمدخل باب المندب.
كانت عملية حصار باب المندب إحدى نقاط التحقيق فى لجنة «أجرانات» الإسرائيلية، التى تم تشكيلها، بعد هزيمة إسرائيل فى حرب 73، لمعرفة درجات القصور، خاصة المعلوماتى، فى الحرب،حتى إنها سُميت لجنة التقصير، وقد أشار تقرير اللجنة، ضمن ما أشار له، لقصور المخابرات الإسرائيلية فى اكتشاف عملية حصار باب المندب، متهماً إياها بالعجز عن أداء صميم عملها فى متابعة تحركات قطع الأسطول المصرى، فى البحر الأحمر، وفشلها فى تحليل أسباب تكدسات المصريين فى ميناء الحديدة، بما أدى لخسائر فادحة على الجانب الإسرائيلي.وهكذا نجحت القوات البحرية المصرية، فى هذه العملية، تخطيطاً، وتنفيذاً، لتفاجئ إسرائيل بضربة موجعة، سواء من الناحية العسكرية، أو من الناحية الاقتصادية،حتى إن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قالت إن نعيق البوم فوق ميناء إيلات،إشارة لأنه مهجور، كان مؤشراً على فشل المخابرات الإسرائيلية فى معرفة نيات المصريين، وفشل القوات الجوية الإسرائيلية فى تأمين مطالب إسرائيل. وهكذا أثبت المقاتل المصرى تميز مستواه فى التخطيط والتنفيذ، بما بوأه ليكون المثل والقدوة للعالم كله، وليكون أهلاً لتغيير وتعديل مفاهيم القتال البحرى، اعتماداً على خبرته فى حرب أكتوبر 73 المجيدة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|