العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فى ذلك الوقت، كان هناك جزء كبير من القوات المسلحة المصرية يحارب فى اليمن، أما باقى القوات الموجودة فى مصر، فكان معظمها عائدا، لتوه، من تلك الحرب.
|
شهر يونيو الحزين
لواء د. سمير فرج
|
1 يونيو 2023
|
يهل علينا شهر يونيو، من كل عام، حاملا ذكرى أقسى، وأمر، هزائم مصر العسكرية، فى الخامس من يونيو من عام 1967، والتى رغم مرارتها، فإنها يجب ألا ننساها، لنتعظ بها، دوما، ونستلهم منها الدروس والعبر، وليتأكد شعب مصر العظيم، من قدرة بلاده على تخطى الأزمات والنكسات، والتغلب عليها، والخروج منها بقوة وبأس، وهو ما برهن عليه فى أكتوبر 1973، عندما حقق نصرا غاليا، ومجيدا، بعد ست سنوات من حرب الاستنزاف. وقد عاهدت نفسى، ألا أتوقف عن الحديث عن أمجاد مصر، ما حييت، لأذكر الملايين من أهلنا بما حققته مصر، ولأخبر من لم يعاصر تلك الفترات، بإنجازات شعب مصر، وقواتها المسلحة، فى العصر الحديث.
بدأت القصة فى شهر مايو ١٩٦٧، عندما تواردت أنباء عن احتشاد قوات إسرائيلية أمام الحدود السورية، فى اتجاه هضبة الجولان، وهو ما نبأ بنية إسرائيل لشن هجوم على سوريا، والاستيلاء على هضبة الجولان، فصدرت الأوامر، فى مصر، بتحريك القوات المصرية إلى سيناء، فى مظاهرة عسكرية، بهدف تأييد الإخوة فى سوريا، ولردع العدو الإسرائيلى عن تنفيذ مخططه بالهجوم، واحتلال الأراضى السورية. ولعل أول أخطاء القيادة العسكرية المصرية، حينها، هو عدم تحديد مهمة القوات المصرية، التى تتحرك إما فى مهمة دفاعية، أو لتنفيذ عملية هجومية، أما وجودها بهدف مظاهرة عسكرية، فهو ما لم يرد فى مراجع القتال العسكرى.
فى ذلك الوقت، كان هناك جزء كبير من القوات المسلحة المصرية يحارب فى اليمن، أما باقى القوات الموجودة فى مصر، فكان معظمها عائدا، لتوه، من تلك الحرب، وقد كنت، شخصيا، ضمن تلك القوات العائدة من اليمن، بعد ثلاث سنوات، قضيتها فيما لا يمكن تصنيفه بأنه حرب، بمفهومها التقليدى الحديث، وإنما كانت معارك جبلية، ضد قبائل، تنفذ كمائن على الطرق الرئيسية، وهو ما كان أحد أسباب افتقار القوات المصرية العائدة من اليمن، لأساليب، ومناهج، الحروب الحديثة. المهم أننى تحركت، وأنا برتبة ملازم أول، ضمن القوات المقاتلة إلى سيناء، ووصلت إلى الحدود مع العدو الإسرائيلى، فى منطقة الكونتيلا، ضمن كتيبتى المشاة، ورأينا علم إسرائيل يرفرف أمامنا على برج المراقبة، على مسافة 1200 متر، داخل الحدود الإسرائيلية. ولما جاء يوم الخامس من يونيو ٦٧، شنت قوات العدو الإسرائيلى ضربة جوية ضد المطارات والقواعد الجوية المصرية، وفى غضون ساعة واحدة، حققت سيادة جوية على سماء مصر، مُركزة على منطقة العمليات فى سيناء. وحتى الطائرات المصرية، التى لم تنجح إسرائيل فى تدميرها، لم تستطع الطيران،بسبب استخدام إسرائيل، فى ذلك اليوم، نوعا جديدا من القنابل، الفرنسية الصنع، ضد الممرات فى المطارات، مما أصابها بأضرار جسيمة، منعت استخدامها، قبل إصلاحها، وإعادة تأهيلها، وهو ما يستلزم أياما من العمل المتواصل، لم تتوافر لقواتنا، حينئذ.
وبعد الضربة الجوية الإسرائيلية، صدرت لنا الأوامر بالانسحاب من على خط الحدود إلى عمق سيناء، ومع الأسف، تم الانسحاب تحت سيطرة جوية، كاملة، لطيران العدو الإسرائيلي. ووصلنا إلى منطقة نخل، وبعدها إلى ممر متلا، الذى يصل طوله إلى 32 كيلو، ويضم حارتين؛ إحداهما ذهابا، والأخرى إيابا، فإذا بطيران العدو ينفذ أحد التكتيكات، المعروفة فى العلوم العسكرية، بأن أغلق مدخل ومخرج الممر، ليصبح الممر مصيدة للقوات المسلحة المصرية، فاستشهد من دخله من قواتنا، بينما واصل الناجون من تلك العملية، الانسحاب سيرا على الأقدام، فى اتجاه السويس، تحت وابل من قذائف الطائرات الإسرائيلية، حتى وصلنا إلى قناة السويس، لنجد كل الكبارى وقد دمرها العدو، لمنع عودة القوات المصرية بأسلحتها من سيناء، فعبرنا إلى الضفة الغربية، باستخدام القوارب المطاطية التابعة للمهندسين العسكريين.
وقد كانت تلك ثانى أخطاء القيادة العسكرية، حينها، التى حركت القوات، دون وضع خطة علمية، واضحة، للانسحاب، إذا ما استلزم الأمر، فاستغرقت تلك الرحلة، الحزينة، خمسة أيام، ووصلنا إلى قناة السويس فى الخامسة من مساء يوم 9 يونيو ٦٧، فيما أعتبره أسوأ أيام تاريخ مصر الحديث، لنرى العلم الإسرائيلى يرفرف على الضفة الشرقية للقناة، بينما الجيش المصرى يتم تدميره فى سيناء، والرئيس عبدالناصر يعلن تنحيه عن الحكم، إلا أنه فى نفس اللحظة، أعلن الشعب المصرى رفضه للهزيمة، ورفضه لتنحى عبدالناصر، وتأييده لتعيين الفريق أول محمد فوزى وزيرا للحربية، ومعه الفريق عبدالمنعم رياض رئيسا للأركان، ليبدأ عهد إعادة وبناء الدفاعات على القناة.
ومرت الشهور، ونحن نحفر الخنادق، ونزرع الألغام، لمنع إسرائيل من عبور القناة، والوصول للعاصمة، ونتدرب على استخدام الأسلحة الجديدة، وقضيت السنوات الست، عمر حرب الاستنزاف، على الخط الأول للضفة الشرقية لقناة السويس، يفصلنى عن خط بارليف مسافة 200 متر، هى عرض القناة. كان المخطط المصرى، خلالها، يضع خطته لعبور قناة السويس، التى عُرفت، فى عهد الرئيس عبدالناصر، باسم خطة المآذن العالية، وتطورت إلى الخطة جرانيت، فى عهد الرئيس السادات. وخلال حرب الاستنزاف، عانى الشعب المصرى، العظيم، الكثير من المصاعب، منها التهجير من مدن القناة الثلاث، بورسعيد والإسماعيلية والسويس، إلا أنه تحملها، دعماً لجيشه وقائده، ليحول هزيمة يونيو ١٩٦٧، إلى نصر مبين فى السادس من أكتوبر من عام 1973، ليؤكد، مجددا، أن مصر لن تهزم، أبداً، ما دام لها جيش قوى، وشعب مساند.
Email: sfarag.media@outlook.com
|