العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
كما كان «التوجيه 41»، الذي أعده الفريق سعد الدين الشاذلى ومجموعة من الضباط، هو الخطة الحقيقية لعبور 12 موجة بالقوارب لمهاجمة خط بارليف وتدميره، فكانت هذه الخطة مفتاح النصر لحرب السادس من أكتوبر.
|
بعد خمسين عامًا نحتفل بنصر أكتوبر العظيم
لواء د. سمير فرج
|
7 أكتوبر 2023
|
تحتفل مصر هذه الأيام بأغلى انتصاراتها في التاريخ الحديث، واليوم بعد 50 عامًا، نتذكر كل ما قدمه شعب مصر وجيشه العظيم في هذه الحرب، وعندما نُحْيى ذكرى ذلك النصر العظيم، يجب علينا أن نتذكر مرارة الهزيمة، في الخامس من يونيو 67، حين شن العدو الإسرائيلى هجومه في التاسعة صباحًا، وتمكن من النَّيْل من قواتنا الجوية، وشل حركة المطارات العسكرية، فاستباح سماءنا، موفرًا الغطاء الجوى اللازم لقواته البرية لاختراق الحدود في سيناء.. وفى ستة أيام، كانت إسرائيل قد احتلت أرض سيناء، والجولان، والضفة الغربية، والقدس.. فسميناها، جميعًا، «نكسة 67».
وأعلن موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، حينها، أنه يجلس بجانب الهاتف، في انتظار مكالمة عبدالناصر، ليُملى على مصر شروط الهزيمة!، فتجلّت عظمة الشعب المصرى وقواته المسلحة في رفض الهزيمة، والإصرار على تحويلها إلى نصر، ورفض تنحى الرئيس عبدالناصر، وبدأنا، يومها، في إعادة بناء الجيش المصرى، معنويًّا وماديًّا، وإعادة تسليحه، من جديد، بأحدث الأسلحة والمُعَدات، ولا ننكر، هنا، دور الاتحاد السوفيتى، الذي وفر للقوات المسلحة المصرية احتياجاتها من الأسلحة والمُعَدات الحديثة، كما أمدها بالخبرة الروسية في إعداد جيش جديد، على أعلى الدرجات من التنظيم، والكفاءة القتالية.
استبسل الجيش المصرى للثأر، فكانت أولى المعارك التي رفعت الروح المعنوية، ليس للقوات المسلحة المصرية، فقط، بل للشعب المصرى كله، هي معركة رأس العش، التي دارت يوم 1 يوليو 67، والتى حاول فيها العدو الإسرائيلى التقدم نحو مدينة بورفؤاد لاحتلالها، وأمام رأس العش، جنوب المدينة، تصدى له ثلاثون مقاتلًا، من قوات الكتيبة 43، من الصاعقة المصرية، بأسلحتها الخفيفة، وتمكنت من وقف تقدمهم، ومنعهم من احتلال بورفؤاد، بل تدمير مجنزراتهم وأسلحتهم، فكانت أول معركة حقيقية للجيش المصرى.
بعدها بأيام، وصلت معلومات إلى القيادة العامة للقوات المسلحة بقيام العدو الإسرائيلى بتشوين مُعَدات للعبور، في منطقة القنطرة شرق، على المحور الأوسط، في منطقة الطاسة، فقامت قواتنا الجوية بالهجوم على هذه التشوينات، يومى 14 و15 يوليو 67، فكان لظهور الطائرات المصرية، وعبورها القناة، إلى سيناء، لتدمير هذه التجمعات، أثر كبير في رفع الروح المعنوية لقواتنا في منطقة القناة.
توالت، بعدها، الضربات المصرية، فكان من أعظمها إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 24 أكتوبر 67، بعد أشهر قليلة من الهزيمة، عندما توغلت المدمرة إيلات، أكبر قطعة بحرية إسرائيلية، في المياه الإقليمية، تجاه بورسعيد، فانطلق زورقان، مصريان، من قاعدة بورسعيد البحرية لتدمير المدمرة، وقاما بإطلاق الصواريخ عليها، فغرقت أكبر قطعة بحرية إسرائيلية، وفخر قواتهم البحرية، أمام شواطئ بورسعيد، ولا يزال هيكلها يرقد في قاع «المتوسط»، أمام الشاطئ، شاهدًا على بطولة الجيش المصرى العظيم.
استمرت المعارك لمدة 6 سنوات، وهى عمر حرب الاستنزاف، على طول جبهة قناة السويس، تم خلالها تهجير سكان مدن القناة إلى مدن في وسط الدلتا، فأقامت العائلات في المدارس وأماكن المصايف في رأس البر، وتحملت الكثير من العناء برضا وإيمان بضرورة المشاركة في بذل التضحيات في سبيل تحقيق النصر واستعادة الكرامة والأرض المصرية، ورغم ذلك كان الكل راضيًا مؤمنًا بالتضحية من أجل أن تستعيد مصر كرامتها وأرضها.
بنى جيش العدو الإسرائيلى أقوى خط دفاع في العصر الحديث، وهو خط بارليف لمنع هجوم القوات المصرية لاسترداد سيناء، وأثناء زيارته للجبهة على قناة السويس لمتابعة خطة المدفعية المصرية لتدمير ذلك الخط، استُشهد الفريق عبدالمنعم رياض، يوم 9 مارس 1969، في الموقع رقم 6، على الخط الأمامى، أثناء متابعته اشتباكات المدفعية، إذ انفجرت إحدى الطلقات المدفعية لتصيبه ليُستشهد، ويكون أول رئيس أركان، في تاريخ العسكرية، في العالم كله، يُستشهد على الخط الأمامى.. فاستحق أن تُخلد ذكراه، بأن يصبح هذا اليوم هو يوم الشهيد في مصر.
استمر الجيش المصرى في التدريب، على خطط العبور، في وسط الدلتا، في مياه نهر النيل، وعندها لمعت أفكار شباب القوات المسلحة المصرية للتغلب على مشاكل العبور، واقتحام خط بارليف، كانت منها فكرة المقدم باقى زكى يوسف، التي تم تنفيذها بالفعل في حرب أكتوبر 73 بالتغلب على الساتر الترابى، بإحداث ثغرات به، باستخدام مضخات وخراطيم المياه، التي لولاها لما استطعنا إنشاء الكبارى لعبور الدبابات والمدفعيات وباقى الأسلحة والمُعَدات.
كما كان «التوجيه 41»، الذي أعده الفريق سعد الدين الشاذلى ومجموعة من الضباط، هو الخطة الحقيقية لعبور 12 موجة بالقوارب لمهاجمة خط بارليف وتدميره، فكانت هذه الخطة مفتاح النصر لحرب السادس من أكتوبر. امتدت نجاحات المصريين في التخطيط وتنفيذ حائط الصواريخ للتغلب على التفوق الجوى الإسرائيلى، وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية لنجاح عبور القوات المسلحة المصرية، ووصول 200 ألف مقاتل إلى الضفة الشرقية للقناة، دون تدخل القوات الجوية الإسرائيلية.
وتُعتبر «لجنة أجرانات» أكبر دليل على نجاح القوات المصرية في خداع العدو الإسرائيلى، تلك اللجنة التي شكّلتها إسرائيل للوقوف على أسباب فشل مخابراتهم العسكرية في الكشف عن نية مصر شن هجومها يوم السادس من أكتوبر، وللبحث في القصور في عمليات حرب أكتوبر، التي أدت إلى هزيمة إسرائيل. وقد خلصت تلك اللجنة إلى تأكيد هزيمة الإسرائيليين، مما دفعها إلى التوصية بإقالة إيلى زعيرا، مدير المخابرات العسكرية، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى ديفيد إلعازر، وعدد من قيادات المخابرات العسكرية الإسرائيلية. وظلت تفاصيل تقرير تلك اللجنة مُحاطة بأعلى درجات السرية، ولم يتم تداولها إعلاميًّا لتأثيرها السلبى على معنويات الإسرائيليين، ورغم مرور خمسين عامًا على الحرب لم تصدر إلى الآن نتيجة لجنة أجرانات.
وهكذا، فإن القوات المسلحة المصرية حققت في هذه الحرب أغلى انتصار في العصر الحديث ضد هذا العدو الإسرائيلى، واستعادت أرض سيناء الغالية إلى مصر وشعبها وجيشها، وأصبحت نتائج هذه الحرب تُدرس في أعتى المعاهد والكليات العسكرية في العالم، فاستحق الشعب المصرى أن يفتخر بهذا النصر العظيم، الذي حققه بالتحامه مع قواته المسلحة وثقته فيها.
Email: sfarag.media@outlook.com
|