العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فدخلت إلى الصالون، وكان من بين الموجودين، الجنرال بيج، مدير كلية كمبرلى، الذى توجه نحوى للترحيب بى، ثم اتجهت للجلوس معه فى الطرف المقابل للجنرال شارون.
|
أنا والجنرال شارون على شاشة (بى بى سى)
لواء د. سمير فرج
|
26 أكتوبر 2023
|
كانت سماء لندن ملبدة بالغيوم، والأمطار تهطل بشدة، بينما أنا خارج من محطة مترو الأنفاق المقابلة لساحة مبنى (بى بى سى)، ففتحت مظلتى وتقدمت تجاه بوابة المبنى، لأجد جموعا محتشدة، عرفت أنهم من يهود بريطانيا، تعلو صيحاتهم «اسحق هذا المصري», ولما وصل موكب الجنرال شارون، خرج من إحدى السيارات، تكسو وجهه ابتسامة عريضة، وحيا الجمع المحتشد فى انتظاره، قبل أن يدخل للمبنى. فوقفت أتابع بين الصفوف،ليس معى إلا مظلتى أحملها فى يد، وفى اليد الأخرى أحمل حُلتى المدنية التى سأرتديها أثناء ذلك اللقاء!
بدأت قصة ذلك اللقاء فور وصولى إلى إنجلترا، فى عام 1975، لدراسة دورة أركان حرب فى كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا؛ أقدم وأعرق الكليات العسكرية على مستوى العالم، كأول دارس مصرى بها، بعد عقود من توقف مصر عن إرسال البعثات لتلك الكلية، وتحديدا عقب ثورة يوليو 1952. فبعد وصولى بأسبوع، فوجئت بصورتى تتصدر الصفحة الأولى من جريدة صنداى تايمز، أهم الصحف الإنجليزية التى تصدر يوم الأحد من كل أسبوع، ومعها مقال بعنوان «كيف تستقبل إنجلترا ضابطا مصريا للتعلم فيها ... ليقاتل الإسرائيليين بعد ذلك؟!.
بعدها بأيام طلبنى مدير الكلية، الجنرال بيج،إلى مكتبه، فوجدت معه الإعلامى البريطانى المشهور، إدجار آلان، الذى كان يقدم أشهر برامج توك شو، فى أوروبا، فى هذا التوقيت، باسم بانوراما. وبعد أن حييت مدير الكلية العسكرية وضيفه، عرض عليّ إدجار آلان استضافتى فى برنامجه، فى حلقة تخصص عن حرب أكتوبر 1973، مستطردا أنه استضاف من قبل العديد من الخبراء الإسرائيليين والبريطانيين، للحديث عن الحرب، إلا أنه لم يستضف ضابطا مصريا من قبل، لعرض وجهة النظر المصرية، عن الحرب، للمشاهد الأوروبى والبريطانى.
فأبلغت السيد آلان بأن مشاركتى مرهونة بموافقة قياداتى فى القوات المسلحة المصرية، وفى حال حصلت على تلك الموافقة، يبقى لى شرطان؛ أولهما الاطلاع على الأسئلة قبل اللقاء، وثانيهما احتفاظى بحق رفض أى من تلك الأسئلة. ووافق إدجار آلان على شروطى، وبعدها بأسبوع، عندما حصلت على موافقة القيادة المصرية، أرسل لى فريق الإعداد قائمة الأسئلة التى ستطرح عليّ، والتى رأيت ضرورة إعداد إجاباتها بالتنسيق مع القيادة فى مصر.
وهنا أمر وزير الحربية، آنذاك، الفريق الجمسى، بعودتى إلى القاهرة، فى مأمورية لإعداد الإجابات اللازمة، بالتنسيق مع هيئة العمليات والمخابرات الحربية. وبعد إتمام المهمة والعودة إلى لندن، فاجأنى إدجارآلان باقتراح استضافة الجنرال شارون، لإتاحة الفرصة لعرض الرأى والرأى الآخر، وبعد مشاورات، وافقت شريطة ألا يدور بينى وبينه حوار مباشر.
وبعدها بأيام قليلة، عاد باقتراح أن تكون الحلقة على شكل مناظرة، ليكون الحوار الأكثر تشويقا، على أن يتم تشكيل هيئة التحكيم من أساتذة وخبراء معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن، (IISS)، باعتباره أكبر معهد استراتيجى فى العالم. ولا أنكر توترى وقلقى، حينئذ، وأنا برتبة رائد، لم يتجاوز عمره الرابعة والعشرين، إلا أننى كنت مدركا أن رفضى قد يُفسر بالخوف، والتشكيك فى سلامة ونجاح الخطة المصرية، لذا وافقت، بحماس الشباب، ويقينى بأن العسكرية المصرية قد حققت أكبر إنجاز عسكرى فى العصر الحديث.
وفى اليوم المحدد للمناظرة، هاتفنى فى الصباح الباكر، الفريق سعد الشاذلى، سفير مصر لدى بريطانيا، آنذاك، متمنيا لى التوفيق والسداد، وكانت العلاقات بينه وبين القاهرة قد بدأت تتوتر، وبعده هاتفنى الملحق العسكرى المصرى، ليخبرنى بأن وعكة صحية ستحول بينه وبين مصاحبتى، ففهمت أنه غير واثق من نتائج المناظرة. فتوجهت بمفردى لمبنى إذاعة (بى بى سى)، ليس معى إلا رب العزة، وإيمانى بأنه لن يتخلى عنى، ويقينى بأن دعوات أمى، رحمة الله عليها، بالتوفيق ستستجاب.
ولما وصلت للمبنى استوقفنى الحرس، غير مصدقين أننى الضابط المصرى، وأننى حضرت بمفردى، ورغم أننى قدمت لهم بطاقة كلية كمبرلى، إلا أنهم أصروا على حضور إدجار آلان، من غرفته، للتأكد من هويتى، وأننى الضابط المصرى، الرائد سمير فرج. ولما نزل إدجار آلان، قال لى، متأثرا، «لو كنت أبلغتنى بأنك ستأتى منفردا، لأرسلت سيارة خاصة لإحضارك، بدلا من استخدام مترو الأنفاق». ثم صحبنى إلى الصالون، فوجدت بها الجنرال شارون، الذى حضر بصحبة ما يزيد على 15 فردا، على رأسهم السفير الإسرائيلى لدى لندن.
فدخلت إلى الصالون، وكان من بين الموجودين، الجنرال بيج، مدير كلية كمبرلى، الذى توجه نحوى للترحيب بى، ثم اتجهت للجلوس معه فى الطرف المقابل للجنرال شارون، وبعدها بمدة وجيزة، توجهت لغرفة ملحقة، لتبديل ملابسى، وارتداء البدلة المدنية التى سأظهر بها فى البرنامج، استعدادا للبدء.ولما حانت لحظة دخول الاستوديو، جلس إدجارآلان فى المنتصف، وعن يمينه الجنرال شارون، وأنا عن يساره، فى مواجهة المنصة الجالس عليها السادة المُحكمون من أساتذة وخبراء معهد الدراسات الاستراتيجية، وقد استعد كل منهم بأوراقه وأقلامه، لتدوين ملاحظاتهم على إجابات طرفى المناظرة، لإصدار حكمهم.
وما أن اتخذت مكانى، حتى ذكرت الله رب العالمين، وقرأت الفاتحة، وآية الكرسى، كما علمتنى أمى، عند مواجهة مواقف خاصة، وتذكرت دعواتها، فازدادت ثقتى بنفسى، داعيا المولى أن يوفقنى، بحق دم الشهداء الذى سال على أرض سيناء، وبحق شجاعة رجال القوات المسلحة المصرية فى حرب 1973. وانطلقت موسيقى مقدمة البرنامج، إيذانا ببدئه على الهواء مباشرة.
وفى الأسبوع المقبل سأسرد على حضراتكم وقائع تلك المناظرة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|