العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
أخترت لكتابى عنوان «شاهد على حرب أكتوبر 73»، وفيه أستعيد فيه مع القارئ، الكريم، ذكريات الحرب بكل تفاصيلها.
|
أكتوبر وأنا بعد خمسين عاما
لواء د. سمير فرج
|
23 نوفمبر 2023
|
نصف قرن من الزمان، مر على مصر، منذ تلك اللحظة العظيمة، الفارقة، التى عبرت فيها القوات المسلحة المصرية قناة السويس، ذلك العبور الذى كان إعلانا عن نهاية الأسطورة الإسرائيلية، التى حاولت، على مدى سنوات ترسيخها فى العقول، بأنها القوات التى لا تُقهر، ولا يمكن هزيمتها.
ورغم مرور كل تلك السنوات، مازالت ذكرى ذلك اليوم المجيد تُجيش فى نفسى كل مشاعر السعادة والفخر؛ سعادة قلب ضابط،حديث السن والرتبة العسكرية، عايش مرارة الهزيمة يوم الخامس من يونيو من عام67، وقضى سنواته يحلم بيوم النصر، وكاد قلبه يتوقف من الخفقان، فرحاً وفخراً، عندما عاصر لحظة النصر، وهو يرصد عبور قواتنا الباسلة قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وإنشاء رأس الكوبرى على الضفة الشرقية للقناة.
ومن أجل تلك الذكرى الغالية قررت أن أفتح خزينة الذكريات، وأن أعيد للحياة، عبر الكلمات، تفاصيل تلك الأيام، التى عايشتها منذ يوم الخامس من يونيو الأسود عام 1967،وحتى يوم العبور فى السادس من أكتوبر من عام 1973، وما تلا ذلك من أحداث عظام، كان لها أكبر الأثر فى حياتى كإنسان، وكضابط بالقوات المسلحة المصرية، ذلك الشرف الذى أدين له بالكثير فى حياتي. لهذا، وبالتعاون مع الدار المفضلة إلى قلبى، الهيئة العامة المصرية للكتاب، تلك الهيئة العريقة، التى أحرص على صدور جميع كتبى من خلالها، إيماناً منى بدورها فى نشر الثقافة والوعى لأبناء مصر، والدول العربية، بإتاحتها الكتب بأسعار تكاد تكون رمزية، ليتسنى للكافة، باختلاف قدراتهم المادية، الحصول عليها، فقد نشرت كتابا جديدا.
أخترت لكتابى عنوان «شاهد على حرب أكتوبر 73»، وفيه أستعيد فيه مع القارئ، الكريم، ذكريات الحرب بكل تفاصيلها، منذ أن كنت ضابطاً صغيراً، برتبة ملازم أول، عائد لتوه من حرب اليمن، ليجد نفسه بين نيران حرب غاشمة وهزيمة نكراء فى ١٩٦٧، ثم ذكريات العديد من معارك الكرامة المصرية، خلال ست سنوات،هى عمر حرب الاستنزاف العظيمة،التى كانت خير تمهيد للنصر، والتى بذل فيه أبطال القوات المسلحة المصرية كل غال ونفيس، وجادوا بأرواحهم، فى سبيل استعادة أرض سيناء الحبيبة، ومنهم على سبيل المثال، لا الحصر، معركة رأس العش، وعملية إغراق المدمرة إيلات، التى غيرت من مفاهيم العلوم العسكرية البحرية فى العالم.
وحكيت، فى ذلك الكتاب، قصة النقيب سمير فرج، وهو على الخط الأول، طوال حرب الاستنزاف، على الضفة الغربية لقناة السويس، بصفتى قائد سرية مشاة، وكيف كنت أشتبك مع العدو، خلال هذه الفترة، بصورة يومية، تقريبا، مستعيدا ذكريات تلك الأحداث،بكل ما حملته من عمليات قتالية ومشاعر إنسانية. واستعرضت مسار رحلتى العسكرية من رتبة ملازم أول حتى رتبة نقيب، والتى مررت خلالها بمصادفات عديدة، قدرها لى الله،لأكون شاهدا على إعداد خطة حرب ١٩٧٣، التى كانت تتم مراجعتها معنا، نحن طلبة كلية القادة والأركان، بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وظنناها، حينئذ، مجرد توجيه من التوجيهات العديدة التى كنا نقوم بدراستها، ولم نتخيل، أبدا، أن التوجيه 41 ما هو إلا خطة الإعداد لحرب أكتوبر المجيدة، لعبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف، فى 12 موجة من القوارب المطاطية، على طول خط قناة السويس، بكل تفاصيل العملية الهجومية، خاصة مرحلة صد الهجمات المضادة فى رأس الكوبرى قبل وصول الدبابات.
وكما كانت كلية أركان الحرب طريقى للاطلاع على خطة إعداد الحرب والمشاركة فى مراجعتها، فقد كانت، كذلك، بوابتى وطريقى لأكون أصغر ضابط بغرفة عمليات حرب ١٩٧٣، بعدما تخرجت فى المركز الأول،على دفعتى، فى كلية القادة والأركان، وتم اختيارى فى هيئة عمليات القوات المسلحة، لأتشرف بحضور تفاصيل هذه الحرب، لحظة بلحظة، منذ وصول السيد الرئيس،محمد أنور السادات، ثم بدء الضربة الجوية، وتفاصيل ما دار فى غرفة العمليات، ودور كل القادة فى هذه المرحلة.فسردت الكثير من المواقف التى مرت علينا خلال سير عمليات القتال، وخاصة النواحى الإنسانية، والتى كان منها، إبلاغ المشير أحمد إسماعيل، الرئيس السادات، نبأ استشهاد أخيه عاطف السادات،ضمن القوات الجوية.
واستكمالا للمفاجآت القدرية التى مررت بها فى حياتى، فقد تم اختيارى للدراسة فى كلية كمبرلى البريطانية، أحد أعرق الكليات العسكرية على مستوى العالم، بعد 25 عاما من توقف البعثات المصرية إلى بريطانيا، منذ العدوان الثلاثى على مصر، وكأن الله قد اختارنى لأخوض معركة جديدة، كان خصمى المباشر فيها الجنرال أرييل شارون، ولكن فى تلك المرة لم تكن المعركة فى ميادين القتال العسكرية المتعارف عليها، وإنما فى مناظرة علمية عن حرب أكتوبر ١٩٧٣، تمت إذاعتها على الهواء، مباشرة،على شبكة «بى بى سي» البريطانية، والتى انتهت بفوز جديد لمصر.
ولقد حرصت، فى كتابى هذا، أن أستعرض مع القارئ، ذكريات العديد من السنوات، التى تلت نصر حرب أكتوبر المجيد، وكيف احتفلت مصر بتلك الذكرى الغالية، تلك الاحتفالات التى أشرفت على تنفيذها، عندما توليت منصب مدير الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية. واخترت أن أختتم الكتاب باستعراض التطورات التى تشهدها القوات المسلحة المصرية، منذ عدة سنوات، وهو الفصل الذى وجدت فيه حقا للقارئ، ليتأكد أن قواته المسلحة التى صنعت معجزة ١٩٧٣، وأبهرت المؤسسات العسكرية والاستراتيجية فى العالم، مازالت هى الذراع القومية الحامية لمصر.
Email: sfarag.media@outlook.com
|