العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وعلى الطرف الآخر فى منطقة الشرق الأوسط، تُعتبر إسرائيل الآن الذراع العسكرية للولايات المتحدة فى المنطقة ضد دولة إيران.
|
الحرب بالوكالة أصبحت حربًا بالأذرع العسكرية
لواء د. سمير فرج
|
24 فبراير 2024
|
خلال أحداث القرن الماضى ظهرت فى العالم فكرة الحرب بالوكالة، ويبدو أنه مع دخول القرن الـ21 استمر العمل بمفهوم الحرب بالوكالة ليصبح ذا اسم آخر، وهو الحرب بالأذرع العسكرية.
وكانت البداية هى ما حدث فى الحرب الروسية الأوكرانية عندما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية دولة أوكرانيا لكى تحارب روسيا بقوات عسكرية بقتال مباشر، ولكى تصبح أوكرانيا الذراع العسكرية للولايات المتحدة ودول حلف الناتو فى حرب مباشرة ضد روسيا، وعندما تدخل هذه الحرب عامها الثالث هذه الأيام، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تكون قد حققت هدفها الرئيسى فى استنزاف روسيا فى حرب طويلة، خاصة من الناحية الاقتصادية، حيث لم تكن الولايات المتحدة قادرة على القتال بنفسها، ولكن جاءت ذراعها العسكرية الأوكرانية، التى تدعمها أمريكا وحلف الناتو بكل الأسلحة والمُعَدات، لكى تستمر فى القتال حتى الآن للعام الثالث.
وعلى الطرف الآخر فى منطقة الشرق الأوسط، تُعتبر إسرائيل الآن الذراع العسكرية للولايات المتحدة فى المنطقة ضد دولة إيران، حيث تحارب الأذرع العسكرية، التى تشمل حزب الله فى لبنان وسوريا والعراق وأخيرًا الحوثيين فى اليمن.
وعلى الطرف الآخر، فإن إيران تحارب الولايات المتحدة وحلف الناتو أعداءها الآن بواسطة الأذرع العسكرية الإيرانية فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وجاء التطور الأخير بعد مقتل ثلاثة من الجنود الأمريكيين، وجرح العشرات فى منطقة العمود برج 22 فى موقع أمريكى داخل الأراضى الأردنية، على الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، مما دعا الولايات المتحدة إلى الرد على عناصر الأذرع الإيرانية فى العراق بضربة جوية مركزة من طائرات الـB1 الأمريكية، التى انطلقت من قواعدها العسكرية فى أمريكا متجهة إلى الشرق الأوسط فى سوريا والعراق، حيث هاجمت عناصر حزب الله والحشد وفيلق القدس، وكلها عناصر الأذرع العسكرية الإيرانية، وقد استغرقت الضربة 30 دقيقة، وهاجمت 85 هدفًا من خلال إطلاق 125 قذيفة من طائرات الـB1، وعادت الطائرات بعدها سليمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الإغارة على ثلاث منشآت عسكرية فى العراق، وأربع منشآت فى سوريا، كما قامت طائرة مسيرة أمريكية فى اليوم التالى بالهجوم على أحد القادة لهذه الأذرع العسكرية فى العراق، وهذا بالطبع أثار الشعب العراقى لأن أمريكا انتهكت أجواءه وبالتالى الأمن القومى العراقى.
ولعل أكثر الأذرع الإيرانية التى حققت تأثيرًا كبيرًا فى الوقت الحالى ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها كانت ضربات الحوثيين فى البحر الأحمر مستغلة وجودهم، وسيطرتهم على مضيق باب المندب، حيث دخل البحر الأحمر فجأة ميدان القتال عندما بدأ الحوثيون بالهجوم، وقاموا بالاستيلاء على ناقلة، يملكها رجل أعمال إسرائيلى، وتم اقتياد السفينة إلى ميناء الحديدة، حيث أصبحت مزارًا لليمنيين تُبرز للجميع قدراتها القتالية ضد إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية.
بعدها قررت أمريكا تكوين تحالف حارس الازدهار بقوة 20 دولة، ولم تشترك مصر فى هذا التحالف لأن ضد مبادئها الدخول فى أى تحالفات عسكرية، ولكن اشتركت مصر مع القوى العسكرية المشتركة مجموعة القتال 153 المسؤولة عن تأمين المجرى الملاحى فى البحر الأحمر، حيث تشترك مصر ببضعة عناصر من قواتها البحرية فى هذه القوة. ولقد بدأت قوات التحالف بمهاجمة أهداف عديدة داخل اليمن حتى مناطق معسكر كهلان ومطار عبس وقاعدة الدليمى الجوية فى صنعاء، ومطار الحديدة ومطار تعز، حيث اللواء 22 ميكانيكى وغيرها من الأهداف، بعدها قام الحوثيون بالرد بمهاجمة العديد من الناقلات والسفن، مما دعا شركات الملاحة الدولية إلى تغيير مسارات السفن عن طريق البحر الأحمر وقناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح لكى تزيد مدة الرحلة 17 يومًا، وبالتالى زادت نفقات التأمين ونفقات الرحلات.
كل ذلك زاد من الأعباء الاقتصادية على مختلف دول العالم، وفى نفس الوقت أعلنت أمريكا إعادة تصنيف الحوثيين بأنهم من التنظيمات الإرهابية، وهكذا أصبحت الذراع العسكرية ذات التأثير الفعال فى منطقة الشرق الأوسط، وتمثل تهديدًا جديدًا ليس لإسرائيل فقط وللولايات المتحدة، ولكن لكل دول العالم بتأثيرها على الاقتصاد العالمى.
ويرجح العديد من المفكرين الاستراتيجيين أن استخدام إيران لهذه الأذرع هو رسالة من إيران للجميع بأنه إذا حاول البعض مواجهة إيران فور تملكها السلاح النووى، أو حتى عند التفكير فى التدخل العسكرى ضدها لمنعها من الحصول على السلاح النووى، فإن إيران تعلن للجميع أنها لن تحارب وحدها، ولن تصد هذه الهجمات منفردة، بل إن هناك هذه الأذرع العسكرية التى سوف تتدخل فى القتال وتساعد إيران فى حربها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ودول حلف الناتو.
حتى إن بعض المحللين قد عرض أن إيران منعت هذه المرة حزب الله فى لبنان من الدخول بقوة فى حرب غزة، واحتفظت بقوتها الضاربة من الصواريخ والطائرات المسيرة، مركزة فقط على عمليات اشتباك محدودة مع القوات الإسرائيلية، خاصة أن حزب الله لم يشترك ضد القوات الإسرائيلية لعدة سنوات ماضية. لذلك، احتفظ حزب الله اللبنانى بكل قوته للدخول فى معركة رئيسية عندما حاول الغرب وإسرائيل مهاجمة إيران.
وعلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية فى جنوب شرق آسيا، فإن الولايات المتحدة تقوم حاليًا بدعم تايوان لتكون ذراعًا عسكرية ضد العدو الأول لها، وهو الصين، التى تتقدم اقتصاديًّا بسرعة هائلة، ولو استمرت بهذا المعدل يمكن أن تتفوق اقتصاديًّا على الولايات المتحدة فى مطلع 2030. من هنا تحاول الولايات المتحدة عرقلة هذا التقدم بإشراك الصين ودفعها إلى الدخول فى أى عمليات عسكرية مستقبلًا، من خلال الذراع العسكرية لها فى المنطقة، وهى تايوان.
ولكنى أعتقد أن الصين أظهرت ذكاءً كبيرًا عندما قررت عدم الدخول فى أى نزاع عسكرى مع تايوان لصالح الولايات المتحدة، وكان أبسط مثال على ذلك زيارة بيلوسى، رئيسة الكونجرس الأمريكى، إلى تايوان، فى محاولة لاستفزاز الصين، الأمر الذى نجحت فيه الصين فى حالة عدم استفزازها، وهكذا أصبحت الأذرع العسكرية فى العالم كله حاليًا شكلًا جديدًا من أشكال الحرب بالوكالة، والتى كانت تُستخدم من قبل، وهذه سمة العصر، تطوير الأساليب، ولكن بأسماء جديدة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|