العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ماذا لو لم تشن قواتنا حرب 73، العاشر من رمضان.. الإجابة واضحة، لكانت سيناء مازالت فى يد الإسرائيليين.

25 إبريل.. ومعركة طابا وتحرير الأرض
 

لواء د. سمير فرج

 27 إبريل 2024


تحتفل مصر، دائمًا، بذكرى أغلى الانتصارات، التى حققها شعب مصر، وجيشها العظيم، فى العصر الحديث... هذا الانتصار الذى ظهرت بداياته منذ أن رفض الشعب المصرى هزيمة يونيو 67، حتى تكللت جهوده باستعادة أرض سيناء، من خلال حرب العزة والشرف، فى السادس من أكتوبر 73، العاشر من رمضان 1393، وما تلاها من معارك سياسية فى كامب ديفيد لاستكمال تحرير سيناء ببنود هذه المعاهدة، بعد احتلال دام 15 عامًا، واستكمال المعركة دبلوماسيًّا، حتى رفع العَلَم على مدينة طابا، بالتحكيم الدولى، فى 15 مارس 1989. واليوم، ونحن نحتفل بهذه الذكرى العظيمة، ذكرى تحرير سيناء، أردت أن نتخيل معًا... ماذا لو؟؟.

ماذا لو لم تشن قواتنا حرب 73، العاشر من رمضان.. الإجابة واضحة، لكانت سيناء مازالت فى يد الإسرائيليين، كما هو الحال فى الجولان السورية، والضفة الغربية، التى صارت، فى يومنا هذا، جزءًا من إسرائيل. ولم نكن لنعيد فتح قناة السويس، التى تمثل ثلث الدخل القومى المصرى، ولم تكن مدن شرم الشيخ، وطابا، ودهب، قد عادت إلينا، لتظل فى أيدى الإسرائيليين، ينعمون فى خيراتها، ويحصدون من ورائها عوائد مالية طائلة، ولبقيت بحيرة البردويل فى يد إسرائيل، لتستغلها عامًا بعد عام، دون أن تستفيد مصر منها بسمكة واحدة للاستهلاك أو للتصدير، ولكانت حقول البترول فى البحر الأحمر وسيناء لا تزال فى يد العدو الإسرائيلى، حتى اليوم، يستغلها، ويصدر مخزونها، مثلما حدث طيلة 15 عامًا، منذ احتلالها فى 1967.

لا تقتصر إجابة سؤال «ماذا لو؟» على ما سبق، فحسب، وإنما يُضاف إليها أن إسرائيل كانت ستتمادى فى بناء المستوطنات والمدن، فى شمال وجنوب سيناء، مثلما فعلت فى الجولان والضفة الغربية، ونقلت إليها آلاف المستوطنين لترسيخ تواجدها، مثلما فعلت فى مستعمرة ياميت، التى أقامها العدو بالقرب من رفح، كمثال واضح على مخططه، بمحاولة إنشاء ثالث كبرى مدنه الساحلية، على البحر المتوسط، بعد تل أبيب وحيفا. ولكانت إسرائيل مازالت تقوم باستغلال مناجم الفحم والفوسفات والرخام فى سيناء، والاستفادة من تصدير إنتاجها. ولما كانت مصر لتستفيد من مدن سيناء السياحية لحسابها.

بمعنى آخر، كان الاقتصاد المصرى سيظل، حتى التخلص من العدو الإسرائيلى، اقتصاد حرب، بمعنى توجيه كل موارد الدولة للمجهود الحربى، وتجهيز القوات المسلحة لبناء دفاعاتها لخوض الحرب. أما انتصارنا فى الحرب، واستعادة الأرض، فكان معناه ما رأيناه منذ ذلك اليوم، بإعادة بناء الدولة، وتنميتها، بتحقيق فائض نمو اقتصادى، تم توجيهه لإعادة البنية الأساسية التى دمرتها الحروب، سواء الطرق أو مشروعات المياه والصرف الصحى، أو لتطوير الخدمات المقدمة للمواطن، كالمواصلات والمدارس والمستشفيات والمصانع، فتم على سبيل المثال إنشاء مترو الأنفاق، وتطوير المطارات وبناء الجديد منها، وكل ما يهم المواطن المصرى، ويفى باحتياجاته.

كان استرداد طابا، فى 1989، كآخر جزء من سيناء، اكتمالًا لمعركة الكرامة، للشعب المصرى، وقواته المسلحة، اللذين لا يقبلان التفريط فى أى شبر من أراضيهما، ليضيف لإجابة سؤال «ماذا لو؟»، فلو لم تسترد مصر أرض سيناء وكل شبر فيها، لوضعت اسمها، وسمعة جيشها العظيم، على المحك. لقد رسخت حرب أكتوبر معانى الوطنية، والاستبسال، والفداء، التى يتميز بها الشعب المصرى عامة، والقوات المسلحة خاصة. لقد استعاد الجيش المصرى سمعته وكرامته، ليس فقط بين المصريين، ولكن بين الأمة العربية، والعالم كله، فقد قدم الجيش المصرى، فى حرب 73، دروسًا عسكرية حديثة، ومفاهيم جديدة، فى علوم فن القتال، والاستراتيجية، والأمن القومى، إذ تغيرت قواعد ورواسخ العقائد العسكرية، المعمول بها فى المعسكرين الشرقى والغربى، نتيجة خبرة حرب 73، التى سارت تُدرس فى أعتى المعاهد والكليات العسكرية، حول العالم، بإمضاء مصرى.

وأتذكر قصة يرويها الدكتور مفيد شهاب قبيل صدور الحكم فى قضية طابا بعدة أيام، حيث طلب الرئيس مبارك اجتماعًا فوريًّا مع مجلس الأمن القومى، واستدعى معهم مفيد شهاب، وأخبرهم بأن السفير الأمريكى أخطره بأن الحكم سوف يصدر لصالح إسرائيل، وقدم له عرضًا بأن تسحب مصر القضية من المحكمة الدولية مقابل اتفاق تضمنه أمريكا أن تصبح طابا منطقة مشتركة بين مصر وإسرائيل، يحاكم الإسرائيليون أمام المحاكم الإسرائيلية، والمصريون أمام المحاكم المصرية، وتكون هناك محاكم دولية للأجانب. وتكون السيادة مشتركة بين مصر وإسرائيل على طابا، وقال إنه أقنع الإسرائيليين بذلك، وهم موافقون!.

انتهى الاجتماع، ولم يصل مجلس الأمن القومى المصرى إلى رأى حاسم بقبول عرض السفير الأمريكى أم لا.. بعد الاجتماع، همس الدكتور أسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك، فى أذن مفيد شهاب: «الرئيس عايزك».. دخل مفيد شهاب إلى الرئيس مبارك، الذى كان يفرد خريطة كبيرة على الأرض، ثم نزل على ركبتيه، وراح يسأل دكتور مفيد عن كل تفصيله فى القضية، وحتى المصطلحات القانونية، التى ذكرها دكتور مفيد فى الاجتماع، ولم يفهمها مبارك، سأله عنها، ودار هذا الحوار:

الرئيس مبارك: إنت مطمئن؟.

مفيد شهاب: كل الأوراق والمستندات لمصلحتنا.

الرئيس مبارك: بنسبة كام؟.

مفيد شهاب: بنسبة 90% يا افندم، لكن المحكمة ممكن تحكم بأى حكم رغم الأوراق المقدمة، مع العلم بأن هذه نسبة كبيرة جدًّا.

الرئيس مبارك: على خيرة الله... حرفض عرض السفير الأمريكى.

ويوم صدور حكم المحكمة الدولية كان الرئيس مبارك على خط التليفون مباشرة مع أعضاء الوفد المصرى، وفور صدور الحكم لصالح مصر، راح الرئيس الأسبق مبارك يهنئ كل واحد من أعضاء الفريق شخصيًّا، قائلًا: «ألف مبروك ألف مبروك لمصر».

ونعود إلى السؤال مرة أخرى، لو لم تشن مصر حرب أكتوبر، وتستعد سيناء، لكانت قد فقدت مركزها، كقوة إقليمية، وعالمية، مؤثرة فى مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية، ولولا استعادة مصر لأرضها، وكرامتها، لكانت، اليوم، بلا وزن، أو ثقل، فى الكيان الدولى. ولو لم نسترد سيناء، ونعيدها للوطن الأم، لما بدأت خطة الإصلاح الاقتصادى، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ توليه رئاسة الجمهورية، والتى تُعتبر تنمية سيناء جزءًا منها، حيث بدأ تطوير، وتوسيع، بحيرة البردويل، وبدأ تطوير ميناء العريش، وإنشاء حجم كبير من الطرق والأنفاق، الجديدة، التى تربط شبه جزيرة سيناء بباقى محافظات الوطن، فضلًا عن التنمية الصناعية، متمثلة فى تصنيع الرخام والفوسفات، بدلًا من تصديرهما كمواد خام، كما كان الحال من قبل. تُضاف إلى ذلك مشروعات التنمية العمرانية، بتأسيس كيانات مجتمعية، متكاملة، لتوطين أهالى سيناء، فى قرى جديدة، حول آبار المياه، مع توفير كافة الخدمات التعليمية، والصحية، والأمنية، وغيرها بها. سيظل عيد تحرير سيناء، يوم 25 إبريل، من كل عام، ذكرى للعزة المصرية، ورمزًا لصلابة مصر، شعبًا وجيشًا، وإصرارهما على استعادة الأرض المصرية، بعد غياب خمسة عشر عامًا.



Email: sfarag.media@outlook.com